مثقفو الممانعة ومثقفو السيادة حملوا العلم السوري معا قرب ضريح الحريري و”الشبّيحة” كانوا قلّة قليلة

بعض "الشبّيحة" الذي هاجموا ليل أمس المتضامنين مع الثوّار السوريين، في ساحة الشهداء، لو قيّض لهم الوصول إلى الفنان مارسيل خليفة، هل كانوا سيضربونه لأنّه "عميل" إسرائيلي أو أميركي؟ مطرب المقاومة وباثث روح الثورة في ملايين العرب، من أغنية "منتصب القامة أمشي" إلى "يعبرون الجسر في الصبح خفافا" إلى "يا طير الجنوب"، التي كتبها الرئيس نبيه بري، هل كان بعض شبّان "الحزب القومي السوري" سيكسرون وركه كما فعلوا مع الناشط غسان مكارم قبل أيام لأنّه أضاء شمعة أمام السفارة السورية في الحمرا؟

بعض "الشبّيحة"، الذين يحملون صور الرئيس السوري بشار الأسد، والذين هجموا ليل أمس على حاملي شموع الحزن والأسى على القتلى والجرحى في المدن السورية، لو قيّض لهم الوصول إلى الشاعر شوقي بزيع، هل كانوا سيضربونه لأنّه متواطىء ضدّ "المقاومة"؟ أحد "شعراء الجنوب"، الذي كتب القصائد للمقاومة، هل كان بعض مدّعي مناصرة المقاومة في الجنوب سيهشّمون وجهه كما فعلوا بعمر حرقوص ذات احتفال قوميّ في الحمرا؟

هؤلاء الشّبيحة، الذين كانوا أقلّ من المرات السابقة، وسيكونون أقلّ بعد كلّ تحرك تضامني مع الدم السائل في سوريا، هؤلاء هل كانوا سيضربون أحد أعمدة الخطاب الممانع في بيروت، وأحد داعمي المقاومة الأساسيين في الإعلام اللبناني، ناشر مجلة "الآداب" الدكتور سماح إدريس؟ وهل كانوا سيتّهمونه بالعمالة لإسرائيل وسيضربونه بوحشية كما فعلوا مع غيره قبل أيام في الحمرا؟

هل كانو سيهشّمون وجه الكاتب والصحافي خالد صاغية، مدير تحرير جريدة "الأخبار" سابقا، وسيتّهمونه بأنّه عميل ومتواطىء مع المؤامرة الأميركية والغربية ضدّ سوريا والعروبة والممانعة؟

وهل كانوا سيقطعون حنجرة المطرب أحمد قعبور، الذي غنّى "أناديكم وأشدّ على أياديكم" في عدوان نيسان من العام 1996؟ والذي غنّى "قوليلن وينو محمود، وقولي ليش تيابك سود؟ وليش الدمعة بعينيكي"؟

كلّ هؤلاء، إلى جانب الكتاب حازم صاغية وحازم الأمين ويوسف بزي وحسام عيتاني وحسن داوود، وإلى جانب قياديين في "لحزب التقدمي الإشتراكي" ووجوه من "اليسار الديمقراطية" ونواب ووزراء من "كتلة المستقبل" وصحافيون من الأطياف كلّها، كلّ هؤلاء كانوا ليل أمس في ساحة الشهداء، تحت التمثال الذي يرمز إلى شهداء الشعبين السوري واللبناني، الذين أعدمهم الإحتلال العثماني في 6 أيار من العام 1916، لأنّهم قالوا "لا" للظلم. يومها كان لبنان وسوريا "شعب واحد" في بلدين، وأعدم مثقفوهم وناشطوهم في ساحة المرجة بسوريا، وفي ساحة البرحج بلبنان، في لحظة واحدة. وأمس ربما كان بعض السوريين يهاجمون من قبل "الشبّيحة" بسوريا، فيما كان قلّة من " الشبّيحة" يهاجمون المعتصمين تحت تمثال الشهداء، تضامنا مع المظلومين السوريين.

أمس كانت الجَمعة غريبة ومهيبة: مثقفون كانوا يحسبون على 8 آذار، ومثقفون كانوا يحسبون على 14 آذار، وكانوا يتبادلون المقالات الحادّة على صفحات الجرائد اللبنانية والعربية، وقفوا جنبا إلى جنب. وحّدهم الدم السوري النازف في المدن السورية كلّها، ووحّدهم الصدق في الوقوف إلى جانب القتيل ضدّ القاتل. كان صاغية وإدريس وخليفة وبزيع وعيتاني ووسام سعادة وأحمد فتفت وحسن منيمنة يقفون جنبا إلى جنب مع الهاتفين: "سوريا بدّها حريّة، سوريا بدّها حريّة".

أمس، وللمرة الأولى منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، رفع العلم السوري أمام ضريح الرئيس الحريري، وحمله محبّو الحريري وخصومه معا. رفع علم "الحرية" السورية، لا علم "الوصاية" السورية، وربما أمكن القول بعد "ألفية" الإثنين 8 آب، إنّ ثمّة مصالحة تاريخية عقدت ولم ينتبه إليها أحد، هي المصالحة السورية اللبنانية الحقيقية.

العلم السوري في وسط بيروت 2011: تغيّر الكثير في هذا العالم.

السابق
حكومة مدنية بمصر وضمان محاكمة عادلة لمبارك
التالي
مسابقة تصوير أجمل بيت تراثي في بنت جبيل