لماذا ترفض “14 آذار ” حماية النفط اللبناني ؟

 رغم كل الصخب الذي دفعت اليه اميركا و"إسرائيل" منذ العام 2000 لإسقاط شرعية المقاومة وشرعية سلاحها، فان الشعب الللبناني في جزئه الاكبر حضن هذا السلاح وتمسك به باعتباره الاداة المتاحة للاقتران بقوة بالجيش والارادة الشعبية الواعية من اجل تحرير لبنان من محتل ومنع احتلال لبنان اذا استهدفه طامع. ورغم القرارات الدولية الكيدية بدءا بالقرار 1559 وما تلاه، فقد استمرت المقاومة وسلاحها في خطها التصاعدي في مراكمة القوة الى ان بلغت مبلغاً من القدرة ادخلت فيه "إسرائيل" في دائرة العجز او اليأس من استعادة قدرتها الردعية وهيبتها مسجلة عليها انتصارات على الجبهات الثلاث:
– في الميدان منعت "إسرائيل" من تحقيق اهدافها (وهذا يوصف في المصطلح العسكري هزيمة رغم انكار الناكرين).
– وفي الحرب النفسية تفوقت المقاومة على "إسرائيل" بحيث ان صراعا استمر 5 سنوات منذ حرب تموز انتهى راهنا الى القول بان المقاومة وجمهورها في مستوى معنوي متقدم على "إسرائيل" وجيشها وشعبها.
– اما الجبهة الثالثة وهي الوجه الاستراتيجي للصراع فقد كان للمقاومة إنجاز هام تمثل بالانتقال من المواجهة الاحادية الى استراتيجية الحرب الشاملة والجبهات المتعددة والعمل على خط نار يمتد من شمالي شرقي ايران في مشهد الى جنوب غربي لبنان في الناقورة من دون اسقاط ما ستواجهه "إسرائيل" في الداخل ومن غزة. اي ان "إسرائيل" تعلم ان اي حرب تندلع شراراتها لن تبقى محصورة في ميدان تحدده ولن تنتهي في توقيت تر اه.
واذا كانت "إسرائيل" تعول على الامم المتحدة ومجلس امنها الذي اعتاد على تقديم القرارات المناسبة للمصلحة "الإسرائيلية" لتكريس امر واقع تفرضه قوتها او لتعطيل مفاعيل هزيمة تُمنى بها، فان الوضع الدولي والاقليمي وحال القوى المقاومة اليوم تغيرا الى الحد الذي جعل هذه القرارات محدودة المفاعيل. وبالتالي فان "إسرائيل" تعرف الآن ان ركني القوة اللذين استندت اليهما في قيامها واستمرارها (القوة المادية الميدانية، وقوة الشرعية الدولية المكرسة في الأمم المتحدة) لم يعد لهما ذاك الدور والفعالية في مواجهة كيانات امتلكت القوة الميدانية وعرفت كيف تتعامل مع القرارات الدولية الظالمة، ومن اجل ذلك انتهى الامر الى القول بان اليد "الإسرائيلية" باتت مكبلة ومغلولة لا تستطيع الولوج الى حرب تفرض عبرها ما تشاء.
في ظل هذا الواقع يطل موضوع نزاع اضافي بين لبنان و"إسرائيل"، ليراكم المواضيع الخلافية بين الطرفين، نزاع يتمثل في استثمار الثروة النفطية التي اكتشفت في المنطقة الاقتصادية اللبنانية مقابل الساحل اللبناني في قسمه الجنوبي. (وللتذكير فقط نقول بان قانون البحار الذي وقع عليه لبنان في العام 1993 ولم توقعه "إسرائيل"، يعطي لبنان الحق بمنطقة مياه اقليمية تمتد الى 12 ميلاً بحرياً من الشاطئ، ومنطقة اقتصادية تليها وتمتد الى 200 ميل بحري بعد المنطقة الاولى) وتحاول "إسرائيل" ان تقتطع مساحة 856 كلم2 من هذه المنطقة لاستثمار ما فيها من حقول نفط وغاز وتقدر قيمتها بالمليارات من الدولارات بحيث تمكن لبنان في حال استثمارها من الاستفادة من عائدات سنوية قد تصل الى 12 مليار دولار.
وهنا ودون الخوض في المسائل القانونية وموجبات لبنان المفروضة عليه بموجب قانون البحار، (والتي قصرت الحكومات الحريرية بالقيام بها منذ العام 1993) فاننا نتذكر بان "إسرائيل" كانت تهدد دائما بالقوة التي تملكها لمنع لبنان والعرب من ممارسة حقوقهم في ثرواتهم المائية او مشاريعهم العلمية، فمنعت عبر عقود من الزمن استغلال مياه الانهار المحيطة بها، وكانت الحكومات العربية ترضخ للتهديد وتمتنع عن ممارسة الحقوق السيادية (وبهذا التهويل امتنع لبنان حتى الآن عن تنفيذ مشروع الليطاني الذي كانت خططه وخرائطه جاهزة منذ العام 1965، وبرر الإحجام بالخلافات حول التنفيذ على منسوب 600 او 800 م)، واذا رفضت الحكومات الرضوخ، تولت "إسرائيل" بقوتها العسكرية تدمير المنشآت كما فعلت في العراق ودمرت المفاعل النووي فيه). وبالخلاصة، كانت القوة "الإسرائيلية" دائما هي الاداة لمنع العرب من استغلال ثرواتهم.
اما اليوم ومع ظهور متغير جديد في المنطقة تمثل بالمقاومة التي تمتلك سلاحا يستطيع ان يواجه الغطرسة "الإسرائيلية" ويجعل لجوء "إسرائيل" الى القوة امرا مكلفا عليها في اكثر من مجال، مع هذا المتغير بات استثمار الثروات الطبيعية العربية امرا متاحا اذا توفرت الارادة الرسمية الوطنية لمثل هذا الاستثمار، ودون ان يقع المسؤول تحت وطأة الضغوط الدبلوماسية والسياسية الخارجية التي لا تعمل الا لمصلحة "إسرائيل". وبوضوح كلي نقول ان المسؤول في لبنان سيجد قراره بشأن الاستثمار النفطي محميا بسلاح المقاومة خاصة وانها اعلنت جهوزيتها لهذا الامر في اطار الشرعية الوطنية التي لا شك ولا التباس حولها. فقد انطلقت المقاومة من الاقرار الرسمي اللبناني المؤكد بارادة مجلس النواب اللبناني ان لبنان يستند في قوته الدفاعية الى ثالوث الجيش والشعب والمقاومة، ومن القرار الرسمي للحكومة اللبنانية الذي يحدد المنطقة الاقتصادية اللبنانية في البحر المتوسط، واعتبرت ان مساحة الـ 856 كلم2 التي تطمع بها "إسرائيل" ستُعتبر مساحة معتدى عليها في ما لو نفذت "إسرائيل" قرارها ووضعت يدها فعليا عليها.
انطلقت المقاومة من كل ذلك لتقول بانها جاهزة لصد اي عدوان "إسرائيلي" وذلك باللجوء الى ما تملك من قوة نارية يحدثها سلاحها الذي راكمته في سياق العمل للدفاع عن لبنان وثرواته، واختصرت المقاومة الامر بارساء معادلة جديدة تضاف الى المعادلات التي تراكمت لتشكيل استراتيجيتها الدفاعية، وهي معادلة "النفط مقابل االنفط "، التي تنطوي على دلالة بالغة تفهمها "إسرائيل" مؤداها القول ان حرمان لبنان من نفطه سيستتبع بحرمان "إسرائيل" من الاستغلال النفطي خارج المنطقة الاقتصادية اللبنانية وداخلها. وبهذا التحذير تكون المقاومة قد طورت وظيفة السلاح من اجل المصلحة اللبنانية العليا، ما يطرح السؤال المحرج على الفئة اللبنانية التي تطالب بنزع سلاح المقاومة والتي انبرت لرفض تصدي المقاومة لحماية الثروة النفطية اللبنانية. وهنا نذكِِّر بوقائع لا يمكن ان يخفيها نسيان: لقد عجزت الامم المتحدة عن تحرير الجنوب في العام 1978، فجاء السلاح االمقاوم وحرره، وعجزت الامم المتحدة عن ردع "إسرائيل" عن وضع اليد على المياه اللبنانية في الوزاني فجاء السلاح وفرض الحق باستثماره، وعجزت الامم المتحدة عن منع "إسرائيل" من الهجوم على لبنان في العام 2006 وبرز السلاح المقاوم ومنع الاحتلال. والآن تنصلت الامم المتحدة كما تنصلت اميركا من اي مسؤولية عن تمكين لبنان من استثمار ثروته النفطية، فجاءت المقاومة وفرضت المعادلة الدفاعية وفتحت الطريق امام لبنان لامتلاك نفطه.
ومع هذه الحقائق والوقائع هل يبقى للاقلية الرافضة التي تطالب بنزع هذا السلاح، وترفض دوره في حماية الثروة اللبنانية من دون ان تقدم البديل، هل يبقى لها حجة او ذريعة تبرر بها الطلب ؟ ام انها ستواجه السؤال الملح: لمصلحة من ولخدمة من تعمل ؟؟
طبعا ستكون الاجابة بسيطة لدى من ملك منطقاً سليماً وفكراً حراً حيث سيرى ان هذه الجماعات كما وقفت ضد المقاومة وهي تعمل على تحرير لبنان، وضدها يوم منعت احتلال لبنان، وكما استجابت للإملاء الاميركي بانكار شرعية المقاومة (والمقاومة ليست بحاجة الى من يعترف بشرعيتها اصلا) فانها تستمر اليوم عاملة في النهج ذاته خدمة للمشروع الغربي….ممنية النفس بمكافأة في كرسي حكم تقدم للاجنبي عبره ما يريد…
 

السابق
سينغ: لا تغيير في عديد «اليونيفيل» وحكومة لبنان تتحمّل مسؤولية أمننا
التالي
حوري: حزب الله وراء الحملة ضد الحريري