الكحول… ممنوعة في النبطية ومسموحة في صيدا!

 في وقت يعتقد بعضهم أنّ موجة إقفال محلّات بيع الكحول في عدد من الأحياء والمناطق اللبنانية انتهَت فصولا، يبدو الواقع غير ذلك، وعلى حَد تعبير بعض الشباب "فإن للقضية تتمّة"، ولا يزال صداها يتفاعل في صفوفهم. صحيح ان الانقسام في ظاهره لم يأخذ طابع 8 أو 14 آذار هذه المرة، إلّا انه لم يكن أقلّ حِدّة من أي كِباش سياسي آخر.

"منذ اتخاذ قرار مَنع بيع الكحول في بعض المحلات في الجنوب، لا سيما في النبطية، وعَمَل والدي يتدهور"، بشيء لا يخلو من الخيبة يتحدث الشاب أحمد عبدين (22 عاما) عن تراجع عمل والده، فهما يعملان في توزيع المشروب في الجنوب: "نعتاش من هذه المهنة، وترغيب بعض المحلات للإقفال حتى ترهيبها لا شَكّ في انه قطع في أرزاقنا وأرزاق كثير من التجار".

لا ينكر أحمد أنّ الإكثار من تناول المشروب يضرّ بالصحة، ولكن على حد تعبيره: "لا يمكن مَنع بيعه، بعدما تحوّل إلى قطاع تعتاش منه آلاف العائلات، فلا بدّ من تنظيم عملية بَيعه ومراقبته".

من جهته، ينطلق بكر حجازي من كون لبنان بلد التعايش واحترام الديمقراطية، للإشارة إلى ضرورة "تَرك الخيار للمرء في ان يتصرف وفقا لقناعاته، بصَرف النظر عن المنطقة التي يتواجد فيها".

في هذا الإطار، يشير حجازي إلى أهمية ترك الحرية في شرب الكحول، من دون إحراج أحد، قائلا: "غالبا ما يأتي السائح إلى لبنان لأنه يعتبره متنفّسا له، فكيف بنا نُكبّله، فنكون بذلك نَغرز إسفينا في قطاع يدرّ أرباحا كبيرة".

"من يريد ان يشرب الكحول لن يَردعه إقفال مَحلّ"، بنبرة غاضبة تعبّر الشابّة غنوى سوبرة عن انزعاجها من تحوّل مسألة شرب الكحول إلى نار تحت الرماد: "بين الحين والآخر ترتفع الأصوات المُنددة ببيع الكحول، وكأنّ العملية مرتبطة بعدد من المتاجر والمحلات، ولكن من يريد ان يشرب لن تتعذر عليه عملية التنقّل من منطقة إلى أخرى، حتى يَجد مُبتغاه".

ترغيب أم ترهيب؟

ما يزيد غضب غنوى ويضاعف تمَلملها، "ان موقف المعترضين على عملية بيع الكحول لا يبدو نابعا من رغبة حقيقية في تحسين ظروف الشباب وتقويم عاداتهم، أو توعيتهم، بل لمصلحة ذاتية تحرّكها ذيول سياسية". وتتابع موضحة: "لو كان الهدف من منع بيع الكحول في النبطية توعية الشباب، لماذا إذا السماح بالنارجيلة، لا سيما أنها أكثر شيوعا وضررا".

ولم تخف غنوى خشيتها من الانعكاسات السلبية التي قد ترتد على الشباب حيال هذا المنع، فتقول: "أتخَوّف من أن تؤدي هذه الاساليب القمعية إلى زواريب ضيّقة مظلمة، لا سيما أنّ الكبت والحرمان يضاعفان إقبال المرء ورغبته في الشرب". وتضيف محذرة: "نخشى من ان تكون هذه الخطوة من مؤشرات الولوج إلى "الدولة" التي يطمَح حزب الله في بنائها، وان كانت صغيرة، إلّا أنها تمهيدية للوصول إلى مشروعه الاكبر".

في المقابل، يُثني طارق على عملية منع بيع الكحول المتنقلة بين المناطق: "لا شك في أنها فرصة للشباب ليخففوا من إقبالهم على هذه المادة التي أطاحت حياة كُثر من أصحابنا". لذا آمل في ان تنتقل هذه العَدوى على نحو أسرع بين مختلف الأقضية.

في ضوء عمله في أحد المرابع الليلية في صيدا، يتوقّف دوريدو عند اختلاف طريقة تعامل الشباب مع الكحول: "غالبا ما يقصد المربع شباب من مناطق مجاورة ممنوع فيها الكحول، فيشربون بطريقة جنونية، متعطشين غير مُبالين لأي حسيب أو رقيب". ويتابع شارحا: "في حين يشرب الشباب، الذين لا يعانون أيّ حرمان، الكحول على نحو طبيعي، عقلاني، لا يضرّ بصحتهم". في هذا السياق، يشدد دوريدو على أهمية دوزَنَة المسألة بين المناطق، حفاظا على سلامة أبنائها، "لا حاجة الى الاختباء وراء إصبعنا، فكلّ ممنوع مرغوب، ووفق هذه القاعدة يتحرّك معظم الشبان".

نقيب المطاعم

من جهّته، شدد نقيب المطاعم والملاهي بول عريس لـ "الجمهورية" على ضرورة تفعيل مراقبة محلّات بيع الكحول والمرابع التي تقدمها الى روّادها: "يكفي الالتزام بما يحدده القانون واحترام عدم تقديم هذا المنتج إلى القاصرين. كذلك لا بد من تنشيط عمل الشرطة السياحية، كما ان على الجهات الأمنية مضاعفة حرصها، لا سيما ان موسم الصيف والسهر في ذروته".

في هذا الإطار، يَلفت عريس إلى أهمية معاقبة المخالفين: "يكفي محاسبة أحدهم بطريقة جديّة حتى يعتبر منها الآخرون، لا يكفي المناشدة بالإصلاح والتغيير من دون أخذ مبادرات جريئة". ويتابع محذّرا: "ما يزيد الطين بلّة هي تلك الخلطات السحرية التي تلجأ الحانات والمسابح الى تقديمها، فتزيد من تفشّي حالات الثمالة في صفوف الشباب".

وشدد عريس على أهمية دور الأهل في تَوعية أبنائهم: "لا يكفي لَوم الدولة والتهجّم على أصحاب المطاعم، على الأهل مراقبة أولادهم ومنعهم من الإفراط في الشرب، لا سيما القاصرين منهم".

مهما تعدّدت المواقف وتضاربت المصالح، لا بدّ من تَرك الخيار للمرء في أخذ قراره، لا سيما في بلد يتغنّى بالديمقراطية. كما لا يمكن، لأيّ جهة، أن تفرض "تعاليمها الدينية "على نظيرتها، خصوصا أنها تعتبرها شريكة في الوطن. 

السابق
الاستعلام في الجامعات… لا التعليم
التالي
أطول دراجة في العالـم