الاستعلام في الجامعات… لا التعليم

 يختلط الأمر على بعض من في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، ليحوّر جوانب من دورها، فيتراءى لكثيرين ان متلازمة التعليم التي تقرن بالفعل الأكاديمي، باتت أقرب الى "الاستعلام" بمعناه الاستخباري الساعي الى كسب المعلومة أكثر من ايصالها.
في هذه المقالة سرد ووقائع من تجربة شخصية، وليست بغرض التقويم، ويرى كاتبها في روايتها فرصة للعرض في وقت تمضي الشؤون التربوية عطلة صيفية مستحقة في أماكن، وقسرية في أخرى. فلا بوادر حل لاختيار رئيس للجامعة اللبنانية، سوى الاقتراب من تسوية سياسية على حساب المعايير القانونية (والأكاديمية حكماً)، ولا تسريب أسئلة مادة الاجتماع حسمه تقرير التفتيش التربوي الذي كثرت الوعود بقرب إصداره، فطال انتظاره الى حد يذكّر بشريط إعلاني لحقيبة مدرسية لم يستهلكها الزمن، مربوطة على ظهر هيكل عظمي وسط الرمال.
قبل يومين كشف مسؤول رفيع في إحدى الجامعات الحديثة العهد لكاتب هذه السطور انه وظّف في الحرم، 13 "مخبراً" يرفعون تقاريرهم اليه. "يشرفون" على انتظام الانضباط الأكاديمي في الجامعة، وينتشرون بين الطلاب لالتقاط أطراف أحاديثهم التي تحرص إدارة الجامعة على إبقائها بعيدة من السياسة. الى "مجموعة الـ 13"، كلّفت الادارة أفراداً آخرين بمراقبة موعد دخول الاساتذة صفوفهم، ومَن منهم تأخر، ومن منهم غاب عن السمع والبصر…
أعادني حديث المسؤول (الحريص كما يبدو)، الى أيام الدراسة في إحدى الجامعات الكبرى في بيروت، التي شكلت انتخاباتها الطالبية نقطة استقطاب لكثيرين. في واحدة من الدورات الانتخابية، رافقت طالباً زميلاً جمعتنا معرفة عبر صديق مشترك، مع بدء الاستعداد لفرز الأصوات وما يرافقه. أكثَر الزميل من اتصالاته الهاتفية الخافتة الصوت، الى ان قال في أحدها: "إيه سيدنا"! أقرّ بعد استفسار بثقة الزمالة، انه يتعاون مع مديرية المخابرات في الجيش، وتحديداً مع وحدة فيها تُعرف بـ "أمن الجامعات"، مهمتها الاحاطة بالشؤون الطالبية، وكيف انه اشترط ألا يكون "مخبراً" على أصدقائه، بل يساعد في حدود "نقل الأجواء" لا الطلبات الأكثر "دسامة"… عجزت المديرية عن استنباط "أخبار" الجامعات الا عبر الاستعانة بـ "ناسها"، خصوصاً أيام الانتخابات، حين كان يسمح لمخبريها "المخضرمين" بدخول الحرم، والترامي في فيء أشجاره. بيد ان القدرة "الاستكشافية" لهذه العيون الخبيرة كانت تقرب الصفر، اذ ان أمرهم كان أضحى مكشوفاً للطلاب.
نقطة أخرى في أمر الانتخابات كانت الحظوة التي تمتع بها نجل مرجع رسمي، اذ سمح لمرافقيه بدخول الحرم ساعة شاؤوا لئلا تصيبه شائبة، ووصل بهم الأمر ذات يوم اضطرت فيه الإدارة الى إغلاق الحرم، الى الطلب من أصدقائه ان "يحكينا على القناة (…)" الخاصة بالأجهزة اللاسلكية… ولما لم تنجح المحاولة، دخلوا ونقلوا اليه التعليمات "وجهاً لوجه". هذا غيض من فيض، والأرجح ان المستور يبقى أكثر من المعلوم. فهل الجامعات لا تزال مؤسسات أكاديمية.
 

السابق
“أمل” طردت قبيسي الطالب في الاعلام
التالي
الكحول… ممنوعة في النبطية ومسموحة في صيدا!