النهار: الاحتقان ينفجر مشادات بين 8 آذار والمعارضة و 58 نائباً يرسمون المشهد المأزوم قبيل الثقة

لم تكفل القرارات السياسية "الكبيرة" لقوى 8 آذار و14 آذار بحصر جلسات مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالسقف السياسي التعبيري، فتفلتت الانفعالات والاحتقانات في اليوم الثاني وتفجرت في سلسلة مشادات غلب عليها العنف اللفظي وكادت احداها ان تؤدي الى عراك بالأيدي، على غرار مشاهد عرفتها وتعرفها برلمانات آسيوية.

وعلى نقيض ما شهده اليوم الأول من مداخلات ذات سقوف سياسية عالية، لكنها لم تخرج الجلسة عن ضوابطها، تفتقت هذه الضوابط في اليوم الثاني واندلع مسلسل مشادات مقروناً بكلام وصل أحياناً الى حد الشتيمة وكيل النعوت السوقية عاكساً الى حد بعيد الصورة الخلفية للاحتدام الكبير الذي يظلل المناقشة.

ومع أن أوساطاً نيابية بارزة قالت لـ"النهار" ليلاً إن من الخطأ اتخاذ هذه المشادات معياراً لاستقراء مرحلة ما بعد انتهاء الجلسات ومنح الحكومة الثقة بمعنى أن الوضع سيبقى مضبوطاً بالاطار السياسي للصراع، فانها لم تقلل في المقابل حجم الاحتقانات القائم الذي ترجم في تبادل النبرات العدائية وتفجير الانفعالات على خلفية التصعيد السياسي الذي رافق تأليف الحكومة وصدور القرار الاتهامي للمحكمة الخاصة بلبنان والمواقف البالغة التعارض من هذين التطورين. لكن الأوساط تحدثت عن اتصالات بدأت مساء أمس ويتوقع ان تسبق الجلسة الثالثة النهائية للمجلس اليوم، من اجل اعادة ضبط الأمور وحصر النقاش ضمن اطره الهادئة، خصوصاً أن بين الخطباء المتبقين على لائحة طالبي الكلام اليوم رؤساء كتل نيابية من فريقي 14 آذار و8 آذار، الأمر الذي يوجب تتويج جلسات الأيام الثلاثة بالمواقف المبدئية للفريقين من غير أن ينزلق الأمر الى ما قد يزيد شحن المناخ السياسي بجرعة اضافية من التوتر.

ومعلوم ان 50 نائباً تحدثوا في جلستي اليومين الأولين ولا يزال على لائحة الخطباء ثمانية نواب تردد أن أبرزهم الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون ورئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد والنائب بطرس حرب والنائبة بهية الحريري، على أن يدلي رئيس الوزراء برده على النواب ثم يطرح رئيس مجلس النواب نبيه بري الثقة بالحكومة، وقد حدد موعد التصويت في الأولى والنصف بعد الظهر.
ولوحظ من مجريات اليومين الأولين أن معظم الخطباء كانوا من كتل 14 آذار ولا سيما منها كتلة "المستقبل" ومن كتل 8 آذار ولا سيما منها كتلة "حزب الله"، فيما برز غياب كلي للمستقلين أو للكتل الوسطية الممثلة في الحكومة، الأمر الذي عكس حدة الاستقطاب بين فريقي الصراع الأساسيين حول عنوانين كبيرين اختصرا المناقشة النيابية برمتها، هما المحكمة الخاصة بلبنان، وسلاح "حزب الله". على أن عنواناً ثالثاً أضيف أمس الى المجريات الساخنة للمبارزات الكلامية وزادها احتداماً، وتمثل في موضوع الازمة السورية التي فجرت المشادة بين النائب في كتلة "المستقبل" خالد ضاهر والنائب البعثي عاصم قانصو، الذي بادر الى توجيه عبارة نابية الى ضاهر اثر تأييده ثورة الشعب السوري، ورد ضاهر لاحقاً على العبارة بمثلها.

وبلغت الحدة ذروتها في الجلسة المسائية التي اتسمت بعصبية فائقة مع إلقاء عضو كتلة "المستقبل" النائب نهاد مشنوق كلمته التي قابلها النائب في "حزب الله" نواف الموسوي برد شديد الحدة. وأثار المشنوق في سياق حديثه عن "المرشد الأعلى لحملة السلاح" موضوع اكتشاف عملاء في صفوف "حزب الله"، مما اثار حفيظة الوزير علي حسن خليل، فرد غاضباً برفض هذا الكلام. ثم هاجم النائب الموسوي المشنوق واصفاً كلامه بانه "كلام فتنة"، فاجابه المشنوق": هذا كلام يشبهك". ورد الموسوي:
"انت عميل مخابرات معروف سعرك" وغادر القاعة.

واتسعت عدوى التوتر مع إلقاء النائب الكتائبي نديم الجميل كلمته موجهاً انتقادات لاذعة الى سلاح "حزب الله" و"دويلته" وانسحب على الاثر بعض نواب "حزب الله". كما حصلت مشادة بين النائب في "تكتل التغيير والاصلاح" ابرهيم كنعان والنائب الكتائبي سامي الجميل اثر اتهام الأول قوى 14 آذار "بتوظيف دماء الشهداء"، ورد عليه الجميل سائلاً: "هل المطلوب منا التخلي عن شهدائنا؟".

وافادت مصادر نيابية في قوى 14 آذار ان النائب المشنوق كان طلب الكلام قبل نصف ساعة فقط من الموعد الذي حدد له، وإثر ذلك عقد اجتماع لنواب من "حزب الله" والوزير علي حسن خليل في أحد مكاتب المجلس، ثم انتقل خليل من مقاعد الحكومة الى مقاعد النواب، مما يعني ان الجانب الآخر كان متحفزا للرد على المشنوق تحديدا. ولم يقف التوتر عند الأجواء داخل حرم المجلس، اذ افادت محطة الجزيرة" القطرية ان مراسلها في بيروت علي هاشم تعرض لاعتداء بالضرب من شرطة مجلس النواب لدى تغطيته وقائع الجلسة.
واوضح المراسل ان مسؤولا عن الامن في المجلس طلب منه مغادرة مقهى بجانب المجلس كانت تعرض فيه كلمات النواب، وحين رفض انهال عليه رجال الامن بالضرب وطردوه من المنطقة.

بكركي

وعلى رغم الانشداد الى وقائع الجلسة النيابية ومجرياتها، استوقف البيان الذي صدر امس عن مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الاوساط السياسية وخصوصا لجهة موقفه من القرار الاتهامي للمحكمة الدولية الذي بدا مثيرا للجدل. وقوبل هذا الموقف بترحيب من قوى 8 آذار عبّر عنه النائب اسطفان الدويهي في مداخلته في المجلس، فيما التزمت قوى 14 آذار الصمت حياله.

وكان البيان حض الحكومة التي تمنى لها ان "تنطلق معززة بثقة المجلس النيابي" على "احترام المواثيق والاتفاقات والتقيد بالقرارات الدولية". لكنه لفت الى "اصدار المحكمة الدولية قرارها الظني في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الجديدة تستعد لمناقشة بيانها الوزاري مما اجج الجدل وزاد الشرخ بين الفرقاء السياسيين". وناشد جميع المسؤولين السياسيين "السعي الى توحيد الرؤية وإظهار الحقيقة والعمل على تحقيق العدالة التي من شأنها وضع حد لمسلسل الاغتيالات ووأد الفتنة في البلاد".

السابق
السفير: البعث بين متنافسين … في تعددية سياسية اللقاء التشاوري السوري يمهّد لتعديل الدستور في آب
التالي
الجمهورية: المنازلة النيابيّة تنتهي اليوم والحكومة تنطلق بـ 69 صوتاً المعارضة تستعدّ للمستقبل ولا عودة قريبة للحريري