هل يضحّي حزب الله بالمحكمة أم بالحكومة؟

إذا كانت قوى 8 آذار خيّرت على مدى سنوات قوى 14 آذار بين السيئ والأسوأ في المجال السياسي، فهل آن الأوان لأن تخير قوى 14 آذار بدورها قوى 8 آذار وتحديداً "حزب الله"، بين المحكمة والحكومة؟ وإذا كان الرئيس بري قال في تصريح له ان ما كانت تراه دول الغرب مقبولاً مع حكومة الرئيس الحريري تراه غير مقبول مع حكومة الرئيس ميقاتي، فهل قوى 8 آذار وتحديداً "حزب الله" يرى ان ما كان مطلوباً من حكومة الحريري في موضوع المحكمة بات غير مطلوب من حكومة الرئيس ميقاتي وان لا مشكلة مع صدور القرار الاتهامي لأنه يعتبر نفسه غير معني به ولا بالمحكمة، ولم يعد حتى موضوع شهود الزور ملفاً شائكاً كما كان مع حكومة الحريري فكان من اسباب استقالتها كما كان انشاء المحكمة سبباً لاستقالة الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة؟

والسؤال المطروح أيضاً هو: هل تكون قوى 8 آذار من أجل أن تحافظ على حكومة هي حكومتها لأول مرة في تاريخ لبنان مستعدة لأن تتعاون مع المحكمة الدولية وان تنفذ مذكرات التوقيف بحق المتهمين إذا كانت التهم المسندة اليهم مؤكدة بأدلة قاطعة، وتبرّر اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وجرائم مماثلة لا ينتمي بعضهم الى "حزب الله" او انهم عناصر غير منضبطة كان قد مهّد الأمين العام للحزب لاحتمال وجودها عندما اتهم في مؤتمر صحافي أجهزة المخابرات الاميركية بمحاولة خرق صفوف الحزب من أجل تجنيد عملاء لها ولاسرائيل في حين كان قد رفض رفضاً قاطعاً إمكان حصول هذا الخرق عندما فاتحه الرئيس الحريري قبل سنتين باحتمال حصول ذلك في جريمة اغتيال والده معلناً ان لا عناصر يمكن ان تكون غير منضبطة في حزبه…

ويبدو من السابق لأوانه معرفة كيف ستتصرف الحكومة حيال اجراءات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعد صدور القرار الاتهامي و الوقوف على التفاصيل كي يعبّر الحكم على مضمونه سلباً أو ايجاباً وتتقرر كيفية التعامل معه ليس بما يقوله البيان الوزاري بل بما تقوله الأفعال، وذلك إما بجعل مذكرات التوقيف غير قابلة للتنفيذ سواء لعدم وجود المتهمين في لبنان او لأي سبب آخر. او بتكليف محامين قديرين للدفاع عنهم أمام المحكمة علّ الوقت الذي تتطلبه المحاكمات يأتي بالحل الذي كان قد ورد في تسوية "السين – سين" أي بعقد مؤتمر مصالحة ومسامحة يطوي صفحة الماضي بكل مآسيها بما فيها جرائم الاغتيال زمن الحرب الداخلية وبعده وفتح صفحة جديدة على وفاق وطني شامل وصحيح يعزّز الوحدة الداخلية ويرسخ أسس العيش المشترك، وتكون هذه المصالحة والمسامحة منطلقاً لاقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، اي الدولة القادرة على صدّ أي اعتداء اسرائيلي على لبنان لانها واحدة وموحدة وليست شبه دولة وموزعة الولاءات، لا تقوى على مواجهة هذا الاعتداء.

وإذا كان في الامكان معالجة موضوع المتهمين في ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه بشكل من الأشكال فهل في الامكان معالجة المتهمين بالتخطيط لهذه الجريمة ومدبريها عندما تتناول التهمة رؤوساً كبيرة لبنانية وغير لبنانية، وكيف السبيل الى ذلك؟ هل بسين سين جديدة بحيث تساعد الاحداث في سوريا على تجديد المساعي للوصول الى تسوية تنتهي هي أيضاً بالمصالحة والمسامحة وتعيد فتح الباب أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية لا زغل فيها؟

الواقع ان قوى 14 آذار اذا كانت قد قدمت سلسلة تنازلات لقوى 8 آذار حرصاً منها على السلم الأهلي وعلى الوحدة الوطنية والكيان. فهل تقدم قوى 8 آذار وتحديداً "حزب الله" تنازلات لأجل لبنان وحرصاً على السلم الأهلي فيه بحيث لا يكون الردّ على اجراءات المحكمة الدولية بالعنف بل بالقانون ولا يضحى بالحكومة التي هي حكومة 8 آذار بل يضحى بالمتهمين إذا ثبت أنهم ارتكبوا جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه. فلو أن الحكومة هي حكومة قوى 14 آذار أو حتى حكومة مختلطة منها ومن قوى 8 آذار وبرئاسة الحريري لما كان "حزب الله" يقبل بتسهيل مهمتها كما قد يفعل مع حكومة ميقاتي لأنها تعتبر حكومة الحزب، فالتوصل الى جعل الدولة اللبنانية من خلال هذه الحكومة دولة الحزب وذلك بإحداث التغيير المطلوب في اداراتها ومؤسساتها فيضع عندئذ سلاحه في تصرفها لا بل قد يسلمه اليها لأن الأفضل مئة مرة التضحية بكل شيء من أجل الحكومة. ففي الماضي قال مفوض سام لفرنسا في لبنان ان باريس تساوي قداساً فهل يقايض الحزب المحكمة بدولة تكون دولته وتحقق بمساعدة سوريا ما لم تستطع قوى 14 آذار تحقيقه ارضاء للبنان واللبنانيين على أبواب انتخابات نيابية تأمل ان تفوز فيها بالأكثرية فتصبح الحكومة تساوي عندئذ المحكمة.

السابق
عندما يُتهم الشيعة ظلماً بقتل الزعيم السنّي
التالي
ما سرّ المصادفات بين التسريبات والاتهام؟