اشتباكات إلكترونية “مذهبية” تنذر بانفجار وشيك في طرابلس

 هجمات وهجمات مضادة وعبارات مذهبية تحريضية تعكس عمق الأزمة والحقد بين السنة والعلويين
الجبهتان تتمترسان وراء شعارات دينية: التبانة مؤيدة للثورة السورية مقابل موالاة جبل محسن الأسد
عشرات الأعضاء فقط في صفحة ضد الفتنة مقابل الآلاف في صفحات "الجبهة" والصفحات المساندة
محمد- ابراهيم:
لا يتوهم أي طرابلسي أن المواجهات الدامية التي اندلعت في 17 يونيو الجاري بين باب التبانة وجبل محسن وأسفرت عن سقوط قتلى وعشرات الجرحى, انتهت بمجرد إعلان الجيش اللبناني انتشاره في المنطقة المتفجرة, أو بتأكيدات وزير الداخيلة الجديد مروان شربل أن ما حدث لن يتكرر, أو بالاجتماعات النيابية – الدينية المتلاحقة, فالمشكلة أعمق بكثير من حلها بتصريح أو موقف أو قرار حازم (غير قابل للتنفيذ), وهو ما يؤكده انتقال الجبهة من خطوط التماس في الشوارع والأزقة الفاصلة بين المنطقتين, إلى صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك", عاكسة عمق الأزمة التي يبدو أنها عصية على الحل في المستقبل القريب.
وكما كانت "حفلة الجنون" على الأرض لجهة حدة الاشتباكات التي استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والصاروخية, تبرز التعليقات "المذهبية" على صفحات "فيسبوك" حدة العداء التاريخي المستحكم بين أهالي المنطقتين: فباب التبانة – السنية وفقاً للمفهوم المذهبي – التي يمكن وصفها بأنها المنطقة الأفقر في لبنان نتيجة أخطاء فادحة من الدولة على مر العقود الماضية, تؤيد الثورة السورية وتدعم المناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية, فيما جبل محسن – العلوي- يؤيد بشكل علني وشرس نظام الرئيس بشار الأسد وجميع أركانه من دون أي تحفظ.

المقاتلون والداعمون لهم
وتدور "المعركة" الفعلية على "فيسبوك" بين صفحة "أخبار باب التبانة" التي تضم حوالي 2400 شخص وبين صفحة "يا قائد سورية جبل محسن معاك أطفال نساء رجال كلنا فداك يا أسد العرب" التي تضم أيضاً حوالي 2200 شخص.
ومنذ اشتداد "المواجهة" منتصف الشهر الجاري, تتلقى الصفحتان "مساندة" من صفحات أخرى: التبانة مدعومة من صفحتي "أصدقاء المغدور خضر المصري" و"ملايين الكارهيين للسفاح حسن نصر اللات" بشكل خاص, وجبل محسن مدعوم من صفحة "شبكة أخبار جبل محسن "J.M.N.N وصفحات أخرى مؤيدة للنظام السوري.
وخضر المصري هو شاب من التبانة أصيب خلال الاشتباكات الأخيرة برصاص أحد عناصر الجيش, وفقاً لروايات متقاطعة غير رسمية, وتوفي متأثراً بجراحه بعد أيام, ويبرز من خلال التعليقات على صفحة أصدقائه, ما تؤكده أوساط طرابلسية, لجهة شعبيته الواسعة والمكانة التي يتمتع بها, وهو ما ظهر جلياً من خلال المشاركة الشعبية الواسعة في تشييعه, وتقديم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومسؤولي مختلف التيارات السياسة والدينية واجب العزاء لذويه, فضلاً عن الحزن الذي لف التبانة بعد إعلان وفاته.

سنطلق الرصاص
ووسط عشرات التعليقات التي تصفه ب¯"القائد" و"أسد طرابلس", تبرز تعليقات تدعو إلى الانتقام وأخرى تربط بين المصري وبين خليل عكاوي, أبرزها: "لا للبكاء ولا للدموع .. فنحن مؤمنون وكلنا خشوع… لن تبكي العيون وأنت تسكنها.. سنطلق الرصاص سنشعل الشموع … وحق محمد وحق يسوع .. دماؤك لن تذهب هدراً فخلفك جموع", و"دم أبوعمر مابيروح هيك", و"من الشهيد ابوعربي (خليل عكاوي) إلى الشهيد أبو عمر (خضرالمصري) والمسيرة مستمرة".
وأبوعربي كان قائد التبانة بلا منافس في الثمانينات, حيث قاوم الوجود السوري مقاومة شرسة, واغتيل في محلة أبي سمراء العام 1985, ولا تزال صوره حتى اليوم منتشرة في الشوارع والأحياء.

مستودعات رجال
وإذا كانت التعليقات على هذه الصفحة – رغم عدم خلوها من عبارات نارية – مخصصة للتعبير عن الحزن على وفاة خضر المصري, فإن صورة "الاشتباكات" تبدو أوضح على صفحة "أخبار باب التبانة" التي يرفض أعضاؤها بشكل قاطع أي سحب للسلاح من طرابلس, على اعتبار أنه يستهدف الطائفة السنية فيما يحتفظ "حزب الله" الشيعي بسلاحه, مؤكدين أنه "في طرابلس لا يوجد مستودعات أسلحة بل يوجد مستودعات رجال".
ورداً على إعلان ميقاتي عزم الحكومة على نزع السلاح من طرابلس, كتب المسؤول عن الصفحة متسائلاً: "وماذا عن نزع سلاح حزب اللات (حزب الله) وجبل محسن ياعميل .. جمعك يا دولة الرئيس للسلاح من الطائفة السنية دون باقي الطوائف لهو بمثابة اعلان للحرب ضد السنة وتصرف أحمق وهو ما لن يغفره لك الشعب اللبناني.. بالأمس تشكل حكومتك برعاية إيرانية واليوم تجمع السلاح نن طائفة دون الأخرى.. وماذا أيضاً متى ستعلن الحرب على أبناء طائفتك الذين تنكرت لهم?.
وإضافة إلى العبارات المناهضة للنظام السوري وإيران و"حزب الله", شنت الصفحة هجوماً عنيفاً على الداعية السلفي عمر بكري, الذي بات مؤيداً ل¯"حزب الله" في الآونة الأخيرة, وسألت: "عمر بكري هل أنت سلفي? الاجابة لا ومنافق, كيف تدعي السلفية وتدعي أنك مع المجاهدين في تنظيم القاعدة وتوالي ايران و حزب اللات, أي حماقة هذه ….. السني صار بدو حزب اللات يدافع عنه! سحقاً لك! السلفيون في لبنان والعالم الإسلامي براءة منك. يبقى خلي حزب اللات يفيدك يا عمر بكري".

يا قاتل يا مقتول
وتعكس عشرات التعليقات حجم "الجمر تحت الرماد", حيث يقول أحدهم: "صمتنا ليس انكسار … صمتنا بعده انفجار", ويضيف آخر: "نحنا بلبنان عم ننجر غصب عنا للمشكل لأنو متل ما صار معروف كل رموز السنة في خطر", ويحذر ثالث: "يا شباب الوضع في لبنان خلص فلت … يا قاتل يا مقتول".
ويقول أحد "ثوار 14 آذار" بعد دعوته إلى رص الصفوف وإنشاء مجلس عسكري موحد على المحاور جميع: "قريباً الزحف قادم يا بعل محسن سندخله بسلام وإما بالرصاص كفى مراوغة".
ولا يفوت أهالي التبانة دعم منطقة طريق الجديدة في بيروت, معقل "تيار المستقبل", حيث كتب أحدهم: "كرمال أهل بيروت وشباب الطريق الجديدة, إذا بدو يحاول نذل من حزب اللات التعدي عليكم دماؤنا بترخصلكم".
وتتلقى صفحة التبانة "دعماً" من صفحة "ملايين الكارهين للسفاح حسن نصر اللات" التي تضم حوالي 5500 شخص, وتعنى بدعم الثورة السورية ونقل أخبارها, حيث تظهر تعليقات أعضائها حجم معاداة نظام الأسد و"حزب الله", ومنها: "أيها الحقير بشار سترحل رغماً عنك الى ايران وطنك ووطن نصر اللات الأصلي".
سنقطع رأسه
في المقابل, يتولى الأعضاء في صفحة "يا قائد سورية جبل محسن معك أطفال نساء رجال كلنا فداك يا أسد العرب", الدفاع بشراسة عن النظام السوري, ويشنون هجوماً لاذعاً على بعض القادة العرب والفضائيات العربية ولاسيما "الجزيرة" و"العربية".
وبعد الإعلان عن وفاة خضر المصري في التبانة وتصاعد الحديث عن "الانتقام", كتب المسؤول عن الصفحة متوعداً: "من يتعدى على عرش الأسود في جبل محسن سنقطع رأسه", كما رد على هجمات لأعضاء صفحة "باب التبانة" بالقول: "هؤلاء الخنازير لقد أثبتوا انهم جبناء, نحن أشبال الاسد وسنبقى على كرامتنا ومن يتعدى علينا سنتعدى عليه".
ولعل نقطة التوافق الوحيدة بين الجانبين هي التمسك بالسلاح, حيث كتب صفحة "جبل محسن" بدورها: "الله يحميكن يا اسود جبل محسن انتم رافعن اسم جبل محسن في كل العالم وانتم أثبتوا أنكم اسود لقد أرعبتم العالم بأكمله بهذا الاسم الذي هو سلاح بيدنا وسيبقى جبل محسن فوق رؤوس الجميع".
ومن أبرز التعليقات التهكمية على الثورة السورية: "نقلاً عن شهود عيان: انشقاق أكثر من 20 ألف جندي سوري من الضحك عند استماعهم لمطلب أحد المعارضين بعودة الجيش إلى ثكناته خوفاً عليه من العصابات المسلحة", و"زوجة أوباما شافته عم يقرأ كتاب على غير عوايده لكن الاسم مثير (كيف تسقط النظام السوري) فضحكت عليه وقالتلوه تركها من أيدك القصص الخيالية ما بتواتيك".
ووفقاً لاستطلاع على صفحة "شبكة أخبار جبل محسن" التي يبلغ عدد أعضائها حوالي 3 آلاف, وتعنى بنقل الأخبار بالدرجة الأولى, فإن غالبية ساحقة تؤكد أن المعارك بين الجبل والتبانة لم تنته, مقابل أقلية تعتبر أنها "انتهت ولكن هناك جولات أخرى".

قلة لا تذكر ضد الفتنة!
وما بين الجبهتين المشتعلتين, يبلغ عدد الأعضاء في صفحة "طرابلسيون ضد الفتنة بين التبانة وجبل محسن" 71 فقط (حتى مساء أمس), ولعل أبلغ توصيف للوضع هو ما كتبته إحدى المشاركات قائلة: "والله عيب يعني هيدي صفحة ضد الفتنة ما فيها غير 71 معجبا والصفحات المحرضة فيها آلاف المعجبين وكل دقيقة منشورات … آخ يا بلدنا".
وكتب آخر: "طريق القدس لا تمر في شارع سورية (الفاصل بين التبانة وجبل محسن)… صححوا مسار نضالكم وصوبوا بنادقكم باتجاه عدو لبنان الأول اسرائيل, اعملوا بالمثل القائل: أنا وأخي على ابن عمي وأنا وإبن عمي عالغريب". 

السابق
ما دام السلاح في الأيدي فلا باب للاستقرار
التالي
14 آذار تتعهد التصدي بحزم لأي محاولة تنصل من الالتزامات الدولية