ما دام السلاح في الأيدي فلا باب للاستقرار

 إغمض عيناً وافتح عيناً تجد نفسك على أبواب أيلول الذي طرفه مبلول، كما تقول الأمثال. فهذا الشهر التاسع من السنة هو اللوحة التي ستكتب فيها نهايات الأحداث الجارية الآن في المنطقة، ويتقرر فيها مصير شعوب بالجملة، ومنها الشعب الفلسطيني الموزع بين نير الأرض المحتلة والشتات والخيام. ففي أيلول (سبتمبر) ستتحدد مواقف الدول الكبرى من قضية فلسطين، ودولة فلسطين المرشحة للإعلان بعدما تبنتها أكثر دول الاتحاد الأوروبي، ولا ترى الولايات المتحدة من مصلحتها الاستراتيجية أن تقف في مواجهة الاتحاد الأوروبي، بعدما شاركها الكثير من الهموم، من أفغانستان حيث لهذا الاتحاد جيوش وكتائب، الى ليبيا، الى العراق، والسودان.
في أيلول (سبتمبر) تكون ملامح الثورة المصرية، ثورة 25 يناير، قد بانت واشرأبت، وظهرت معركة التصفية للأسماء المرشحة للرئاسة مثل عمرو موسى، ومحمد البرادعي، وأيمن نور، وبثينة كامل مذيعة قناة «أوربيت»، وبانت شخصية المولود الذي هو الدستور الجديد، ومجلس الشعب الجديد، وحق على ضباط المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يعودوا الى الثكنات، وأن تنتشر بنود الدولة المدنية الديموقراطية.
في أيلول (سبتمبر) المقبل تكون تونس قد استعدت لانتخابات رئيسها الجديد مكان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الماثل غيابياً الآن أمام القضاء التونسي، ومعه المحامي اللبناني أكرم عازوري، لإيمان بن علي بكفاءة المحامين اللبنانيين وقدرتهم على تبييض صفحة المتهم من خلال عدم كفاية الأدلة.
وفي أيلول (سبتمبر) تكون أحداث ليبيا قد وضعت أوزارها، وأصبح القذافي منفياً في إحدى البلدان الإفريقية مثل اثيوبيا التي رحب رئيسها «ادريس ديبي» باستضافة العقيد بحكم روابط العيش والملح، وأتيح للمجلس الوطني الانتقالي في بنغازي بقيادة وزير العدل السابق مصطفى عبد الجليل أن يرسم الحالة الجديدة لليبيا، عبر الحل السياسي الذي، على ما يبدو، لم يعد منه مهرب، فيكون هناك برلمان آتٍ بانتخابات شرعية نزيهة برقابة دولية، ورئيس اتعظ من سواه وأدرك أن الطريق المستقيم هو الأقرب الى الله والناس. وستظهر في أفق السلطة وجوه شابة جديدة محصنة بالعلم والأخلاق وحسن التواصل.

خيم تركيا.. البيضاء

في الشهر التاسع من هذه السنة يكون الصبح في اليمن قد انجلى، وأنبتت دماء الشهداء حكماً ديموقراطياً يستأصل شأفة الفساد، ويحيل المذنبين وأصحاب الأيدي الملوثة بالدم الى المحاكم لتلقى جزاءها الذي تستحق، ويسترجع اليمن السعيد أمنه واستقراره وأيام عزه.
وفي أيلول (سبتمبر) يكون المشهد السوري المجاور للمشهد اللبناني قد توضح ببقاء الرئيس بشار الأسد، أو بعدم بقائه، ولا يستطيع أحد أن يقطع بأية واحدة من الحالتين، لأنه مشهد أشبه بفيلم أميركي طويل زيادة عن اللزوم. وقد حاول الرئيس الأسد في خطابه من منبر الجامعة السورية أن يخفف من وطأة الأحداث، ومن نكبة آلاف اللاجئين السوريين الى تركيا، ولكن المرسوم دولياً كان غير ذلك. المرسوم هو أن يسقط نظام الأسد، لمصلحة حاكم جديد. فلا وزيرة الخارجية الأميركية «هيلاري كلينتون»، ولا وزير خارجية فرنسا «آلان جوبيه» وجدا أن الخطاب كافٍ، والإصلاحات قد تأخرت، وأن أيام النظام السوري باتت معدودة.
بالمقابل استمرت تظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، وكأن خطاب الرئيس الأسد لم يكن، برغم قوله إن الإصلاح لا يتم بغمضة عين، بل يحتاج الى وقت، وهو ماضٍ في هذا الإصلاح ولن يتراجع.
وعندما يزول مشهد الخيم البيضاء المتراصة قرب انطاكية للاجئين السوريين، وتبدأ العودة الى الديار السورية، يكون أول الفرج قد أتى..
وفي أيلول تكون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد خطت خطواتها الاصلاحية الأولى، بفتح دفاتر الشروط لشركات التنقيب عن الغاز والبترول في بحر بيروت، بعدما ثبت قيام اسرائيل باكتشاف آبار الغاز في البحر الأبيض المتوسط نفسه، وأقامت المنصات البترولية وسط البحر، وبعدما أعلنت قبرص اكتشاف خلايا نائمة من الغاز والبترول في الجانب المتعلق بها من البحر الأبيض المتوسط، وها هو وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل يعلن استعداد خبراء روس للتنقيب عن الغاز والبترول في بحر لبنان..
وتكفي أخبار اكتشاف الغاز والبترول في بحر لبنان لتصبح سمعة هذا البلد في أوجها، وتتدافع إليه الاستثمارات.

لا تسامح في المحاسبة

وهذه هي الخطوة الأولى في إطفاء شريحة من الدين العام المترتب على لبنان، ولكن لا يعني ذلك غياب المحاسبة عن تراكم هذا الدين. فها هو الرئيس ميشال سليمان يقول في حديث الى الزميلة «النهار» إن تصرفات حكومة الرئيس ميقاتي لن تكون كيدية أو انتقامية، إلا أن ذلك لا يعني غياب المحاسبة. فمهمة مجلس النواب هي التشريع والرقابة، ولكن هذه الرقابة لم تفعل فعلها في السؤال: أين وقع الهدر المالي، ومن هو المسؤول والمرتكب؟
وأكثر ما يشغل بال الرئيس ميقاتي الآن هو الأمن. فلا استثمارات بدون أمن ولا استقرار بدون أمن. والسلاح منتشر في المنازل والأيدي كحبات الأرز، ولا بد من غطاء سياسي لحملة تجردها الحكومة لجمع السلاح، كما قال الرئيس ميقاتي أخيراً. وحده سلاح المقاومة في الجنوب، وبالتنسيق مع الجيش اللبناني مسموح بأن يبقى حتى تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وغير ذلك لا معنى لوجود السلاح في أي مكان آخر. فانتشار هذا السلاح هو السبب الرئيس في ظهور عصابات النهب والسلب للأشخاص والصيدليات والسيارات، وانتشار هذا السلاح هو السبب الرئيس في حوادث الاعتداء على أطباء ومحامين.
بل إن انتشار هذا السلاح غير الشرعي هو الذي أشعل الفتنة بين باب التبانة وبعل محسن في طرابلس يوم الجمعة الماضي. وقد رأينا على شاشة «المنار» مساء ذلك اليوم مسلحين بأقنعة في باب التبانة يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور.
وقد سجل الرئيس ميقاتي أفضل بداية لعهده الجديد في السراي بإعلانه من داخل دارته في طرابلس أنه أعطى التعليمات للجيش وقوى الأمن بعدم التساهل مع أي مسلح، الى أي جهة انتمى، وإخماد الفتنة مهما كلف الأمر.
وأنا على يقين بأن نواب كتلة «المستقبل» في طرابلس هم أيضاً يحرصون على أن تبقى لغة السلاح خارج المشهد الطرابلسي والشمالي، لأن عاقبة هذا السلاح سترتد على الجميع، ولن يكون هناك منتصر، بل سيكون الكل مهزوماً.
وجمع السلاح، أو تسليمه الى السلطات الأمنية بالرضا، يحتاج الى قرار في مائدة الحوار التي وعد الرئيس ميشال سليمان بإعادة إحيائها، وقيام اتفاق وطني على طريقة التعامل مع السلاح عموماً، وسلاح حزب الله خصوصاً.
والى جانب جمع السلاح غير المرخّص، ومحاولة إطفاء شريحة من الدين العام،لا بد من تحفيز الرأي العام الدولي لصالح لبنان. وحسناً فعل الرئيس ميقاتي يوم الاثنين الماضي حين استدعى السفيرة الأميركية «مورا كونيللي» والسفراء العرب لوضعهم في مناخ الحكومة الجديدة. وهذا وحده لا يكفي، بل يستوجب الأمر قيام الرئيس ميشال سليمان، ثم الرئيس نجيب ميقاتي بزيارات لعدد من العواصم العربية، مثل القاهرة والرياض وعمّان وتونس، وكذلك زيارة كل من باريس ولندن وواشنطن وبرلين وروما، لشرح أهداف الحكومة الجديدة، مع احترامها للقرارات الدولية، وأولها القرار 1701، وللمحكمة الدولية من حيث المبدأ، بانتظار صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بحيث يكون للشيء مقتضاه.
والرئيس ميقاتي يعلم تماماً أن زمانه حكم عليه أن يمشي فوق الشوك، ولكنه يحاول أن يكون بازاً فوق الأشواك، ومن إخماده الفتنة في طرابلس كانت بداية ممارسته للسلطة! 

السابق
ترنح حزب الله!
التالي
اشتباكات إلكترونية “مذهبية” تنذر بانفجار وشيك في طرابلس