بين إلغاء الطائفية والسلاح في التبانة وجبل محسن..

من المهم جداً ان يتفق اللبنانيون على معادلة ذهبية هي ان السلاح يكون فقط للدفاع عن الوطن وعلى الحدود، وان اي سلاح غير ذاك الموجه الى العدو الاسرائيلي لردعه ووقف اعتداءاته، مرفوض جملة وتفصيلاً. فبهذا المعنى يحيّدون سلاح المقاومة عن سلاح الاحياء والزواريب في العاصمة وسائر المدن، ويمنعون استغلاله من انتهازيين ومغرضين وربما مدسوسين وعملاء، ولا تعود هناك مشكلة في الحديث عن "طرابلس منزوعة السلاح"، وهو الشعار الذي طرحه اخيراً نواب المدينة ووجهاؤها، واستطراداً يصبح الكلام عن ان الخطوة تمهّد لمثلها في مدن ومناطق اخرى غير مشكوك فيه ولا يستبطن مشروعاً مشبوهاً ولا يستهدف سلاح المقاومة.

والتجربة نفسها خيضت في العاصمة، في اكثر من محطة دامية وبعد سلسلة صدامات مسلحة في الاحياء والزواريب. وفي كل مرة، كان الامر ينتهي باجراءات خجولة، وما تلبث الاوضاع ان تعود الى سابق عهدها. وقد تم التفاهم بداية على ازالة الصور والاعلام والشعارات الحزبية والفئوية والاستفزازية من طراز "الويل لكم"، او "الامر لكم" تحت صورة كبيرة في باحة احد الاحياء، وما شابه من عبارات تشكل كل منها على حدة، مشروع مشكلة كبيرة سبق ان شهد الناس عينات منها ولا تشرّف احداً.

وحتى الآن لا تزال هناك "مشاريع" مشكلات كثيرة تتمثل بصور وشعارات واعلام تفرض على الناس رغماً عنهم، وتشكل استفزازاً للآخر، اياً يكن.

ولئن يكن شعار "طرابلس منزوعة السلاح" قد طرح بعد طول معاناة وبعد اشتباك غير بعيد، كان مفاجئاً و"غب الطلب" بين مسلحين في جبل محسن وآخرين في باب التبانة، فإنه بدا مطلباً محقاً، أقله لاهالي الضحايا من كل الاطراف وعلى خط التماس في شارع سوريا. ولعل البداية الافضل تكون من "الموقعين" من خلال ازالة المظاهر المسلحة ومنع السلاح في الشوارع وإلقاء القبض على كل من يظهر مسلحاً، كخطوة اولى.

وفي كل الحالات الحل لن يكون الا سياسياً، ولم يكن مجدياً يوماً، اذا كان امنياً، والحادث الفردي الناجم عن خلاف على صورة او علم او شعار او على افضلية المرور، يكون ابن ساعته وينتهي في مكانه عند هذا الحد. ولكن عندما يستتبع باشتباكات بالاسلحة المتوسطة والثقيلة، فذلك يعني ان ثمة قراراً اتخذ بفتح مخازن الذخيرة ووراء كل مخزن قرار سياسي بيد جهة محلية او اقليمية وربما دولية. وهكذا يبدو الحل الناجع، سياسياً من خلال مفاوضات على الخطوة الاولى ومن ثم ايجاد حل نهائي للسلاح.

ومن السخافة التلطي وراء شعار فارغ بات مبتذلاً ومستهلكاً لتبرير فوضى السلاح وقتل الناس في بيوتهم وعلى الطرق، وهو ان ما من بيت في لبنان يخلو من السلاح… بلى. هناك الكثير، واذا كان ذلك صحيحاً فينبغي منع استعماله، كخطوة اولى. السلاح يمكن ان يكون في البيوت في ارقى بلدان العالم، ولكن بترخيص، وللدفاع عن النفس داخل اسوار البيت فقط لا غير. ومن المستحيل بناء دولة في لبنان – اذا كان هناك فعلاً من يريد بناء دولة – ما دام خلاف فردي بين شخصين يتطور الى توتر فاشتباك بين عائلتين وتستخدم فيه الاسلحة الثقيلة والقذائف الصاروخية!

والمعاناة من تلك المعضلة لا تقتصر على فئة او منطقة دون اخرى، بل ان عدواها "تغطي" كل المناطق وان بنسب متفاوتة بالطبع، وكما هو معروف. وأسوأ ما في خطر السلاح، وجوده في الاحياء المتداخلة في المدن ولا سيما العاصمة التي تحتضن الجميع.

فهي عاصمة الوطن ومن الطبيعي ان تضم كل المشارب السياسية والحزبية، ومن الواجب تحييدها لانها بيت الجميع كما كل "عاصمة" في سائر المناطق.

ويبدو شعار "طرابلس منزوعة السلاح" في طرابلس او غيرها، كحلم غير قابل للتحقيق في غياب خطة جدية تغطي المناطق اللبنانية كافة، وهو يشبه الى حد بعيد التظاهرات الموسمية الداعية الى إلغاء الطائفية، وهو شعار وطني كبير ومحق. ولكنه يبقى كلاماً في العموميات في غياب مشروع جدي لالغاء الطائفية، بدءاً بازالة الصور والاعلام والشعارات الطائفية والفئوية مروراً بانشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية التي نص عليها الدستور، وصولاً الى مشروع وطني واضح، لا يقتصر على خيمة هنا او تظاهرة في يوم عطلة هناك كما حصل قبل ايام.

وبعيداً من اي تشكيك في نيات الناشطين في هذا المجال ومن يقف وراءهم، فإن خيمة في حي الصنائع وأخرى قرب تمثال رياض الصلح واخرى في شارع المصارف، في "اقامة مفتوحة"، لن تؤدي الى نتيجة. ولقد سمع المارة قبل يومين شخصاً مرّ قرب احداها ممازحاً: "ستلغى الطائفية غداً وفي مدة اقصاها بعد غد"!

لقد سجل الشباب الناشطون في هذا المجال حركة اعتراضية مهمة وضرورية، وينبغي الحرص على جديتها من خلال انهاء ظاهرة الخيم الفارغة والتفرّغ الى مشروع جدي يصل إلى مجلس النواب… هناك في امكانهم معرفة الطائفيين من دعاة الغاء الطائفية، وفي امكانهم معرفة من يجب ان ينتخبوا في المرة المقبلة!

السابق
المستقبل: ميقاتي ونصرالله التقيا ولم يتفقا.. وجعجع ينبّه على ‘اللعب’ مع المجتمع الدولي
التالي
سمير جعجع حبيس الماضي