الأصداف:مهنة تُطعِم خبزاً في الصيف

من يزور مدينة صيدا خلال فترات فصل الصيف، يلاحظ تنامي حرفة، لا تتواجد إلا على ميناء الصيادين فيها. حرفة تجميع الأصداف عن شاطئ البحر وحفرها ونقشها لصناعة أدوات مختلفة من أساور وعقود وعلب وغيرها، تجذب المارة، وتدفعهم إلى تكرار الزيارة في كل مرة اشتهوا شراء هذا النوع من الصناعات.

على بَسطة متواضعة، قبالة ميناء الصيّادين المجاور للقلعة البحرية في صيدا، يعرض ابو محمد حازم منتوجاته من الاصداف التي تحوّلت الى تحف وزينة ومجسّمات تلفت انتباه المواطنين من أبناء المينة والمنطقة، كما السيّاح العرب والاجانب الذين يزورون القلعة وخان الافرنج والاسواق القديمة، فيقبلون على شرائها كتذكار من لبنان.

حازم الذي لم يحترف الغطس تحت أعماق المياه، يحصل على أصدافه من خلال البحث عنها على شاطىء البحر، خصوصا بعد العواصف وهبوب الرياح شتاء، ويشتري بعضها من صيّادي الأسماك التي تعلق في شباكهم حينا، ومن بعض الغطاسين الذين يمارسون هواية السباحة على الشواطئ الجنوبية الممتدة من صيدا الى صور بَحثا عن أنواع مختلفة من الاصداف أحيانا، قبل ان يحوّلها جميعا بأنامله المبدعة الى عقود وأساور وتحف متعددة الأشكال، ويعرضها للبيع.

يقول حازم، الذي يقيم في محلّة "فرن الساحة" في أحياء صيدا القديمة، لـ "الجمهورية": "أقوم بتنظيف الصدفة اوّلا من الاوساخ وأزيل اي شوائب عنها، ثم ارسم عليها بعض الأشكال الفنية او أكتب عليها عبارات الجلالة او أحرف الاسماء او الابراج، او احفر عليها عبارات دينية، لتلامس "الثريّات" التي تتدلى من سقف البسطة، الى جانب عشرات الأساور والعقود المتعددة الاشكال والاحجام والتي تناسب جميع الاعمار، ناهيك عن صدفيات بحرية مثل الاسفنج الاحمر والابيض، صغيرة وكبيرة، وقد أدخلت الى بعضها الإنارة للدلالة على روعتها وجمالها ورونقها".

تذكار لبناني

تعتبر صناعة الأشغال الصدفية مهنة عرفتها صيدا منذ عقود، نتيجة علاقتها المتواصلة مع البحر وصيّاديها، ولكنها اليوم باتت من المهن النادرة التي يحافظ عليها البعض برموش العيون، حيث يبرز الفنان محمد نصر الله داخل محترفه في صيدا القديمة الى جانب حازم الذي يقول: "منذ 7 سنوات وانا اقف هنا، ابيع هذه المنتوجات، أكسب قوت يومي بعرق جبيني وقد اصبح لديّ زبائن، لأن التشكيلة المعروضة تعجب مختلف الأذواق ويقبل على شرائها السيّاح كتذكار من لبنان، او تكون هدية من شخص الى آخر، او زينة في المنزل، اذ ان كثيرا من الصيداويين يرون في الصدف "فأل" خير وسعادة.

ويختلف سعر المعروضات الصدفية بين واحدة واخرى، تبدأ من 7000 ليرة لبنانية وتنتهي بـ 300000، ولا يتوَرّع بين الحين والآخر عن إدخال موضة جديدة او ابتكار حديث، وآخرها سمكة بلاستيكية يرصّعها بالأصداف، او سجادة حائط تعلق في صدر الصالون وهي تلقى رواجا، او صدفة صغيرة حفر قلبها ووضع فيه قرآن كريم او انجيل مقدس، ويحرص الكثيرون على شرائها واقتنائها في المنزل بهدف التبرّك وطرد الشَر.

مساعدة ودعم

يخصص حازم جزءا من عمله لمساعدة امثاله من ذوي الطبقات الشعبية، وهذا أمر يرضيه تماما، فهو يعرض منتوجات صبايا يعملن في المنازل ولم يجدن فرص عمل، او مقعدين احترفوا الرسم على الأصداف، او صناعة مجسّمات لسفن بحرية، يبيعها لهم على بسطته من دون اي مقابل، يقول: "إنني اشعر بضيق الناس، وأنا في الأساس أعانيه، اذ انه في فصل الشتاء تخفّ حركة السيّاح ويقلّ البيع، فاضطر في بعض الاحيان الى العمل في معمل للسكاكر كي أؤمن قوت عائلتي المؤلفة من الزوجة وخمسة اولاد، في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة والغلاء وارتفاع الاسعار، فهذه المهنة تكفي الانسان خلال فصل الصيف فقط".

واذ أكّد انه قليل المشاركة في المعارض الحرفية بسبب التعب، دق ناقوس الخطر على مهنة نحت الأصداف التي باتت اليوم مهددة بالاندثار والانقراض، وطالبَ المسؤولين اللبنانيين بدعمها وتشجيع أصحابها، بحيث يتم إنشاء معهد او مركز للتدريب، وهي في كل الاحوال فن راق ومهنة لا تحتاج الاّ الى إرادة وذوق.

السابق
تلوث الليطاني من النبع إلى المصب
التالي
بلدية صيدا تجهّز المَسبح الشعبي