تلوث الليطاني من النبع إلى المصب

لا تزال حكاية التلوث في البقاع، ومضخات المياه المنتشرة على طول مجرى نهر الليطاني الملوث بمياه الصرف الصحي والنفايات، أقوى من كل القرارات الحكومية، وأقوى من تأثير كل التقارير الطبية والصحية، التي تؤكد ارتفاع نسبة الإصابات بالأمراض الوبائية. وتتصاعد معدلات التلوث كلما اقتربنا من منطقة حوض الليطاني، ومعه يزداد انتشار الأمراض السرطانية الموثقة بتقارير طبية، تؤكد على وجود علاقة ما بين الإصابات من جهة، وبين المناطق المحاذية للسهول الزراعية، ومصادر المياه الملوثة جرثومياً وكيميائياً من جهة أخرى.

ويمكن لأي شخص أن يشاهد اليوم عشرات المضخات والغطاسات التي تسحب يومياً مياه الصرف الصحي المنتشرة على طول مجرى نهر الليطاني، بدءا من منبعه في منطقة العليق، في شمال البقاع، مروراً بقرى وبلدات البقاع، وصولاً إلى بحيرة القرعون التي باتت مستنقعاً للمياه الآسنة.

ومع ذلك، لم يحرك أحد ساكنا، ولم يكلف أي من أجهزة وزارات الزراعة، والبيئة، والصحة، والداخلية، عناء نفسها لوضع حد للأمراض التي تستوطن أجسام البقاعيين، وبأرقام باتت معروفة. وتؤكد التقارير الطبية المسندة إلى فحوصات مخبرية للسلع الزراعية أو لعينات المياه، أو للمواطنين على وجود تلوث من النوعين الجرثومي والكيميائي.

ووفقاً لنتائج الفحوصات يصل معدل مادة «كوليفورم» في المياه إلى حدود الألف، ما يؤشر إلى وجود تلوث في المياه، ناتج عن تداخل مياه الشفة مع مياه الصرف الصحي، وفق توصيف الدكتور رياض القرعاوي، أستاذ علم الجراثيم والعلوم المخبرية في كلية الصحة العامة في «الجامعة اللبنانية» في البقاع. ويؤكد القرعاوي، الذي يتلقى يومياً عينات من المياه لفحصها، والتأكد من سلامتها في مختبره، على احتواء غالبية عينات المياه على تلوث بأرقام مرتفعة. وتسجل بعض العينات وجود ألف بكتيريا من «الكوليفورم» و»الايكولاي» التي ينسب إليها حاليا التسبب بأمراض خطيرة ومميتة في أوروبا. مع العلم أن المواصفات الصحية للمياه الصالحة للاستهلاك، تحظر وجود أكثر من 10 بكتيريا في الملليمتر الواحد، على أن تكون مياه الشفة من دون لون ورائحة وطعم، وهو ما يتناقض مع مياه البقاع حيث يغلب اللون الأخضر ومعه رائحة الصرف الصحي وطعمها.

ويؤكد الدكتور القرعاوي على أن عملية الريّ بمياه الصرف الصحي، هي
من أخطر الأمور اليومية التي تهدد الحياة البيئية والنباتية والإنسانية على طول مجرى نهر الليطاني. «فالريّ بالمياه الملوثة بأنواع الملوثات الجرثومية والكيميائية التي يختزنها نهر الليطاني، تؤدي إلى انتقال الجراثيم والملوثات والبكتيريا إلى السلع الزراعية، وإلى الترب الزراعية، لتصب كلها في جسم الإنسان. وتشير غالبية الفحوصات المرتفعة التي تجرى الى وجود إصابات متصاعدة في بكتيريا التيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي «الصفيري»، عدا عن وجود «نترات» في جسم الإنسان، وتلمس وجود أمراض وأوجاع باتت شبه يومية تصيب الجهاز الهضمي وأمراض المعدة.

وتشير بعض الفحوصات الطبية والمخبرية التي أجرتها كلية الصحة العامة إلى وجود نسبة «نترات» في المياه تتراوح بين 150 و200 ملليغرام في الليتر الواحد، مع العلم أن الحد الأقصى المسموح به، وفق «منظمة الصحة العالمية»، لا يجب أن يتجاوز 15 ملليغراماً للصغار، و40 ملليغراماً للكبار.

كما دلت فحوصات مخبرية أخرى على وجود ثمانية آلاف ملليغرام من النيترات في الليتر الواحد من البول لبعض الأشخاص، علماً أن الحدّ الأقصى يجب ألا يتجاوز الـ 250 ملليغراماً. ويرد الدكتور قرعاوي تلك النتيجة إلى وجود تلوث في الخضار والمياه في آن معا.

ويطالب قرعاوي بحملة جادة لرفع مصادر التلوث عن مجرى الليطاني، وبإنزال أشد العقوبات بحق كل من يقوم بسحب مياه الصرف الصحي واستعمالها لريّ أراضيه، والعمل وفق خطة طوارئ لتذليل كل العقبات من أمام سلوك محطات التكرير، ومعالجة المياه، لتبصر النور قريبا وترفع الموت المستوطن في حوض الليطاني، وحماية الثروة النباتية والسمكية والحيوانية.

السابق
عودة الأشغال إلى مرفأ صور بعد شهرين على توقفها
التالي
الأصداف:مهنة تُطعِم خبزاً في الصيف