الجمهورية: عون يتمسّك بـ”الداخلية” لأهداف بلدية وانتخابية وأمنية

"إلى الوراء در"، عبارة تختصر مشهد مشاورات التأليف بعدما فشلت حتى الآن كل الصيغ الحكومية المتداولة وغير المتداولة. لكنّ المعنيين لم يرفعوا العشرة بعد، لا بل ذهبوا إلى ابتداع أفكار وصيغ أخرى، علّها تنجح حيث فشل غيرها. بيد أنّ مصادر معنية بتأليف الحكومة قالت لـ"الجمهورية" إن ليس هناك من لقاءات مبرمجة خلال الساعات المقبلة للبحث في التشكيلة الوزارية العتيدة، لكنّها أشارت إلى أن الاتصالات لا تزال مفتوحة على رغم أنه لم يطرأ أي جديد عليها، وتاليا تبقى البلاد أسيرة الفراغ والمراوحة. »

وفيما تترقب الأوساط السياسية المواقف التي سيعلنها رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال ندوة في ذكرى مرور 40 عاما على وفاة موريس الجميّل في جامعة الروح القدس في الكسليك، أكّدت مصادر الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي أنّ "لا اعتذار ولا تأليف وأنّ الكرة باتت في ملعب الآخرين".

وفي معلومات لـ"الجمهورية" أن زيارة المعاونين السياسيين لرئيس مجلس النواب والأمين العام لـ"حزب الله" النائب علي حسن خليل والحاج حسن خليل إلى دمشق أمس الأوّل كانت استطلاعية للأجواء في سوريا والمنطقة، وخصوصا أنها جاءت بعد توقف دام 3 أسابيع، ونفت أن يكون للزيارة علاقة بالتأليف، مشيرة إلى أن التطرق إلى الموضوع الحكومي جاء عرضيا، من دون الخوض في التفاصيل، فالجانب اللبناني لم يتقصّد الخوض فيه والجانب السوري منشغل بقضاياه الداخلية.

لكنّ المصادر المعنية بالتأليف أكّدت أن "الخليلين" عادا من دمشق بدعم سوري لتشكيل الحكومة في أسرع وقت. فيما قالت مصادر الأكثرية الجديدة إن "لا جديد طرأ على خط التأليف، وإن الكلام في هذا الموضوع لم يعد يجدي نفعا، فكل الصيغ التي طُرحت حتى الآن لحلّ العقد قد فشلت وحافظت على نسبة صفر". وتحدّثت عن استمرار البلاد في "دوّامة السقوط والفراغ والفشل".

في المقابل، بثّت قناة "المنار" التابعة لـ"حزب الله" مساء أمس معلومات مفادها أنّ "سلّة أسماء جديدة مطروحة لتخطّي عقبة وزارة الداخلية"، وربطت هذه المعلومات أفق الحل بـ"رد رئيس الجمهورية ميشال سليمان".

جنبلاط والفشل الذريع

وفي السياق نفسه، عبّر رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط عن واقع الحال المأزوم، وألمح إلى إمكان انسحابه من الأكثرية الجديدة بقوله في موقفه الأسبوعي لجريدة "الأنباء" الاشتراكية: "بات من الضروري القول بأن الاستمرار في تأييد بعض الشعارات العبثيّة التي سبق للأكثرية السابقة أن أعلنتها لم يكن ممكنا، ولكن في الوقت ذاته، لم يعد منطقيّا استمرار الحزب التقدمي الاشتراكي وجبهة النضال الوطني في تغطية هذه الحالة من المراوحة والفراغ والتعطيل ضمن ما يُسمّى الأكثريّة الجديدة التي أثبتت أنها فشلت فشلا ذريعا في تأليف الحكومة الجديد". وأشار إلى أنَّه "سبق أن أجمعت الأكثرية الجديدة على تسمية الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة الجديدة، ولبّى الرئيس المكلف معظم المطالب السياسية لمختلف الأطراف قدر المتاح". وسأل: "لماذا هذا الترف في التعطيل ووضع العقبات تلو العقبات، على رغم من كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تلاحق المواطنين وتحاصرهم في كل مكان؟"

وفيما يزور جنبلاط دمشق اليوم، أوضحت مصادر قريبة منه أن موقفه من الأكثرية "ليس تكويعة، ولا تمهيدا للانسحاب منها، وإنما هو لحماية ميقاتي وعدم دفعه إلى الاعتذار، وهو أيضا رسالة غير مباشرة بهذا المعنى إلى عون الذي يلمّح وتياره بين حين وآخر بإمكان استبدال ميقاتي. كما أن هذا الموقف هو تحذير للأكثرية من انفراط عقدها في حال استمرت في النهج الذي تسير فيه.

كذلك فسّر القريبون من جنبلاط موقفه ايضا بأنه محاولة للضغط على عون لكي يتخلى عن وزارة الداخلية، إذ إن عون يعتبر أنّ هذا الموضع غير قابل للتفاوض لأنّ وزارة الداخلية تؤمّن له ثلاثة عناصر مهمة تتصل بالانتخابات النيابية المقررة سنة 2013، فمن جهة يتمكن من الإمساك بالبلديات، وذلك عبر ضخ الأموال العائدة للصندوق البلدي المستقل، والتي يحتجزها وزير الاتصالات شربل نحاس حاليا، للبلديات التي تهمه، ومن جهة ثانية وضع قانون الانتخاب وإدارة العملية الانتخابية بما يمكّنه من الفوز بكتلة نيابية كبيرة وفي انتخابات نيابية مبكرة، ومن جهة ثالثة وضع اليد على كل مفاصل وزارة الداخلية من قوى أمن داخلي وأجهزة أمنية وتحرّ وخدمات وغيرها.

قلب الطاولة

وفيما أدرجت مصادر في "التيار الوطني الحر" كلام جنبلاط في إطار الضغط على المعنيين لتسريع التأليف، قال قطب بارز في قوى 8 آذار لـ"الجمهورية" إن كلامه "لا يخيفنا، لا بل على العكس فنحن واثقون بأننا سنصل إلى نتائج إيجابية وسنقلب البلاد في الاتجاه الصحيح، ولا أحد يخيفنا".

وهل الأكثرية الجديدة خائفة من أن ينقلب جنبلاط مجددا وتُنزَع عنها بالتالي صفة الأكثرية، أجاب المصدر: "لا نعتقد أنه سيفعلها هذه المرة، لكنه يحاول وضع قدم احتياطية في المقلب الأميركي، ويحاول إرضاء الأميركيين وفي الوقت نفسه لا يقطع مع السوريين، ومقوّمات "التكويع" غير متوافرة، فالأمور لا تزال غامضة ولا يستطيع أن "يكوّع"، أما إذا انقلبت الأمور فيستطيع، ولكن عندئذ لا نملك إلا خيار قلب الطاولة على الجميع".

وكان جنبلاط، واستكمالا لما نشرته "الجمهورية" أمس، قصد مفتي الجمهورية الدكتور محمد رشيد قباني ورافقه في الزيارة النائب علاء الدين ترو المرشّح لعضوية الحكومة الجديدة.

وفي الوقت الذي وضع زيارته في إطار جولاته على القيادات الروحية عشية القمة الروحية المقرّرة في بكركي بعد غد الخميس، قالت مصادر اطلعت على مضمون اللقاء لـ"الجمهورية" إن الحصيلة "لم تكن مشجّعة بالنسبة إلى ما أراده جنبلاط من الزيارة، فبالإضافة إلى العرض السياسي الذي قدّمه حول تطورات الوضع في لبنان ومخاطر وقف كل أشكال الحوار بين مكوناته، ملمّحا من دون أن يسمّي الحاجة إلى نوع من الحوار السنّي ـ الشيعي في اعتباره حاجة ماسّة تبعد شبح الفتنة بين المذهبين"، لفت جنبلاط إلى "أهمية أن تحظى حكومة ميقاتي بالتغطية السنّية الضرورية التي تسمح لها أن تكون ممثلة لكل الفئات اللبنانية، فلا يكفي أن يكون العدد مناصفة بين المسيحيين والمسلمين ولا على مستوى الحصص المحددة للمذاهب، فإن موقف دار الفتوى الداعم لهذه الحكومة مطلب أساسي".

وفي الوقت الذي لم يتحدث جنبلاط عن أي أسماء لوزراء، لفت إلى أنه يدعم ميقاتي في مهمته، وهو يتمنّى أن تحظى مشاركة النائب علاء الدين ترو في الحكومة العتيدة برضى دار الفتوى "في اعتبار أن الأمر محسوم على مستوى "جبهة النضال الوطني" والرئيس المكلّف والجهات المعنية بالتأليف".

وفي المعلومات أن قباني كان واضحا لجهة التشديد على "التزام الرئيس المكلف، أيا يكن، بيان "الثوابت الإسلامية" التي أقرها الاجتماع الموسّع للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى على كل المستويات الوطنية، وخصوصا على مستوى الحفاظ على صلاحيات الرئيس المكلف في تأليف الحكومة. بالإضافة إلى الموقف الثابت من المحكمة الدولية وإحقاق العدالة وكشف الجهات المتورّطة في التحريض والتخطيط والتنفيذ في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم التي تلتها".

وأكّد قباني "أن للمسلمين السنة مرجعيتهم الروحية المتمثلة بدار الفتوى التي تحرص على التوازنات الوطنية في كل المستويات، كذلك بالنسبة إلى القيادة السياسية التي تمثل أكثرية النواب السُنّة ما يعني مرجعيىة تيار "المستقبل" والرئيس سعد الحريري خصوصا".

وقال مصدر مطلع على ما دار بين جنبلاط وقباني أن الأخير "لن يبارك لأي من الوزراء الذين سينضمون إلى الحكومة الجديدة ما لم يراعِ التأليف الحضور السنّي الوطني، كذلك بالنسبة إلى تمثيل الأكثريات الطائفية والمذهبية الأخرى".

إلى ذلك، عبّر جنبلاط عن قلقه من بقاء البلاد بلا حكومة جديدة، محذّرا من حال الفراغ القائم التي اعتبرها أخطر من الاقتتال، ولمّح أمام قباني إلى مضمون موقفه الأسبوعي لجريدة "الأنباء" الذي صدر مساء أمس، وفيه نعي لقدرة الأكثرية الجديدة على تشكيل الحكومة، معتبرا أنه لا يمكنه الاستمرار في تغطية "المطالب التعجيزية"، وهو ما فسّرته مصادر مطلعة، تلميحا إلى مطالب رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون وأطراف من طوائف أخرى لم يسمّها، وربما فُهم بأنه يقصد النائب طلال إرسلان.

مصادر القصر

وليل أمس تحدثت مصادر معنية بالتأليف لـ"الجمهورية" عن لائحة مقترحات تتضمن مرشحين جددا لتولي وزارة الداخلية يتم التشاور في شأنها بين "الميشالين"، أي سليمان وعون. لكنّ مصادر القصر الجمهوري نفت علمها بوجود مثل هذه الأسماء. ولفتت إلى "أن الكلام كثير والفعل قليل، الأمر الذي يقود إلى مزيد من الانتظار". وقالت "إن ميقاتي لم يزر قصر بعبدا منذ اللقاء الأخير الأسبوع الماضي، وإنه يمكنه أن يزوره في أي وقت يريد".

وجدّدت المصادر تأكيد ثوابت رئيس الجمهورية "الذي يراقب وينتظر الرئيس المكلّف لكي يأتيه بتشكيلة حكومية تنقصها الأسماء التي سيسمّيها لبتها واتخاذ القرار المناسب في شأنها، متمنيا أن تتقدم المعالجات الجارية بما يضمن المصلحة العليا للبلاد بعيدا من منطق الشروط والشروط المضادة التي يعتمدها بعضهم، والتي رفض الدخول فيها منذ البداية".

حزب الله

في غضون ذلك، عزا "حزب الله" التأخير في التأليف إلى "تدخلات الخارج الذي لا يريد تأليف حكومة". ودعا رئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ محمد يزبك الرئيس ميقاتي إلى "توضيح الأمر للشعب".

السابق
السياسة عن مصدر: نصرالله يتوقع صيفاً ساخناً جداً وحزبه فشل في معرفة إضافات بلمار
التالي
ماذا بعد صرف الموظفين؟