لثلاثة أسباب، الحكومة باتت وشيكة الآن… وهنا

للمرّة الأولى منذ أكثر من ثمانين يوماً، تبدو حكومة نجيب ميقاتي الثانية، «عن جد» وشيكة، علماً بأن الأسباب الدافعة إلى ذلك كثيرة؛ بينها تعب الناس من الانتظار ومن الفراغ، وبينها إحساس المعنيين بالاستحقاق الحكومي بمسؤولية تتزايد مع مرور الوقت ومع اقتراب التحديات المختلفة، المالية والمعيشية والأمنية. ومن الأسباب الدافعة أيضاً انتفاء بعض عوامل الانتظار، مثل القرار الاتهامي المزمع صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فمع تكليف نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، بدا واضحاً أن واشنطن سارعت إلى محاولة ابتزازه بلعبة تزامن الاستحقاقات بين مهمته ومهمة بلمار. لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن تلك المحاولة ليست غير مناورة، وأن الأوراق العشرة آلاف التي يريد فرانسين قراءتها، تتطلب من الوقت أكثر بكثير من أي موعد تقدر أي إدارة غربية على تحديده، أو يقدر أي مستفيد محلي أو مراهن إقليمي على انتظاره. هكذا لم يلبث الرئيس المكلف أن اكتشف بالتجربة الحسيّة ولمس الأيام المارة على أجندته، أن انتظاره قرار المحكمة ليعلن حكومته، فيما واشنطن تنتظر حكومته لتعلن قرارها، ليس غير دوامة عبثية فارغة.

غير أن أسباباً أخرى أكثر التصاقاً بأزمة الحكومة الميقاتية باتت تمثّل القابلة والحاضنة للولادة الوشيكة المتوقعة. وأهم تلك الأسباب ثلاثة، على ثلاثة مستويات:
أولاً، على مستوى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، إذ يبدو أن كلّاً من ميشال سليمان ونجيب ميقاتي قد أدركا، بعد نيف وثمانين يوماً، استحالة الرهان على أيّ تباينات أو حتى تمايزات داخل فريق الأكثرية النيابية الجديدة. كل المحاولات من طرفي بعبدا وفردان، حيال عين التينة والضاحية، قوبلت ـــــ والبعض يقول للمرة الأولى ــــ بجواب واحد: مطالب ميشال عون محقّة ومشروعة، ولا بد من مبادرة لمعالجتها معه، لا محاولة الالتفاف عليه. حتى الكلام الذي كان يهمس به بعض الحلفاء داخل هذه الأكثرية، عمّا يسمّيه «طريقة إدارة عون لعملية المطالبة بحقوقه»، لم يخرج عن إطار الملاحظة الداخلية من باب الحرص، لا بل من باب تعزيز موقف الأكثرية الجديدة في المطالبة بحقوقها الحكومية، وفي مقدمتها حقوق عون الكاملة. هكذا، بعد أكثر من شهرين، أدرك سليمان وميقاتي استحالة الاتكال على أي مكوّن من مكوّنات «الجبهة الوطنية»، كما سمّاها نبيه بري، «للمونة على الجنرال». هذا في أحسن أحوال التقويم لنيّات ميقاتي وسليمان. حتى بات الاثنان أمام حقيقة جامدة صلبة، لا فسحة فيها لأي تفصيل شيطاني: إما الاتفاق مع هذا الفريق بكامله، وإما الاختلاف معه بالكامل.

العامل الثاني المستجد كان على مستوى الأكثرية النيابية الجديدة بالذات، وتحديداً عند مثلثها القطبي، من عين التينة وحارة حريك إلى الرابية. ذلك أن هذا المثلث سرعان ما أدرك واستدرك، أن لا لزوم ولا معنى لمعادلة العشرين وزيراً في مقابل عشرة لمثلث بعبدا فردان المختارة، وخصوصاً إذا كان المقصود بهذا الحساب تحسّباً لضرورة حيازة ثلثي مجلس الوزراء، وبالتالي عدم تمكين مثلث سليمان ميقاتي جنبلاط من تعطيل عمله. ذلك أن بين الوزراء العشرة المحسوبين على هؤلاء من هم فعلياً ضمن فريق العشرين. ثم إن رئيس الحكومة قادر على التعطيل ـــــ إذا أراد ذلك ـــــ ولو كان وحده داخل جلسة المجلس. يكفيه أن يغيب، أو يخرج من الجلسة، أو يرفض إدراج بند على جدول أعمالها، أو حتى يستقيل، في أقصى الحدود. وبالتالي، فمعادلة 20 إلى عشرة، هي تماماً مثل 19 إلى 11. فكيف إذا افترض الجميع، لا بل أدركوا، حسن نيّاتهم كفريق حكومي واحد… أما إذا كان المطلوب من «بلوك العشرين» التحسّب لأي تحوّل جنبلاطي، فذلك من باب الوهم، إذ إن جنبلاط قادر على قلب الأكثرية النيابية في المجلس، ولا حاجة له إلى وزير زائد أو ناقص.

يبقى العامل الثالث للولادة الحكومية الوشيكة، خارجياً. فقبل شهرين، سقط حسني مبارك في القاهرة، فاعتقد بعضهم أن الانتظار والتريّث في تأليف حكومة بيروت واجبان، تماماً كمن ينتظر حركة بورصة صاعدة، قبل أن يبيع في سوقها أسهماً اشتراها في لحظة ركودها وكسادها. بعد شهر على ذلك، تحرك الوضع الأمني والنظامي في دمشق، فتبدّلت الحسابات، تماماً كأن مؤشر تلك البورصة قد انعكس هبوطاً. فصار البعض متريّثاً، لعلّه يعوّض بعض خسارة في «الربح الضائع»، نتيجة الانخفاض المفاجئ. اليوم، تبدو البورصة قد استقرت. وبتعبير أكثر بساطة، باتت مصلحة سليمان وميقاتي في التأليف الآن. فإذا تدهور الوضع السوري أكثر، ارتفعت أسهم الفريق الحريري، وإذا استقر الوضع السوري نهائياً، فقد يدفعان ثمناً إضافياً لانتظارهما الرهاني. أفضل وقت للتأليف هو الآن، والأهم أنه الآن وهنا، لا في دمشق ولا في الرياض ولا في طهران ولا في واشنطن.

السابق
ساطع نور الدين: الغلاء يسقط الأنظمة
التالي
راجح الخوري: لبنان دولة فاشلة !