حوار الطرشان: سنة وشيعة

من يستمع إلى حديث المسؤولين عن الانشقاق الطائفي لن يتردد في وصفهم بالسذج والبسطاء (لن أقول كذابين ومحرفي الكلم عن مواضعه)، يصفون الشعب الكويتي ويتحدثون عنه كأنه نازل من
السماء للتو ولم يسمع عن الفروقات المذهبية السائدة بين الناس منذ قرون.

عزيزي المسؤول مهما بيضت الصورة ومهما تحدثت بالنرجسيات والورديات وجعلت الكويتيين ولا «أليس في بلد العجائب»، تظل الحقيقة غير وواقعنا «بايخ» ويسير للأسوأ. قارن بين حالنا اليوم والأمس. يحكي لي الوالد أطال الله في عمره (80 عاماً) إنه في العقد الأول من عمره وحينما كان يصر لمرافقة والده حجي غلوم عباس مهداجي للعمل، كان يشاهد ذاك الحين منظر الكويتيين «الحمالية» وهم يتصببون عرقاً، فالجد ومعه النسايب الخوال حسين وحاجي (مشهور حجي واير) كانوا جميعاً يعملون في القايلة ورمضاء الكويت حمالية ينقلون خياش السكر والرز في البهيتة (قصر السيف اليوم) من السفن الراسية هناك وإلى مخازن الفليج والصقر على الناحية الثانية. ساعتها كانوا الخوال والأجداد يعملون هنا وأمثالهم من السنة يعملون حمالية المياه العذبة على الحمير لأهل الكويت، وفريق ثالث انصرف ليحمل الطين من المقوع، ورابع القصاصيب، الجميع يعمل ويخدم وأحدهم الآخر بتكامل وببساطة ومن دون منغصات وطنية. والله أنها لمفخرة عندما نرويها اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين. عيال غلوم مهداجي يسكنون شرقا في فريج جمعهم الفقر والتراب والتاريخ والتراث بجيرانهم عيال شبكوه وبو دلس وبن عتال والكنادرة، جميعهم أبناء فريج واحد يعملون نهاراً وعند العصر يجتمعون عند قصر الرئاسة قصر دسمان (الدوار) للعب الكرة، والصغار ينشغلون تحت سور القصر بتقفي اثر «الغبابي» لصيد الطيور.

هذا شكل كويت القديمة بسطاء فرغت عقولهم من العلم المدرسي، وجدرانهم من الشهادات الأكاديمية، ووظائفهم من المسميات الإدارية، وبيوتهم من المنغصات الحياتية، وسياستهم من التزييف والخداع، وعقائدهم من التخوين والاستحقار، وتراثهم وأصولهم من الاستصغار الاستهزاء. عكسنا اليوم امتلئت عقولنا بالعلوم، وجدراننا من الشهادات، وبطوننا من المشويات، وعقائدنا من الضغائن والفطريات، وسياستنا من التخوين والتخويف، ومذاهبنا من الكره والترهيب، وتراثنا وتاريخنا بالتنابز والتحقير!

عزيزي نحن هنا في نقطة التقاء بين شرق شيعي وغرب سني، وهو صراع تاريخي طويل لم ولن ينتهي. فلا يوجد في هذا الصراع غالب، فلن يتغلب هذا على ذاك ولا العكس صحيح. فإن كان النقاش فكريا محترما فأهلاً وسهلاً، أما إن كان غير ذلك حتى ولو طلي بطلاء علمي فكري كمنهج شيخنا الفاضل القرضاوي فالنتيجة محسومة، صراع وتباعد تقليدي، فإن أردت التشيع فعليك بالعافية كالنائب الدويسان، وإن أردت التسنن فبالعافية كالدكتور معرفي رحمه الله!
يقول أمين عام الأمانة العامة للأوقاف لـ «الراي»: «شئنا أم أبينا يجب أن نحب الشيعة»! ليس المطلوب يا دكتور أن تحب الشيعة «غصب» إذا «مو بخاطرك»، وليس المطلوب أن يحب الشيعة السنة «غصب»، وأيضاً ليس المطلوب أن يحب أحدنا الثاني «غصب»، كل المطلوب أن يحترم الناس القانون والدستور وأن توزع الثروات والمناصب والحقوق والواجبات بعدالة، فهذا المطلوب لا أكثر.

السابق
الراي: عربة تشكيل الحكومة في لبنان وضعت خلف الحصان… المثقل بالمصاعب
التالي
الجراح لـ”السياسة”: المسلسل المدبلج رد على ارتفاع صوتنا ضد التدخلات الإيرانية