الراي: عربة تشكيل الحكومة في لبنان وضعت خلف الحصان… المثقل بالمصاعب

ستشكل، لن تشكل، ربما تشكل وربما لا… هذا هو حال الحكومة «المحتملة» التي مضى على مساعي تأليفها نحو شهرين ونصف الشهر، وسط مواعيد متتالية لولادة لم تولد لاعتبارات غالباً ما يختلط فيها المحلي بالاقليمي.

المستجد من خارج السياق «الممل» لأخبار الحكومة الموعودة هو وضع عربة التشكيل خلف الحصان، الذي بدا وكأنه يقف تحت وطأة اثقال من الشروط التي فرملت التوقعات في امكان إبصار الحكومة الجديدة النور في غضون ايام.

واللافت ان تصريحات لزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون كانت تولت سكب مياه باردة على تلك التوقعات التي اوحت بأن «لمسات اخيرة» تجري على حكومة يرجح اعلانها قبل نهاية الاسبوع، الامر الذي احبط ما اشيع عن «أجواء ايجابية».

ورغم ان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، الذي حرص عبر اوساطه على إظهار «تفاجئه» بمواقف عون، ابدى حرصاً مماثلاً على القول ان اختراقات مهمة تم تحقيقها في عملية تركيب «البازل» الحكومي، وانه مستمر في مهمته.

وثمة معلومات كشفت ان ما انجز حتى الآن من تفاهمات يقتصر على «طاولة» الحكومة الثلاثينية الكراسي، وعلى ترسيم احجام القوى السياسية حولها، وفق توزيع 19 كرسياً على «8 آذار» و11 كرسياً على «الوسطيين»، اي على الرئيس ميشال سليمان وميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

ومع الانتقال الى مناقشة التفاصيل التي غالباً ما تسكنها «الشياطين» برزت مصاعب فعلية تتصل بـ «توزيع الحقائب» ونوعية الشخصيات المرشحة للاستيزار، وفي مقدم تلك العقبات إصرار العماد عون على الإمساك بـ «الداخلية»، وربما بـ «أثمان» اي صفقة حولها.
وعلى اهمية التفاهم على «الطاولة وكراسيها» فإن «القتال بالحقائب» يشكل معركة لا يستهان بها، وربما تكون مرشحة للمزيد من «الكر والفر» بين بعض مكونات الحكومة والرئيس المكلف، مما يبقي موعد التشكيل في مهب التفاهمات الصعبة.

واللافت ان تظهير هذا الرأس من الجبل الحكومي يوحي بأن المصاعب التي تواجه ولادة الحكومة العتيدة في بيروت هي محض داخلية، على عكس تقديرات تعيد الامر لحال الاضطراب في المنطقة، لا سيما في سورية التي تشهد احتجاجات دامية منذ مدة.

مصادر بارزة في قوى «8 آذار» قللت من تداعيات الحال الاقليمية على الملف الحكومي في لبنان، وقالت لـ «الراي» ان ربط تأخير ولادة الحكومة بما يجري في سورية امر غير واقعي على الاطلاق، مشيرة الى ان لا تأخير فعلياً في تشكيل الحكومة اولاً، وان لسورية مصلحة في الاسراع بعملية التشكيل ثانياً.

وتحدثت هذه المصادر عن تقدم حقيقي احرز في عملية التشكيل، والمساعي جارية لاستكمال التفاهم على المسائل العالقة على النحو الذي يضمن ولادة الحكومة في وقت غير بعيد «اذ ثمة مصلحة للرئيس المكلف وللأكثرية في قلب الصفحة ومن دون إبطاء».

وكانت بيروت عاشت امس أجواء «ضوء برتقالي» وُضع امام سكة ملف الحكومة الجديدة التي كان معبّراً جداً خروج النواب من لقاء الاربعاء مع رئيس البرلمان نبيه بري بانطباع أنها «بحاجة إلى صلاة استسقاء للولادة»، موضحين أنهم «تعاونوا مع دولته لتأدية هذه الصلاة علّ الحكومة تتشكل في أقرب وقت».

وقد استوقف الاوساط السياسية «مناخ» بري، هو الذي كان «بارومتره» السياسي يعلن دائماً: «متفائل» حتى في عزّ زمن «التشاؤم العام». واعتبرت ان اضطرار رئيس البرلمان الى الاستعانة بـ «صلاة الاستسقاء» مؤشر فعلي الى ان «أمطار الحلّ» في ملف الحكومة لا تزال بعيدة وان الامور «منشّفة» اي ان ثمة «جفافاً» على مستوى المخارج تبقى معه الحكومة العتيدة في «صحراء التعقيدات».

وفي سياق متصل، واصل فريق العماد ميشال عون إشاعة أجواء «لا جديد» في الملف الحكومي، الذي لا يزال عالقاً عند حقيبة الداخلية التي يتمسّك بها زعيم «التيار الحر» او بان تؤول الى شخصية من ثلاثة يسمّيهم هو ويختار رئيس الجمهورية واحداً منهم، على ان تكون حصته من الوزارات الأخرى «كاملة الدسم»، بمعنى ألا تتضمّن وزارات دولة بل حقائب اساسية.

وغداة تبديد «الجنرال» موجات التفاؤل التي سادت اوساط 8 آذار حيال الملف الحكومي، أكد النائب في كتلته زياد أسود أنّ «المطلوب ليس اعتذار الرئيس ميقاتي عن تأليف الحكومة، وإنما الإسراع في عملية التشكيل»، مشيرا الى أنّ «رئيس الجمهورية يقف الى جانب فريق سياسي دون آخر، وبالتالي لا يحقّ له المطالبة بوزير حيادي لحقيبة الداخلية»، وموضحاً (في تصريح لوكالة الأنباء المركزية) أنّ «كلام العماد عون ذات صدقية عالية، فهو نفى مرارا أي اتصال أو مشاورات مع الرئيس المكلّف على صعيد التأليف، سواء بالنسبة للأسماء، الحقائب، العدد أو دور الحكومة العتيدة»، ومشددا على أنّ «لا جديد بالنسبة للوضع الحكومي، ولم يحصل أي تقدم في هذا الإطار والمسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الرئيس ميقاتي ليثبّت مسار التأليف جدياً بدل أن يكون إعلامياً».

وكان العماد عون اعلن بعد اجتماع كتلته البرلمانية انه لم يسمع «حتى الساعة بأي تقدّم» باتجاه تأليف الحكومة، واضعاً كل ما يتم تداوله من أخبار ذات صلة بهذا الموضوع في خانة «الشائعات التي يطلقها من لا يريد للحكومة أن تتألف». وإذ سأل: «لماذا يريدون إعطاء رئيس الجمهورية حصة وزارية ما داموا أرادوه رئيسا حكَما وليست لديه كتلة نيابية، ومن سيتحمل مسؤولية وزارء رئيس الجمهورية؟» تدارك: «الرئيس لا يتحمل مسؤولية وزرائه بينما نحن نتحمل مسؤولية وزرائنا»، مؤكداً «أنا لا أستعطي ولا أترجّى حصة وزارية.. هم لديهم مطالب وهم من يستعطي»، مضيفاً: «البعض يتحدّث عن صيغة 10 ـ 10 ـ 10 وهناك من يقول إذا وافق العماد عون تمشي الحكومة، يعني أنّ المشكلة موجودة، وما يزال بعضهم لا يريد تأليف الحكومة، بل رمي المشكلة عندنا».

وسرعان ما ردّ الرئيس ميقاتي على عون، اذ أعربت مصادره عن مفاجأتها الشديدة بما سمعته من زعيم «التيار الحر»، ولا سيما أن الرئيس المكلف «كان يعتقد أن التأليف انتقل من المرحلة الأولى التي شملت اتفاقاً على الأحجام إلى مرحلة الحقائب»، مشيرة إلى عدم فهمها مَن يستهدف عون في تصريحه الأخير: حلفاءه أو الرئيس ميقاتي، وموضحة انها لم تفهم ايضاً «اذا كان الهدف من التصعيد تحسين ظروف عون التفاوضية في المرحلة الثانية أو تفشيل ميقاتي».
واكدت المصادر أن «كلام عون لا يعكس المعطيات التي أفرزتها الاتصالات خلال الأيام الماضية والتي وضعت عملية تأليف الحكومة على سكة الحل بعد التوافق على جملة معايير في تركيبتها»، كما استغربت انتقادات نائب رئيس البرلمان السابق ايلي الفرزلي للرئيس المكلف وربطتها بإمكان عدم توزيره، مشيرة إلى «أن الرئيس ميقاتي لن يتراجع عن الاستمرار في تشكيل الحكومة وفق الأسس الدستورية.

على ان هذا المناخ، لم يجمّد الاتصالات التي تواصلت، وسط معلومات تحدثت عن لقاء يمكن ان يكون عُقد ليل امس بين عون والامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله للبحث في الوضع برمته في المنطقة عموما وملف تشكيل الحكومة خصوصا، في ضوء التصور الذي وضعه ميقاتي لتشكيل الحكومة انطلاقا من الثوابت والمعايير الدستورية التي يعتمدها اساساً في اي تشكيلة ويختار استنادا اليها، اسماء الوزراء ويوزع الحقائب مع اسقاط منطق الـ «فيتو»، باعتبار ان اختيار الاسماء يعود اليه وليس الى اي طرف سياسي.

في غضون ذلك، اعتبر بعض زوار ميقاتي ان مسار التشكيل يقف في مدار انتظار رد قوى 8 آذار على اقتراح الرئيس المكلف المتضمن معايير واسس التشكيل، ليبنى على الشيء مقتضاه، موضحة انه في ضوء نوعية الاجوبة التي قد يحصل عليها من الاكثرية الجديدة، سيلجأ الى واحدة من صيغ عدة يملكها، بينها خيار حكومة «تكنوقراط»، الامر الذي قرأته دوائر سياسية على انه محاولة من ميقاتي لاستخدام «ورقة ضغط» قديمة – جديدة على 8 آذار في إطار عملية تطويع الشروط.

السابق
هَاو إِلنا يا جنوب
التالي
حوار الطرشان: سنة وشيعة