على الطريقة اللبنانية

ينتقد اللبنانيون أكثر من سواهم السياسيين الذين أمضوا في الحكم عقودا طويلة، خصوصا الآن، وقد بلغت مرحلة التذكير ذروتها. غدا يكون قد مر 36 عاما على 13 أبريل (نيسان) 1975 يوم اندلعت الحرب الأهلية التي استمرت نحو عقدين. فمن تغير من وجوه الحرب؟ لا أحد. اللهم إلا من قضى قدرا ورحمة ومن قضى اغتيالا.
الذين تقاتلوا في الحرب يتقاتلون الآن على حقائب الحكومة. والذين صنعوا الحرب أوكلت إليهم مهمة شاقة وغير مجدية كثيرا؛ وهي صناعة السلام. واللبناني هو الكائن البشري الوحيد الذي يهدد في سلامه كل يوم. ويستطيع أن يفعل ذلك أي مصرح أو مصرخ. وعليه أن يأخذه على محمل الجد.

5 يونيو (حزيران) 1967 و13 أبريل 1975، هما أكثر ما يعود إليه العرب كل عام. التعلق غير الواعي بالشؤم والخراب. وكلما أعيدت 13 أبريل إلى خاطرتنا تأملنا من حولنا ووجدناهم جميعا يحكون عن بناء الأوطان. ووجدنا أن في البلد قضية حقيقية واحدة، أولا وأخيرا، وهي المحاقبة. أي من يأخذ كم حقيبة وزارية، وما هو نوعها، وما هو حجمها وحجم حقائبها، ولا أقصد اللعب على الكلام بل تلطيفه، لأن مرادف الحقيبة هنا هو الكيس.
لا أعتقد أن في أي بلد عربي آخر يطول البقاء السياسي كما يطول في جمهورية الحريات والتغيير. البعض هنا منذ ستة أجيال أو سبعة. والبعض منذ أربعة أو خمسة. والجميع يرفعون راية الديمقراطية والتناوب. وكلما استعاد اللبنانيون ذكرى 13 أبريل تبين أن جميعهم أبرياء وعاقلون وكانوا قد نصحوا مبكرا بعدم الانزلاق إلى الحرب الأهلية.

سمعت قبل أيام على إحدى الإذاعات (وهي كثيرة) نائبا يقول إنه يشعر بالامتنان للقذافي لأنه مد «الحركة الوطنية» بالمال والسلاح خلال الحرب الأهلية. وشعرت أنه إما أن الحرب لم تبدأ عند السيد النائب أو أنها لم تنته. ونسي تفصيلا بسيطا؛ وهو أن القذافي كان يمول جميع أفرقاء الحرب، أحيانا بالعدل والقسطاس.

لا أدري إن كنا بعد أربعة عقود قد خرجنا من 13 أبريل. فخطاب البغض والفرقة واحد. وخطاب التخوين واحد. والتمزق واحد. والولاءات الخارجية أصبحت أكثر علانية. والتعابير الرديئة انتقلت من الجدران إلى التلفزيونات. والفساد كان بالخفاء فصار بالمفاخرة. والتحريض كان بالسر فأصبح هواية وطنية جامعة.

بعد 5 يونيو بقي كل شيء حيث هو، إلا حطام الآليات وحطام النفوس. وبعد 13 أبريل اللبناني بقي الجميع حيث هم، يتحدثون بفصاحة عجيبة عن التغيير في الدول الأخرى.

السابق
البلدية والقوى السياسية: لمعالجة أزمة نفايات صيدا
التالي
“بوسطة” عين الرمانة في وجدان الشباب