“بوسطة” عين الرمانة في وجدان الشباب

يصادف غدا ذكرى مرور 36 عاما على اندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975. منذ أعوام، الشعارات نفسها ترفع، الأنشطة عينها تتكرر، وتعود لتنال بوسطة عين الرمانة القسط الأكبر من أحاديث اللبنانيين. لكن في هذه الذكرى، للمنظمات الشبابية في الأحزاب والتيارات اللبنانية كلام آخر عبّرت عنه، فبعضهم يرفض اعتبار الحرب الأهلية انتهت، في ظل استمرار الفتن المتنقلة، وبعضهم وجد في التحالفات السياسية ضمانة لعدم عودتها.

التقدّمي الاشتراكي

يعتبر أمين عام منظمة الشباب في الحزب التقدمي الاشتراكي ريان الأشقر، "أن الحرب الأهلية انتهت بمعناها العسكري، ولكن لا يكفي ان يصمت المدفع لنقول انها انتهت، فهي لا تزال في نفوس اللبنانيين"، موضحاً: "منذ العام 1975 حتى 1991 شهدنا حربا طائفية.
وفي الآونة الأخيرة، يتخبّط اللبنانيون في حرب مذهبية، فلبنان لم يعد نموذجا للعيش المشترك بين أبنائه ومثالا حضاريا في المنطقة". يأسف ريان لتخلّي لبنان تدريجا عن تأدية الدور الريادي في الشرق الأوسط، كما يعتبر أن المسؤولية مشتركة بين الزعماء السياسيين والقواعد الشعبية، "بعض القيادات تمهد للتحريض المذهبي والطائفي لتوسيع شعبيتها، من دون التنبّه إلى أخطار هذه السياسة التي تنبئ بحرب أهلية جديدة".

ولفت ريان إلى أنّ دور المجتمع المدني في تبريد النفوس غير كاف، "لا يمكن بعض الأنشطة السنوية تحصين لبنان من إعادة الكَرّة، وعلى السياسيين وضع خلافاتهم جانبا وتفعيل حكمتهم، لتجنيب الشارع اللبناني أي فتنة مرتقبة"، معتبرا أن "لا حلّ من دون الحوار، وإعادة التلاقي، والانفتاح على الآخرين، فهذا ما توصلنا إليه بعد النقد الذاتي الذي قمنا به في المرحلة الأخيرة، وأي بديل عن طاولة الحوار هو حرب أهلية جديدة".

وعما إذا توافر سلاح بيد فئة من اللبنانيين دون أخرى، فهل يزيد ذلك من خطورة نشوب حرب جديدة، يقول ريان: "أي سلاح خارج عن السلطة اللبنانية لا بد من توجيهه نحو إسرائيل. لذا، نحن في حاجة إلى حوار جدّي وأساسي لكيفية دمج هذا السلاح في سلاح الدولة". أضاف: "حزب الله الذي يحمل السلاح يتمنّى وجود دولة قوية مقاومة في وجه العدو الاسرائيلي، بإمكانها صون كرامة أبناء الجنوب. صحيح أنه لا يمكن الاستمرار بسلاح خارج عن الشرعية اللبنانية، لكن لا يمكن الاستغناء عن هذا السلاح من دون إقامة دولة قوية"، مؤكدا أنه ضد استهداف السلاح من دون أي رؤية بديلة، "فلا يمكن المقاومة نزع سلاحها من دون أي أفق".

القوات اللبنانية

من جهته، حذّر رئيس مصلحة الطلاب في القوات اللبنانية شربل عيد "من خطورة تبسيط الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية وتسطيحها، فهي لا تزال موجودة"، معتبرا "أنّ الحرب ليست وراءنا، وقد رأينا أحد فصولها في كثير من الأحداث والفتن المتنقلة، منها أحداث 7 أيار، واشتباكات برج أبي حيدر". ويلفت عيد إلى أن "حربا أهلية ثانية لم تندلع بفضل وعي قيادات 14 آذار التي ترفض أخذ قرار الحرب".

أمّا عن الضمانات التي يراها مناسبة لمنع أي فتنة جديدة، فيوضح عيد: "علينا، أولا، التوحد حول رؤيتنا للهوية اللبنانية. للأسف، نظرة حزب الله إلى لبنان تختلف عن نظرة المسيحيين والسنّة والدروز، فهو يرى الوطن محطة إيرانية يمكن من خلالها تحقيق مشروعه الخاص. ثانيا، لبننة الهواجس والمطالب الخاصة". كما يعتبر أن الحرب لا يمكن تجاوزها إلا عندما يصبح اللبنانيون سواسية أمام النظام، ويصبح أي سلاح غير شرعي في يد الدولة اللبنانية".

حركة أمل

"في هذه المناسبة، لا يكفي تكرار "تنذكر ما تنعاد". لا بد من استقاء العبر الكافية، ولا سيما أنّ الحرب كانت قاسية، ولم تميّز بين لبناني وآخر". هذا ما عبّر عنه رئيس دائرة الجامعيين في مكتب الشباب والرياضة المركزي لحركة "أمل" محمد مبارك، مشددا على أن "13 نيسان فُسحة أساسية نتذكر من خلالها حجم المآسي، علّنا نتعظ ولا نعيد التجربة".

ينطلق مبارك من أنّ الحرب الأهلية لا تقود إلى أي نتيجة، ويدعو إلى أخذ العبر: "لبنان وطن للجميع، لا يمكن أي طائفة إاتصاره أو التفرد به والهيمنة عليه، ولا بد من التعاون ليكون لبنان رسالة".

أمّا عن دور الأحزاب في تحصين الساحة اللبنانية، فقال مبارك: "على كل فريق سياسي تحمّل مسؤولية توعية مناصريه". أضاف: "من جهتنا، وسط الانقسام السياسي الحاد، كانت "أمل" جسر عبور بين اللبنانيين كلهم، ودعت على الدوام إلى الحوار، فلا خيار إلا التعاون من أجل الوصول إلى برّ الأمان"، مشيرا إلى أنّ "الجسم اللبناني لم يتعافَ كليا من الأزمات المتراكمة. لكن هذا لا يمنع من البحث عن سبل تطوير حياتنا السياسية".

الكتائب

من جهته، انتقد رئيس مصلحة الطلاب في حزب الكتائب اللبنانية باتريك ريشا الحالة المتفشية منذ سنوات، من دون أن يوضَع لها حلّ. وقال: "تكمن المشكلة في وجود مجموعات من الطوائف تتقاسم الأرض ذاتها من دون الاتفاق على أي لبنان تريد، فكل طرف يسير بمحور وبتحالفاته الخاصة، ما يقود إلى أن تفرض كل مجموعة وجهة نظرها على الأخرى". وفي هذا السياق، حذّر من خطورة تعرّض اي طائفة للكبت، "فذلك سيولّد في ما بعد مجموعات متناحرة".

وعن دور الشباب في تبديل الحالة القائمة، لم ينكر ريشا الدور المهم المنوط بهذه الفئة العمرية، "إلا أنّها ليست المبادرة إلى طرح الحلول الناجعة". أضاف: "منذ مدة طويلة ونحن نعيش في مرحلة تسجيل نقاط بعضنا على بعض وتقطيع مراحل، في حين أنّ حزب الكتائب كان السبّاق إلى طرح الحلول، منها اللامركزية". وتابع متأسفا: "إلا أنّ القوى السياسة كافة غارقة في تحالفاتها وفي محاور معيّنة، فقلما يصغي أحد".

واعتبر ريشا الدعوة إلى طاولة الحوار أقرب إلى "غسل دماغ إعلامي"، موضحا: "لا شك في أنّنا مع الحوار، إلا أن النقاشات السياسية والتجاذبات كلها تتمحور حول المشكلة ونتائجها، من دون التطرق إلى الحل، ما يعكس خبثا في مكان ما".

التيار الوطني الحر

في المقابل، بدا رئيس لجنة الطلاب في التيار الوطني الحر ماريو شمعون أكثر تفاؤلا، معتبرا "أن الحرب اللبنانية انتهت، وكل طرف أخذ العِبر المناسبة". أما عن خلفية تفاؤله، فأوضح: "كل من التيار الوطني الحر وحزب الله، يدرك إقامة التوازن، كما يخلق كل منهما لُحمة بين اللبنانيين، وهذه المسألة كافية. يشكل التيار والحزب صمّام أمان لعدم نشوب حرب جديدة في ظل سياسة الانفتاح والاعتدال التي ينتهجانها".

وعمّا إذا كانت أحداث الفتنة المتنقلة تستدعي القلق من حرب محتملة، قال: "أحداث 7 أيار، اشتباكات برج أبي حيدر وكل ما شهدناه، ليس سوى مجريات موضعية، ونحن لا نعاني أي هاجس من خطورة تكرارها، ولا سيما أن اللبنانيين بلغوا ما يكفي من الوعي والقدرة على عدم التعرض لأحد". وعن التأثيرات السلبية التي يمكن أن تؤجّجها الخطابات التلفزيونية النارية بين اللبنانيين، قال: "صحيح أن بعض اللبنانيين ليسوا أبرياء، وقد يولّدون الفتنة، لكن قد يصعب ذلك في ظل وجود ضابط إيقاع جيّد، أي القوى الأمنية ومؤسسة الجيش اللبناني". في هذا السياق، شدّد شمعون على رفع شعار "عدم الارتهان للخارج، فالقرار اللبناني يأتي من الداخل"، داعيا إلى "التفكير بطريقة إيجابية لخلق مناخ من التفاؤل والاطمئنان".

من جهته، أسف منسّق قطاع الشباب في تيار "المستقبل" وسام شبلي لوجود تدخلات خارجية تؤثر في الصراع السياسي الداخلي، وتحاول تغطية فريق ضد آخر. وتابع موضحا: "هذه العوامل تجعل من لبنان ساحة صراع لمعارك خارجية وتصفية حسابات، علما أن قوى 14 آذار منذ سنوات تقدّم التنازلات، لئلا تتكرّر المؤامرة وتقع حرب جديدة".

ويعتبر شبلي أن من الصعب تجاهل الحقيقة: "الفرز السياسي الذي تعيشه المنطقة، سينعكس على الداخل، ولكن يبقى الأساس في مدى وعي اللبنانيين في الحفاظ على انسجامهم لحماية أنفسهم والبلد". كما انتقد كل من يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لإنتاج حرب جديدة أو تشنّجات، معتبرا أن "التغيرات التي ستحملها أنظمة الدول العربية من تكريس للديموقراطية، ستولّد قناعة بضرورة عدم التدخل في أي أنظمة من البلدان المجاورة أو حتى نسج مؤامرة جديدة".

ويرى أنه يمكن تحييد لبنان من حرب جديدة من خلال "وعي حقيقي وتقديم نموذج جديد يحاكي تطلعات الشباب اللبناني المتحرّر من العصبية والتشنّجات ورواسب الماضي وفتح صفحة جديدة". شباب لبنان أكثر من أي وقت مضى يبرهنون أن "الإحباط ليس قدرهم"، وحريصون على حماية استقلالهم وسيادة دولتهم، بما توافر لهم من وسائل. وقد أظهرت التجارب في الأعوام المنصرمة، أن الولاء للبنان هو "الحجر المفتاح" في قنطرة بنيان الدولة، وأي محاولة ارتهان للخارج كمن يلعب بالنار.

السابق
على الطريقة اللبنانية
التالي
الانباء عن مصادر 8 آذار: توزيع الحصص الحكومية أنجز ووزير الداخلية من حصة سليمان على ألا يستفزّ عون