تقاطع أميركي ـ سعودي ـ سوري على تأجيل التأليف؟

يوما بعد يوم، يتأكد للرأي العام أن تأخُّر ولادة الحكومة، أو تأخيره، ليس سببه خلافا على نسب التمثيل أو الأسماء والحقائب الوزارية فقط، وإنما يتعداه إلى ما يحيط بلبنان من تطورات وأحداث ومواقف إقليمية ودولية، ادخلته، بل ربطته بها ووضعته على لائحة انتظار المشهد الذي سيرتسم في ضوئها، حتى يستطيع أن يتلمّس المصير الذي سيؤول إليه.

وإذا كان هناك من شيء داخلي يتحكم في مصير الولادة الحكومية، فهو، في نظر مسؤول سابق وخبير بالشؤون اللبنانية والعربية والدولية، يكمن في السؤال: لماذا نريد حكومة؟ وهل المراد من هذه الحكومة إلغاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أم لا؟

ويقول هذا المسؤول إن تأخير الولادة الحكومية هو "مصلحة أميركية – سعودية – سورية"، فالإدارة الإميركية العاملة على استيعاب ما يحصل من ثورات عربية لإنعاش مشروعها "الشرق الأوسط الجديد"، لا مصلحة لها في أن تؤلّف حكومة لبنانية قد تتخذ قرارات تخالف مصالحها، ومنها قرار بإلغاء المحكمة الخاصة بلبنان التي تتمسك بها في قوة، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تضغط على سوريا وغيرها بخلاف ما تمارس من ضغوط على دول أخرى.

وسوريا من جهتها لا تريد أن تضغط لبنانيا لتأليف حكومة تحظى بتغطيتها لإلغاء المحكمة، لأن ذلك يستفز الإدارة الأميركية، في الوقت الذي تنشغل في تطويق ذيول ما حصل في بعض المدن السورية وتنفيذ ورشة الإصلاحات المختلفة التي أطلقها الرئيس بشار الأسد.

وبدورها المملكة العربية السعودية التي تنسق مع سوريا حول كل ما يجري على الساحة العربية في هذه المرحلة، لا تستطيع أن تغطي حكومة في لبنان يمكن أن تقرر إلغاء المحكمة الدولية، بما يعاكس الرغبة الأميركية، ويعاكس أيضا موقف تيار "المستقبل" ومجمل قوى 14 آذار.

لذلك، يقول المسؤول نفسه، إن تأخير تأليف حكومة ليس وليد المصادفة، ولكنه يدل إلى وجود بلبلة داخلية وإقليمية ودولية هي التي تسبب دفع بت هذا الملف إلى التأجيل. وإذا كان المناخ الداخلي ضاغطا في اتجاه التأليف، فإنه ليس مَن يقرر الحسم في شأنه في النهاية. ولهذا فإن الولادة الحكومية لا تزال بعيدة بعض الشيء.

ويعتقد هذا المسؤول أن أيّ صفقة سورية – سعودية قد تحصل لن تلغي المحكمة، وقد تثير حفيظة قوى إقليمية ودولية عدة، ويمكن أن تفتح جبهات إضافية في المنطقة ليس لأحد مصلحة فيها، وذلك في ضوء انشغالات الجميع بالجبهات القائمة من المشرق إلى المغرب.

ويرى المسؤول أن الوضع في المشرق العربي مختلف إلى حد ما عن الوضع السائد في المغرب، ويقول إن الولايات المتحدة الأميركية استوعبت حتى الآن معظم الثورات. ففي مصر أُطيح الرئيس حسني مبارك ونظامه، ولكن في المقابل لم ينشأ بعد نظام جديد، كما لم يتسلم "الأخوان المسلمون" السلطة، وإنما تسلمها المجلس الأعلى للقوّات المسلحة، أي الجيش. وهذا المجلس على علاقة جيدة بالاميركيين. لذا، فإنّ واشنطن لم تخسر في مصر أي شيء.

وفيما يرى المسؤول نفسه أن الوضع في ليبيا يؤول شيئا فشيئا إلى ما يشبه الوضع المصري، يشير إلى أن الوضع التونسي لا يختلف عن مصر، حيث أُطيح الرئيس زين العابدين بن علي ولم تكتمل الثورة، ويتولى رئيس أركان الجيش التونسي السلطة فعليا في انتظار تركيب سلطة سياسية ترعاها. أما في البحرين فقد حصل استيعاب أميركي لما يحصل فيها إلى حد معيّن، ولكن لم يحصل تغيير جذري بعد. لذا، يرى الأميركيون أن من الأفضل لهم في هذه المرحلة التعاطي بهدوء مع كل ما يجري في المشرق، ولكن تحت سقف استيعاب الثورات الجارية.

وفي ضوء ما تقدّم، يرى المسؤول أن تأخير ولادة الحكومة مريح للجميع، وتحديدا لدمشق والرياض. فلا الجانب السوري يريد حشر نفسه بهذا الاستحقاق اللبناني، الذي قد يستفز كثيرين ولا سيما الأميركيين منهم في وجه القيادة السورية، ولا الجانب السعودي يريد حشر نفسه بالاستحقاق نفسه، فيما الجانب الأميركي يقول "أجّلوها… لنرى غدا".

السابق
الحياة: عون يضع الرئيس المكلف امام خيارين : التسليم بشروطه او الاعتذار
التالي
قانون السير هل يحلّ مشكلة السير؟