أين شيعة الإمارات وقطر؟

سؤال يستحق أن يطرح فعلا، ففي خضم هذه الهبة العظيمة، والبيانات التضامنية التي خرج بها كثير من العلماء والفعاليات الشيعية الخليجية، بشأن ما يحدث في البحرين، يلتفت المراقب ليبحث عن شيعة قطر والإمارات، أليسوا شيعة أيضا؟ لكنه يجد الموقف لديهم مختلفا كليا، فهم مواطنون أولا قبل أن يكونوا شيعة، ولم يقفزوا على مواطنتهم لصالح طائفتهم، في أي وقت من الأوقات، حتى لو حانت الفرصة!
شيعة الإمارات وقطر يسجل لهم أنهم حالة مختلفة عن نظرائهم في دول الخليج الباقية، وهذه حقيقة وليست تحليلا، فطوال تاريخ تعايشهم مع الغالبية السنية في بلادهم، تمكنوا من الاندماج بصورة شبه كاملة مع باقي مكونات مجتمعهم المحلي، حتى غدا اندماجهم بهذه الصورة يستحق الإعجاب والإشادة، فلم يعرف عنهم الخروج بموقف، أو بيان، يحسب لطائفتهم، وظلوا يعمقون مفاهيم المواطنة بصورة مذهلة، مؤكدين يوما بعد آخر أنهم مواطنون، ومواطنون فقط.
وبحسب تقرير الحريات الدينية، الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية لعام 2010، فإن نسبة الشيعة في الإمارات تصل إلى 15%، بينما تصل النسبة في قطر إلى نحو 5% من السكان، ومع هذا فإنه لا يمكن تقسيم المجتمع الإماراتي أو القطري، إلى شارع سني وآخر شيعي، كما لا يمكن القول إنهم منفصلون عن واقعهم المحلي، بل لا يمكن حتى التفريق بين المواطن السني والمواطن الشيعي في هاتين الدولتين، فالزي واحد واللهجة نفسها، بينما نرى الصورة، للأسف، مقلوبة بالكامل في الدول المجاورة.
غني عن القول أن العرب يشكلون الغالبية الكبرى من الشيعة في دول الخليج، وهذا أمر في غاية الأهمية لتحقيق مبادئ المواطنة، ليس طعنا في الشيعة من أصول غير عربية، بل للتأكيد على أن الشيعة جزء أساسي من نسيج المجتمعات الخليجية منذ نشأتها، فهم ليسوا طارئين جاءوا في مرحلة تاريخية معينة، ولم يعرف عنهم أي خروج عن مفهوم الدولة، إلا في حالات محدودة جدا، وظل ولاء غالبيتهم العظمى لدولهم أولا، ثم لمذهبهم أو مراجعهم الدينية، لكن هذا الولاء المطلق للدولة تراجع بعض الشيء مع الثورة الإيرانية، وهنا يقول المفكر باقر سليمان النجار في كتابه «الحركات الدينية في الخليج العربي» إن سقوط نظام الشاه وإقامة نظام إسلامي شيعي في إيران «قد أحدثا تغيرات مهمة، ليس في مزاج التجمعات الشيعية في الخليج، وإنما أيضا في المنطقة العربية كلها»، لكن السؤال: لماذا هذا التغير في المزاج الشيعي الخليجي لم ينطبق على شيعة الإمارات وقطر؟ وهو ما يرسخ فكرة آمن بها، وعمل عليها، هؤلاء، بأن مبدأ ولائهم للدولة ثابت، مهما تغيرت الأوضاع السياسية والاجتماعية بالمنطقة، ولا بد من الإشارة إلى أن هناك فعلا بعض المحاولات في الاتجاه نفسه، قام ويقوم بها الكثير من شيعة الخليج، لكنها سرعان ما توأد، بفعل متطرفين يختطفون قرار الأغلبية، والأمثلة والشواهد كثيرة.
وقد يقول قائل: لكن الشيعة في دول الخليج لم يأخذوا حقوقهم كما هم شيعة الإمارات وقطر؟ ونرد بالقول: وماذا عن حقوقهم الكاملة في الكويت.. مثلا؟ ماذا عن تمثيلهم الملحوظ بقوة، والمستحق، في مجلس الأمة أو مجلس الوزراء؟ ماذا عن معارضة البحرين الشيعية التي حصدت 18 مقعدا، بالانتخاب، في مجلس النواب المكون من 40 مقعدا؟ وكذلك تعيين شيعي كنائب لرئيس الوزراء، وهو الأمر الذي لم يصل إليه السنة في البحرين، من غير الأسرة الحاكمة، ولا ننسى السعودية التي سعت بشكل كبير لتعزيز مكانتهم وتمثيلهم وإعطائهم حقوقهم التي قدمت لهم من أعلى المستويات وعبر قيادة البلاد نفسها، سواء عبر مشاركتهم في مجلس الشورى أو جلسات الحوار الوطني، أو أيضا تمكنهم من حقوقهم الدينية الكاملة غير المنقوصة، ومع كل هذا فلا يمكن لأحد أن يقول إن ما يحصل، وسيحصل، هو كاف، أو هو منة تقدمها دول الخليج لمواطنيها، فهو حق للمواطنة التي يحملونها.
التجربة الشيعية، إذا صح التعبير، في الإمارات وقطر، أثبتت أن الولاء للوطن هو السقف الذي لا يمكن أن يفوقه أي سقف آخر، وأن الولاء لا يمكن أن يتجزأ، سواء لقبيلة أو منطقة، وبالتأكيد لطائفة. الشرخ الطائفي قد يكون خطيرا جدا، والأخطر منه تركه يعالج نفسه بنفسه من دون محاولات حتى لرقعه.. فهل نتركه ثم نصيح ونقول إن الشق اتسع على الراقع؟

السابق
فضائح “ويكيليكس” اللــبنانيّة: حزب الله ووليد جنبلاط
التالي
مجــــــد لبـــــــــنان