مجــــــد لبـــــــــنان

كل ملمّ بالكتاب المقدس قرأ في أشعياء (35: 2): "مجد لبنان أُعطي له". وهذا عند النبي قول في المسيح. الآية مكتوبة بالأحرف السريانية على نصف حائط يفصل في الديمان بين مدى الكهنة، ما نسميه في الدارج الأرثوذكسي الهيكل، وصحن الكنيسة وما كنت أعلم حتى وجدتني واقفاً في الكنيسة وراء غبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير في البيعة منذ سنتين أو ثلاث اذ كان يستضيفني غداة عيد رقاد السيدة في بداية المنتصف الثاني من شهر آب. والبطريرك صفير عنده عادة استحبها اذ يقود ضيوفه بعد الغداء ليتسنى لكل منهم خلوة دقائق مع ربه واذ بي التفت الى الكتابة وأقول لسيدنا انا لا أقرأ السريانية أرجو اليك ان تقول لي هذا بالعربية فتأخر بعض لحظات ولم أفهم سبب ذلك فقلت له لماذا الحرج يا سيدنا هذا لا بد ان يكون كلاما الهيا، عند ذاك، قال: الكتابة هي: "مجد لبنان أعطي له". وما كان مكتوبا بين هلالين انها من أشعياء.
لماذا ذكرت هذه النبوءة هنا، عمّن تقرأ، ما موقعها من هذا الجدار كل هذا جلاه لنا غبطة البطريرك بشارة بطرس (الراعي) في خطاب تنصيبه الذي أوضح فيه انها لاشعياء وانه ليس فيها احتكار. ما كان هاما في كلمة السيد البطريرك إرجاعه الكلام الى الوحي أكان منطبقاً – بغير احتكار – على الكنيسة المارونية أم على رأسها مجد لبنان ينزل من المسيح الذي ورثه على "الكهنوت الملوكي والأمة المقدسة" التي الكنيسة المارونية جزء منها باعتبارها ممسوحة بالميرون المقدس مع كل أبنائها.
البطريرك اغناطيوس الذي يقود كنيستنا بما فيه من حكمة وحب قال لي منذ أيام قليلة: الكنيسة المارونية فيها نهضة. وكان قد عبر لي مرات عدة عن وجوه هذه النهضة بما يعني ان غبطته ذائق للنمو الروحي الذي تعرفه الكنيسة المارونية في كبار مؤمنيها الأشداء بالروح، التائقين الى الخلاص بعيدين من إغراء هذا العالم ليسكنوا الى المسيح وحده فيتم فيهم رضاؤه اذ أصبحوا امة مقدسة له.
ما يجمعنا نحن المسيحيين، النعمة التي يعطيها المسيح. ما عدا ذلك باطل وقبض الريح. معا نحن لسنا بوجه أحد "المحبة تطرح الخوف الى خارج". ان كنت تأكل جسد الرب كل أحد فأنت أقوى من الدهر. ان تتحصن في هذه الدنيا وحدها خيانة.

•••

ان ترى هذه الكنيسة أو تلك فيها خصائص أمر لنا ان نتعلّمه ونقتبس منه ما نقتبس على ألا يكون في هذا فخار من الدنيا "مملكتي ليست من هذا العالم". ماذا يعني هذا في المسألة السياسية؟ ما هو فكر المسيح في هذا؟ لا بد ان يكون لنا فكر لاهوتي واحد في هذا المبحث ليكون لنا تصرف واحد وتالياً شهادة واحدة.
ان يكون المسيحي في هذا الشرق يسلك بالمسيح يعني ان في المسيح وطنه وليس للكنيسة المسيحية تحالف مع أي وطن. انها فيه كالسائح ومقصدها السماء. لا تستريح الكنيسة في مكان أو اليه. كذلك لا يكفي ان نحسب اننا، مسلمين ومسيحيين، في خدمة له واحدة، راهنة، المبتغى ان نحس اننا قادرون على ان نكون من كيانه ومن قلبه.
كيف يتم هذا مع قراءتين مختلفتين لعلاقة الدين والدنيا. الوحدة في فلسفة هذا الموضوع هي ان كل كتلة لها واقعها في قراءة العلاقة بين الدين والدنيا وتختلف عن الرؤية النظرية، فمن المسيحيين من هو أقرب الى الإسلام في انتقاء الدين والدنيا والسياسة ودمجها. نقتبس بعضنا من بعض في الواقع السياسي وننقح تنظيرنا. انت لا تتعامل مع إسلام أو مسيحية. انت تتعامل مع مسلمين ومسيحيين يتطورون ويتلاقون في الفكر والقلب وانت تسير على الرجاء، رجاء ان يصير الآخر مثلك أو أعظم في ولاء الأمة الواحدة.
الاختلاط لا بد ان يغير المجتمعات وان ينشئ نماذج بشر جديدة. لا مفر من نشوء لبنان مدني هو في الحياة العامة جمع بين المسيحية والاسلام وعناصر حضارية أخرى.
هذا لن يكون تلفيقاً غير محمود. هذا يكون انتظاراً لانسانية لا نتوء فيها، تفرح بالعظائم وبما تقدر عليه الحرية. الشكل يكون مدنيا أي اصطفاء الأحسن في الاجتماع البشري وما من اصطفاء الا من انسجام وفي هذا يكون قد نزل علينا الخيار الالهي. ان الآخر انسكب عليه مجد لبنان وتكون قد فهمت ما قاله البطريرك الذي قدم بالبركات ان ليس هناك من احتكار لأن الاحتكار رفض الآخر وفي الرفض لا ينزل مجد لبنان.

السابق
أين شيعة الإمارات وقطر؟
التالي
مصـر: ترويض “الاخوان المسلـمـين”