من يحمي أبو مازن من الاحتجاج الشعبي؟

خيمة الاحتجاج للشباب الذين يطالبون بانهاء الانقسام ويمكثون فيها منذ أكثر من اسبوعين، ليل نهار، اصبحت جزءا من مشهد ميدان المناورة في رام الله. لدرجة أن هناك من اعتقد بانه لم يعد معنى لوجودها. ولكن مساء يوم الاربعاء هاجمتها عصبة ظهرت مع نشطاء "الشبيبة" – حركة الشباب في فتح. الشرطة وقوات الامن الفلسطينية ممن يتواجدون في المكان بشكل دائم لم يمنعوا الاعتداء. ولكن في الخيمة وفي الاعتداء عليها هناك كثير مخفي عن العيون.

في الثامنة مساءاً كانت الاجواء في الميدان رائعة. فللتو انتهى عرض ممثل ومغنٍ مقدسي، فالعروض الفنية هي طريقة يتبعها نزلاء الخيمة لاجتذاب الانتباه لرسالتهم. وبدأ الجمهور يتفرق. ثلاثة من الشباب الذين اعتدي عليهم كانوا في الخيمة. نحو خمسة آخرين كانوا يجلسون خارجها، يقرأون، يدرسون للامتحانات في الجامعة ويثرثرون. نشطاء آخرون يرتبطون بالمجموعة التي أقامت الخيمة المسماة "15 اذار"، كانوا في طريق عودتهم من مظاهرات يوم الارض في النبي صالح.

فجأة وصلت الى الميدان عصبة كبيرة وصاخبة من حملة الاعلام الصفراء لفتح: هؤلاء هم نشطاء الشبيبة وقد جاءوا للاحتفال بانتصار قائمتهم في الانتخابات التي جرت في جامعة بيرزست، والتي قاطعتها الحركة الخصم الرئيس – حماس.

وكلمح البصر تحول الميدان الى لجة من الاجساد المتصادمة، رفع الايدي، الصراخ، اسقاط الخيمة على نزلائها، كتب مرمية، فرشات وبطانيات متناثرة، يافطات كبيرة "نعم للمصالحة ، لا للانقسام" ممزقة. وروى شاهد عيان بان كل شيء بدأ عندما حاول أحد اعضاء الشبيبة احراق الخيمة. وسعى شباب 15 اذار الى ابعاده وبدأوا يصورون. اعضاء الشبيبة الاخرين هجموا، ضربوا، هاجموا الخيمة الى أن انهارت وداسوا باقدامهم كل ما ومن تحتها. نزلاء الخيمة، كوفيات بالاسود والابيض على رقابهم، نجوا منها، يرتجفون غضبا وخوفا نحو شارع جانبي. "اتهموني باني حماس"، قال احدهم وأخرج بطاقة عضويته في فتح. حول المتبقين تجمعت مجموعة كبيرة من ذوي العضلات الصاخبين، معظمهم من لابسي القمصان السوداء وعلى رقابهم كوفيات سوداء – بيضاء. بعض المارة هتفوا "يا عيب"، ولكنهم خافوا من التدخل والفصل بين المتنازعين. افراد الشرطة الذين وصلوا من محطة على مسافة 150 مترا لم يسارعوا الى ابعاد المعتدين. "لم نتوقع شيئا كهذا أن يحصل"، قال بعد ذلك قائد التحقيقات الشرطية وهو يشرح لواحدة ما سألت: "ولكنكم تتواجدون هنا على نحو دائم، بالبزات وبغير البزات، فكيف لم تمنعوا ذلك؟" وقد قال ان رجاله اعتدي عليهم ايضا.

بعد ذلك انتقلت عصبة ذوي العضلات الى وسط الميدان، ورفعت الاعلام الصفراء وهتفت لابو عمار وتحيا فلسطين. وأعلن احد ما بصوت عال: "نحن الشبيبة جئنا نحتفل بانتصارنا في الانتخابات، واعتدي علينا. قوات الامن اعتدت علينا". ودعا المحتفلين الى الجلوس الى أن يأتي رئيس اللجنة المركزية لفتح محمود العالول ويعتذر. وهكذا، دون خجل، اعترف المتحدث بالمؤامرة التي بين أجهزة الامن وفتح.

الوحدة لاجل مكافحة الاغلاق

تقارير وسائل الاعلام الفلسطينية الرسمية مزعومة الاستقلال أخفت هوية المعتدين "الشبيبة". محافظة رام الله، د. ليلى غنام، عضو فتح، وعدت بايجاد المسؤولين عن الفوضى وادعت بان هؤلاء "اشخاص خاصين". في النهاية اختفى اعضاء الشبيبة دون أن يصل العالول. هدوء صدمة لف الميدان. وبصمت بدأ الشباب يرفعون الخيمة، يجمعون محتوياتها المتناثرة وينظفون محيطها.

قبل بضع ساعات من ذلك منعت ذات أجهزة الامن خمسين شابا من التظاهر في ميدان سيتي إن في المخرج الشمالي، المغلق لرام الله. وقد زجوا بالقوة ببعض المتظاهرين في السيارات ونقلوهم الى الحي البرجوازي لرام الله – الطيرة، ربما بسبب صورة "ابناء العائلات" التي للمتظاهرين.

مشاركو المظاهرة التي احبطت اعتقدوا بان هذه هي الطريقة المناسبة للتظاهر في "يوم الارض". والشعار الذي رفعوه "الصدام الشعبي مع الاحتلال هو السبيل لانهاء الانقسام" يلمح بخلافات الرأي السائدة حتى داخل مجموعات المناورة. شعار "انهاء الانقسام" – والمقصود هو الانقسام السياسي بين القطاع والضفة الغربية – فقد سحره. هناك من يشرحون ذلك بعناق الدب الذي قدمه الناطقون بلسان فتح والسلطة وكأنه لا يد لهم في الانقسام. في غزة، الشباب النشطاء في ذات المجموعات وعلى اتصال دائم مع نظرائهم في الضفة يشتكون من دحر الشعار الى الهوامش. وهم يعتقدون بان في الضفة الغربية لا يهتمون بما فيه الكفاية لشروط الحبس التي يعيشون فيها بسبب سياسة الاغلاق الاسرائيلية. الانقسام عمق الاغلاق. وفقط انهاء الانقسام سيسمح بمكافحة الاغلاق، بمعنى، بمكافحة حبسهم.

ولكن في الضفة يعتقد الكثيرون بان مطلب "انهاء الانقسام" فيه تشديد زائد على الامور الداخلية، مما ينسي بان العدو هو الاحتلال الاسرائيلي. ومن أجل تذكير الجميع من هو العدو، جرى التخطيط لعمل جديد من نوعه في 5 اذار: مظاهرة مفتوحة (دون موعد نهاية محدد مسبقا) قرب أو داخل مديرية التنسيق والارتباط. ويختصر الفلسطينيون الادارة المدنية بمجرد كلمة "بيت ايل" على اسم المستوطنة المجاورة.

لم يخرج عن الفيس بوك

وكان بادر الى النشاط اعضاء اللجنة النضالية الشعبية في القرى المختلفة الذين على مدى السنوات الثمانية الاخيرة يتحملون عبء الصدام الدائم مع الاحتلال. الكثير منهم اعضاء فتح. وأطلعوا مجموعات المناورة التي ابدت اهتماما. وعندها علم بالامر اعضاء اللجنة المركزية لفتح. وحسب مصادر مختلفة، تراكض عدد منهم بفزع الى مكتب رئيس فتح، السلطة وم.ت.ف – محمود عباس – وحذروه من عمل من هذا النوع. وادعى أحد ما بانهم قالوا ان هذا سلاح في المنافسة المزعومة لرئيس الوزراء سلام فياض ضد فتح ومكتب الرئيس. وبعد ذلك بدأ يصل الى النشطاء مكالمات هاتفية فيها "نصيحة ودية" بعدم تنفيذ الخطة. وحسب المصادر فان محافظة رام الله ايضا، د. ليس غنام، عارضت هذا العمل. وتحت الضغط الكثيف، الغيت الفكرة أو تأجلت.

من مكتب الناطق بلسان فتح جاء التعقيب لـ "هآرتس" بان الفكرة لم تخرج عن صفحة الفيس بوك وعليه فمنذ البداية لم يكن من يعارضها. وقيل ان "فتح تؤيد الكفاح الشعبي ضد الاحتلال، والدليل هو أن اعضاءها يشاركون في المظاهرات في بلعين ونعلين وغيرها". وجاء من مكتب المحافظة انه لا علم بخطة للتظاهر، كما وصفت ولكن مبدئيا هناك اعتراض على "الاحتكاك". اما عضو اللجنة المركزية لفتح، الذي ذكر كأحد المعارضين المركزيين لهذا العمل فقد قال لـ "هآرتس": "هناك أناس معنيون بالشروع في الفوضى في مدن الضفة الغربية. نحن لا نريد العودة الى الفوضى الامنية التي سادت من قبل. من يريد ان يدير كفاحا شعبيا وغير ملح، فليذهب الى مناطق ب و ج، مثل نعلين وبلعين". وعندما قيل له ان هذه بالضبط كانت النية و "ما هو الفرق بين مظاهرة في المنطقة ج في بلعين وبين مظاهرة في المنطقة ج قرب رام الله"، ادعى العضو الكبير في فتح اياه، وهو ذو خلفية أمنية بان "نية المتظاهرين كانت فقط الاعتصام في ميدان سيتي إن وذلك لجر الشرطة الفلسطينيين للرد على اطلاق نار اسرائيلية بالغاز المسيل للدموع او بالعيارات المعدنية المغطاة بالمطاط. من يضمن لنا ان يأتي عميل ما، فيطلق النار في الهواء رصاصة واحدة، وهكذا كل شيء يخرج عن السيطرة؟" ("هآرتس" لم تنجح في الحصول على رد فعل من مكتب عباس).

ميدان التحرير ليس هنا

المؤيدون للنشاطات من هذا النوع، بعضهم ذوو أقدمية في الانتفاضة الاولى، هم أيضا يعتقدون بان هذه خطة فجة. "الشباب ارادوا تقليد ميدان التحرير"، قال أحدهم لـ "هآرتس"، مقرب من سلام فياض. "ولكن في التحرير فحص الشباب كل من دخل الميدان كي يكون نقيا من حملة السلاح الناري أو الابيض. فهل يمكنهم أن يفعلوا ذلك كي يضمنوا بان العمل لن يكون مسلحا من الالف الى الياء؟ أشك".

شباب المنارة سمعوا أن ابو مازن قال في مناسبات عديدة "لا يهمني أن يمزقوا صوري في المنارة على الا يقتربوا من بيت ايل. هذا لن اسمح به".

"هذه بالضبط المشكلة"، قال لـ "هآرتس" نشيط في مجموعة فكرية اقامها بعض الشباب قبل نحو نصف سنة. "الهيئة التي يفترض أن تمثلنا هي التي تمنعنا من التظاهر ضد أحد رموز الاحتلال، الادارة المدنية". وعليه، فان مجموعات الشباب حول الخيمة تعنى بتطوير فكرة جديدة/قديمة: بناء تمثيل جديد وحقيقي للشعب الفلسطيني بأسره – الذي يوجد في غزة، في الضفة، في الشتات وفي مناطق "الداخل" (اسرائيل). الانتخابات لمجلس وطني فلسطيني تقوم على أساس "صوت لكل شخص" يقول الشباب ويعترفون بان "على التفاصيل الفنية لا بد سنعمل". الانتخابات على أساس هذا المبدأ ستعيد القوة والقرار الى الشعب، على حد قناعتهم. وهم ينسقون مع م.ت.ف في الخارج ويطوران معها الفكرة. وهم يعتزمون التوجه الى كل مدينة وقرية ومخيم لاجئين لبلورة الفكرة.

احد الشباب يقول: "مطلب الانتخابات الجديدة يقول للجميع ان، من أبو مازن وحتى اسماعيل هنية، باننا مللنا. المبادرة تهدد كل الاحزاب السياسية القائمة وقياداتها وذلك لاننا نطالب ايضا بالشفافية وتحمل المسؤولية. القيادة التي لم تنجح في ان نتقدم نحو هدف التحرير – مطالبة أن تتنحى".

هذه رسائل معارضة للنظام الداخلي المتحجر والمشلول الذي اعتاد عليه الكثير في فتح وم.ت.ف ويكسبون منه. لا يزال يدور الحديث عن بذور، ولكنها ذات طاقة مقوضة كامنة على نحو ظاهر.

السابق
الأب والابن وروح الثورة
التالي
خائن في 2011: عميل فقير، لإسرائيل