خائن في 2011: عميل فقير، لإسرائيل

(خاصّ الموقع)

قبل سنوات، كانت العمالة تعني المال الوفير وكثرة التقديمات الإسرائيلية لاستمالة الرجال والنساء والشباب والشيوخ. أما اليوم، فقد صارت العمالة مهنة من لا مهنة لهم. لا تدرّ من المال أكثر من سدّ الرمق، ولا تنقل العميل من مستوى إجتماعي إلى آخر، إلا في ما ندر. هنا قصة عميل عاش فقيرا، و"تعامل" فقيرا، وألقي القبض عليه أكثر فقرا.

هو الأستاذ حسين بيضون: مدرّس المواد العلمية كافة.
هكذا كان الجميع يناديه قبل تناقل أخبار تعامله مع العدوّ الإسرائيلي بداية الأسبوع الجاري. واليوم أصبحت كلمة "العميل" هي الصفة التي تسبق اسمه. فكيف تعامل محيطه معه؟ وكيف كان وقع الخبر على محبّيه؟ وماهي الأسباب التي أجبرته على خيانة وطنه؟
“janoubia” حاولت الإجابة عن التساؤلات من خلال البحث والإتصال بمجموعة من معارفه وأقاربه.
أحد مدراء المدارس التي كان يدرّس فيها بيضون صدّق الخبر لأنّه عرف به قبل إعلانه: "عرفت بالموضوع من شقيقته، فهي معلّمة أيضا في المدرسة نفسها، إذ قالت لي إنّ استخبارات الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي أحاطوا بمنزله وأقتادوه للتحقيق معه حول دراسات كان يجريها".
أمّا إلى أيّ حدّ تفاجأ بما جرى، وإلى أي درجة تقبّله: "بصراحة، تفاجأت ولم اتفاجأ (!!!)"، ويتابع: "لم أتفاجأ لأنه ، ومن خلال معرفتي الشخصية بالمتهم، أعرف أنّه مدمن على الإنترنت، رغم بساطة شخصيته وطريقة تعاطيه الطيبة مع محيطه وتلاميذه، لكن تفاجأت بالخبر بسبب الواقع الإجتماعي الذي يعيشه بيضون. فاما أنا متأكد منه أنّه كان ناشطا إجتماعيا يهتّم كثيرا بالندوات الثقافية والتوعية المدنية، وكان يقوم بأبحاث عدّة تتعلق بجغرافيا المنطقة وتاريخها، كما أنّه أقام معارض عدّة لصور فوتوغرافية".
ويتابع المدير: "أما فيما يتعلق بوضعه التعليمي والمادي، فهو كان أستاذا متعاقدا منذ 15 عاما، وبداية هذه السنة فقط تمّ تثبيته في ملاك الدولة، رغم أنّه يدرّس من 10 الى 12 ساعة أسبوعيا. وإذا احتسبنا مدخوله من التدريس يكون راتبه السنوي ثلاثة ملايين ليرة لبنانية ليس أكثر، ما لا يكفيه، فهو كان يستدين من باستمرار، وفي أحيان كثيرة يصل متأخرا على دوام المدرسة بسبب تنقله سيرا على الأقدام من مكان إقامته الى المدرسة، لانه غير قادر على دفع أجرة التاكسي بسبب وضعه المادي السيء".
ويقول أحد المدرسين من زملائه: "لم يكن يملك لا سيارة ولا حتى منزل، وكان يعطي دروسا خصوصية في المنازل للتلاميذ"، ويتابع: "لا أعرف من هم الطلاب، قد تكون الدروس الخصوصية سبيله كعميل لاستهداف العائلات ودخول المنازل لتجسس عليها بحجّة التدريس الخصوصي".
أمّا عن مدى ادانة المدرسة لعمل بيضون، أو شماتة البعض به، فيقول أحد زملائه: "لا أعرف ماذا أقول. ربما كلمة (حرام) تكون مناسبة، لأنه لم يكن هناك أدلّة تضعه في موقع الجريمة. ربما نقول (بيستاهل) أنّه ألقي القبض عليه، لأنني لا أعرف مدى ما وصل اليه من معلومات دقيقة عن منطقة صور وأعطاها للعدو"، ويضيف آخر: "قد يكون وضعة المادي السيء وبساطة شخصيته قد أجبراه على الغوص في بحر العمالة".
الجميع رفضوا نشر أسماءهم، وواحدة من اللواتي كن يعرفنه عن قرب، والتي رفضت نشر اسمها أيضا، أعطتنا بعض المعلومات الشخصية التي تتعلّق به. فهو غير متزوج وله أختان، واحدة متزوجة وأخرى يسكن معها في منزل واحد في حارة المسيحيين بصور".
وتتابع الصديقة: "العائلة تتحدر أساسا من بلدة بنت جبيل. وأهله توفوا حين كان طفلا". إذا العميل بيضون "مقطوع من شجرة"، على ما يقال، يتيم الأبوين. اللافت أنّ والده استشهد خلال أداء واجبه الوطني رتيبا في الجيش اللبناني. الجدير ذكره أنّه كان لطيفا في علاقته بجيرانه، وكان بعيدا عن المشاكل، وكان يدرّس في مدارس عدّة، إلى أن تفرّغ لمدرسة واحدة بعد تثبيته ضمن ملاك الدولة، وذلك في مدرسة العباسية المختلطة".
أما حول علاقته بتلاميذه فتقول واحدة منهم "كان أستاذا طيب القلب ولا يضربنا كما يفعل آخرون، وكل التلاميذ يحبونه ويتعاطفون معه. ولم نصدّق ما يقال عنه. لقد تفاجأنا جميعا. خصوصا أنّ هندامه لم يكن لائقا جدا، ومن يرى منظره الخارجي يستنتج فورا أنّه شديد الفقر".
أمّا شقيقته فقد رفضت التحدث إلينا والتعليق على الموضوع. لكنّ أحد زملائه، وهو أستاذ في المدرسة التي كان يدرّس فيها يروي كيف عرف بالخبر: "عرفنا قبل أسبوع، حين دخل عناصر فرع المعلومات الى المدرسة وأبلغوا المدير بالخبر. تفاجأنا كثيرا وصدمنا لدى تلقّي الخبر، إذ ليس هناك أيّ شبهة تدور حوله. وبالنسبة لعلاقته بنا كزملاء فقد كان طيّبا جدا ومسالما ومتجاوبا مع الجميع، وحتّى مع تلامذته كان علاقته ممتازة".
هي قصّة حزينة. إلقاء القبض على بيضون ليس قمة مأساته. تلك التي يعيش فيها منذ عقود. ظنّ أنّ العمالة قد تغيّر في نفسه شيئا، لكنّها نقلته من مأساة إلى أخرى، وإلقاء القبض عليه نقله إلى مأساة ثالثة، ليس أكثر.
أنها قصة "العمالة" الفقيرة، والعميل الذي يبيع وطنه بالقليل القليل، أقلّ من خمسين من الفضّة. قصة الذي يبيع كلّ شيء، من أجل لا شيء.

السابق
من يحمي أبو مازن من الاحتجاج الشعبي؟
التالي
“فتح” شكلت لجنة تحقيق في أحداث عين الحلوة