الأب والابن وروح الثورة

في وزارات الخارجية في الغرب تابعوا هذا الاسبوع في تأهب واهتمام كبير ما يجري في دمشق. إن قوات حلف شمال الاطلسي مشغولة في الحقيقة في الجبهة الليبية لكن أنظار العالم تطلعت في الايام الاخيرة نحو سوريا التي هي بلا شك دولة مفتاحية في "ربيع الشعوب العربي" لسنة 2011.

كم هو من المفارقة ان الدكتور بشار الاسد الذي رمز، وبغير حق الى الانفتاح العربي في مطلع العقد السابق، هو الذي يهدد اليوم باستعادة "انجازات" أبيه في حماة في شباط في 1982، حينما ذبح أبناء شعبه بلا تردد. في حزيران 2000 غطيت صحفيا في دمشق جنازة حافظ الاسد وكنت بين الجماهير التي صاحبت جثة من تولى السلطة في بلاده في سنة 1971. بكى الجمهور لموت الزعيم؛ وكان نفس الجمهور الذي خرج منتصف الاسبوع الى شوارع دمشق للتظاهر من اجل حكم ابنه. هؤلاء أصلا من أبناء الطائفة العلوية التي تحكم سوريا وتشكل أقل من 12 في المائة من سكان الدولة.

في منتصف الاسبوع قررت القيادة السورية أن تُبين للعالم مبلغ مشايعة الشعب لها. تجمع مئات الآلاف في دمشق في الميدان المركزي في المدينة وحوله ليعلنوا قائلين "بالروح بالدم نفديك يا بشار". جاء الآلاف مع صور الرئيس كي لا يصابوا في العالم، معاذ الله، بالبلبلة ويظنوا ان الحديث عن مظاهرة احتجاج. وتمت في مدينة حلب ايضا مظاهرة تأييد مشابهة. إن الصور الرسمية التي تم بثها من سوريا كانت عكس تلك التي تم تهريبها قبل ذلك ببضعة ايام من مدينة درعا حيث بدأت الاضطرابات في 18 آذار.

انتظر بشار الاسد اسبوعين تقريبا منذ نشبت الاضطرابات في درعا ليتوجه يوم الاربعاء الى الأمة عن طريق مجلس الشعب في بلاده الذي صفق له. وعلى غير عادته، مزح وانفجر ضاحكا مرتين خلال الخطاب لاظهار الثقة بالنفس. أما في واقع الامر فأشار هذا الى العصبية. لكنه بخلاف مبارك وابن علي لم يجيء بأي وعد، فهو من جهته قد وعد باصلاحات قبل سنين بيد أن سيرها بطيء جدا.

عند الاسد مثل رئيس اليمن علي عبد الله صالح من يتهمه: "الأحداث الاخيرة في الدولة هي مؤامرة اجنبية جاءت من مناطق اخرى في العالم"، قال وهو يقصد اسرائيل. "أعداؤنا يعملون بصورة منظمة من اجل المس بسوريا وحل سوريا، يحاولون ان يفرضوا علينا أجندة اسرائيلية". ولم يتردد عن التهديد ايضا. "نحن لا نتعجل المواجهة لكن اذا فرضت علينا اليوم معركة فأهلا وسهلا". مع ذلك نشرت صحيفة "واشنطن بوست" خاصة في منتصف الاسبوع ان حكومة اسرائيل يريحها نظام الاسد برغم انه يؤيد ايران وحزب الله، لان الاسد يهتم بالهدوء على الحدود بين الدولتين ويعرف احترام الاتفاقات.

البعث في مشكلة

في مقابلة مظاهرات التأييد عرض رئيس الحكومة السوري محمد ناجي العطري استقالة حكومته بالتنسيق بطبيعة الامر مع القصر الرئاسي بعد الأنباء عن وقوع 13 قتيلا و185 جريحا في الحوادث الدامية في نهاية الاسبوع في مدينة اللاذقية. مع ذلك وعلى حسب أنباء منظمات حقوق انسان، قُتل حتى استقالة الحكومة 130 شخصا. وكانت السلطة مستعدة للاعتراف بعدد أقل كثيرا – 30 فقط.

إن الحكومة التي تم انشاؤها في 2003 أخلت محلها للمجلس الوزاري المصغر الذي تم انشاؤه في غضون 24 ساعة. لم يشأ بشار فراغا في الحكم ولم يشأ من جهة ثانية التنحي. حتى لو أراد التنحي فليس من المؤكد أن يُمكّنه من حوله من اختيار هذا الخيار. هكذا الحال في دولة لا يريد الرئيس وحده البقاء بل طائفة كاملة تخاف على مصيرها في حال انقلاب.

يصعب ان نقول إن أمة سورية كاملة انتظرت خطاب الرئيس في مجلس الشعب في منتصف الاسبوع. عند اولئك الذين أصبحوا قد قرروا مصير بشار لم يكن خطابه ذا معنى – بالضبط مثل خطابي ابن علي ومبارك. في الحقيقة وعد الرئيس أبناء شعبه بجملة إفضالات وفي الأساس انهاء قانون الطواريء الذي يسلب المواطنين حريات كثيرة منذ خمسين سنة. حاول نائب الرئيس ووزير الخارجية في فترة الأب، وهو فاروق الشرع، أن يُليّن الشعب عندما قال إن الحديث عن "إفضالات جدية وحقيقية تُحسن للشعب"، لكن معارضي بشار معنيون فقط بشيء واحد وهو أن يترك القصر الرئاسي.

ليس واضحا الى الآن الى أين ستفضي موجة الاحتجاج السوري، لكن يصعب ان نقول انها كانت مفاجئة. كان لسوريا كل الاسباب للانضمام الى قائمة الدول العربية ذات السلطة المهتزة لانها تعاني ايضا من أمراض رفيقاتها في الجامعة العربية. تُدبر امور سوريا منذ 1963 تحت قوانين الطواريء التي تُمكّن اجهزة الامن من التدخل واتخاذ وسائل قمع لكل مواطن يشتبه فيه من غير تقديم حساب لأحد. حتى موجة الاحتجاج الحالية، كان الشعب السوري مستعدا لذلك، لكن لم يعد الامر كذلك منذ سقط النظامان في تونس ومصر، ولا سيما منذ جند العالم نفسه لمواجهة نظام حكم القذافي.

والى ذلك وفي العهد الذي أصبحت كلمة الديمقراطية لامعة النجم في العالم العربي، يصعب منح شعب كامل حزبا واحدا فقط. قضى دستور 1973 في سوريا بأن حزب البعث هو الحزب الحاكم، وهو حزب الشعب. إن أنصار بشار هتفوا في يوم الثلاثاء في شوارع دمشق بأنه لا يوجد سوى "سوريا واحدة"، لكن ليست هذه هي الحقيقة. البعث في الحقيقة حزب منظم، وجذري، وبلا أعداء، لكنه يجد نفسه اليوم بلا أيديولوجية حقيقية تلائم توقعات الشعب السوري. يجب على بشار الاسد ان يواجه هذا الفراغ السياسي الداخلي، وليست هذه مهمة سهلة.

ينبغي ان نزيد على كل هذه الامور بطبيعة الامر، مشكلات سوريا الاقتصادية. إن تأميم الحياة الاقتصادية في الدولة الذي بدأ في بداية الستينيات لم يُسهم في الجهاز الاقتصادي السوري. فسوريا دولة جُندت فيها القوة البشرية للعمل لا بحسب القدرة والانتاج بل بحسب الانتماء الحزبي. وليست هذه هي الطريق للامتياز ولا للنمو الاقتصادي.

"الجيش سيدافع عن النظام"

السؤال الكبير هو ماذا سيفعل الجيش السوري. "يجب التفريق بين ما يجري في سوريا وبين ما جرى في تونس ومصر"، يُبين مصدر دبلوماسي اسرائيلي عارف بما يجري في دمشق. "في تونس ومصر لم يشأ الجيش اطلاق النار على الجماهير. فالجنود، وبخاصة الضباط، يعلمون أننا نعيش اليوم في عصر آخر تستطيع الجماعة الدولية فيه ان تطاردك، وكان عندهم الى ذلك خيار الانتقال الى جانب المواطنين وأن يصبحوا جيش الشعب. وليست الحال كذلك في سوريا. فالعلويون وممثلوهم في الجيش يدركون أن اعمال انتقام منهم متوقعة في حال انقلاب. ومن هذه الجهة يوجد في سوريا خوف حقيقي من حمام دم. سيفعل الجيش كل شيء للدفاع عن نظام الحكم".

ينبغي ان نزيد على ذلك ان الجيش السوري فقد من أهميته في الدولة منذ 1974 وتوقيع الاتفاقات مع اسرائيل التي وضعت حدا للعداء بين الدولتين (اذا استثنينا المواجهات في الساحة اللبنانية). كذلك أضرت اتفاقات كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر بالجيش السوري، لأن مواجهة بصورة ما حدث في 1973، مع جبهتين متوازيتين في مواجهة اسرائيل من مصر وسوريا أصبحت غير واقعية.

يصعب ان نتحدث عن مظاهرات منظمة لانه لا توجد في سوريا معارضة. الاحزاب الصغيرة الموجودة هي تلك المستعدة للعيش تحت سقف حزب البعث. فالحديث عن احزاب تقبل طاعة السلطة. الاحتجاج الذي بدأ في درعا جزء من عملية سقوط الدومينو التي نشهدها في العالم العربي. الحديث عن احتجاج يستغل الوضع. تعاني منطقة درعا منذ سنين ضائقة اقتصادية. والقحط الذي دام اربع السنين الاخيرة لم يسهم في الوضع اسهاما جيدا. كذلك حقيقة ان الاحتجاج نشب في درعا لم تفاجيء الخبراء. ففي هذه المدينة الاحتجاج على السلطة معروف بل راسخ.

يُعتقل في السجن الاقليمي في صدناية سكان محليون كثيرون اعتُقلوا لاسباب سياسية، بل يُعتقل اولئك الذين احتُجزوا بعد ان شاركوا في الحرب في العراق على الولايات المتحدة، وهذا يشير الى انه ليس جميع المتظاهرين من أنصار الغرب. اعتُقل كثيرون ايضا في تلك المنطقة لانهم أظهروا تدينا مبالغا فيه من وجهة نظر السلطة. وفي سوريا لا تشعر السلطة بأنها ملزمة أن تُمكّن أقرباء السجناء من زيارة أقربائهم. في سوريا ايضا كما في اليمن والبحرين وليبيا بطبيعة الامر كان كثير من أقرباء السجناء هم الذين حثوا على الاضطرابات.

احمدي نجاد قلق

تم الابلاغ في وسائل الاعلام الاجنبية هذا الاسبوع انه في اثناء الاضطرابات في تونس ومصر كتب شبان كثيرون في درعا على الجدران شعار "الشعب يريد اسقاط النظام". واهتمت اجهزة الامن السورية باعتقال شباب في الرابعة عشرة الى السادسة عشرة من أعمارهم. وأُعيدوا الى والديهم مع علامات تعذيب واضحة.

وأُذيعت في الشبكة العنكبوتية أفلام قصيرة كثيرة مع صور فظاعة من سوريا. وكالعادة ثم في سوريا من اتهم الغرب باختلاق أنباء وثم آخرون يريدون التلويح بتهديد الاخوان المسلمين أكبر أعداء العلويين. في هذه الاثناء يتبين ان للمتظاهرين مطالب موحدة وهي: تغيير الدستور، والغاء قوانين الطواريء، ومنح الحرية السياسية، والافراج عن السجناء السياسيين وتحسين الوضع الاقتصادي.

يصعب أن نعلم هل يوجد اختلاف في الآراء في القيادة السورية في شأن كيف يُعامل المتظاهرون. فالسلطة السورية مغلقة منغلقة؛ قبل اسبوع وعدت ممثلة الحكومة الصحفيين بأن السلطة السورية لن تطلق النار على المتظاهرين، ومن غد ذلك اليوم، في يوم الجمعة، أُطلقت النار. أكذبت الوزيرة أم ان الجهات الامنية حازت لنفسها حقوقا زائدة.

في هذه الاثناء ثم خوف من ان تحاول دمشق إشعال النار في لبنان لتُنسي ما يجري عندها أو حتى لتعامل متظاهريها بحرية أكبر. تتمتع دمشق، بخلاف تونس ومصر، بأنه لا وجود لوسائل اعلام اجنبية فيها، لكنه في عصر الشبكة العنكبوتية أصبح كل متظاهر مصورا أو صحفيا. إن تصدير الازمة الى لبنان يمكن بيقين ان يكون طموحا سوريا حاليا.

ولا يمكن بطبيعة الامر تجاهل حليفة سوريا ايران. كانت ايران في عهد حافظ الاسد تابعة لسوريا، وهو شيء تغير منذ تولى الابن السلطة. لا شك في ان طهران قلقة مما يجري في سوريا. فهي تحتاج الى بشار للاستمرار في زيادة قوتها الاقليمية، ومحتاجة الى سوريا خاصة باعتبارها محطة لنقل مدد السلاح الى حزب الله في لبنان. مهما يكن الامر، فالاسد يعلم بأنه سيحظى بمساعدة من الجزائر وقطر وليبيا ايضا وإن كانت للقذافي مشكلات بقاء خاصة اليوم.

هل تشير الحقائق في الميدان اذا الى نهاية قريبة لنظام الاسد؟ احتمال هذا ضئيل. فاولئك الذين يحيطون بالرئيس السوري من أبناء قبيلته وأبناء عائلته لن يُمكّنوه من ترك السفينة السورية تغرق. يقضي الدستور السوري بأن نائب الرئيس يرث الرئيس؛ يوجد اليوم في سوريا نائبا رئيس وهو امر لا يجعل الوضع أسهل. أحدهما فاروق الشرع والثانية هي وزيرة التربية والتعليم سابقا نجاح العطار. ينبغي ان نفترض انه لن تحدث منافسة بين الاثنين لان بشار ببساطة لن يغادر بارادته

السابق
عناوين الصحف الاسرائيلية الاول من ابريل 2011
التالي
من يحمي أبو مازن من الاحتجاج الشعبي؟