مؤتمر في بيروت: العلاقة بين التعاطي والإيدز

أطلقت «الجمعية العالمية للحد من مخاطر المخدرات» أمس، مؤتمرها الدولي الثاني والعشرين الذي يبدأ أعماله في بيروت في الثالث من نيسان المقبل ويستمر حتى السابع منه، وقد تقرر عقده في المنطقة للمرة الأولى لأنها تشهد انتشاراً كبيراً لاستهلاك التبغ والمخدرات والكحول، وارتفاعا في معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، على عكس ما يحصل في بقية دول العالم.

ويشارك في المؤتمر ألف باحث وناشط وعامل اجتماعي وسياسي من ثمانين بلدًا، وينظم إليه من بيروت «جمعية العناية الصحية» و»شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحدّ من مخاطر استخدام المخدرات» (المنارة).
إلا أن الأكثر تأثيرا في المؤتمر لن يكون ما يعلنه المشاركون من أرقام مخيفة عن تعاطي المخدرات، وعلاقتها بمرض نقص المناعة الإيدز، وإنما الأفلام الوثائقية التي ستعرض في سينما متروبوليس آرتس، وهي ثمانية أفلام من حول العالم، من أستراليا إلى إيران وطاجكستان وأفغانستان وكمبوديا… وصولا إلى هولندا وبريطانيا وبولندا، وتروي قصصا عن رجال ونساء يتعاطون المخدرات، وتأثيرها المأساوي على حياة البشر.
أما المحاضرات، فتركز على العلاقة المتنامية بين انتشار مرض نقص المناعة الإيدز وبين تعاطي المخدرات بالحقن في المنطقة العربية، وسبل تحسين البرامج الموجهة إلى الفئات الأكثر تعرضا للوباء، قبل إدراجها في برامج الوقاية التي ينظمها صندوق الدعم العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.

وقد أوضحت جمعية العناية الصحية في تقرير لها أن عدد الإصابات التراكمية في لبنان بمرض الإيدز بلغ 1172 إصابة لغاية تشرين الثاني من عام 2008، بينها 117 إصابة حصلت في العام نفسه، فيما تتراوح أعمار نصف الذين يتعايشون مع العدوى الثلاثين والحادية والخمسين، ولا تتجاوز أعمار سبعة عشر في المئة من المصابين ثلاثين عاما. وجاء في التقرير أنه تم تدريب أكثر من ثمانين عاملا ميدانيا في لبنان، توصلوا إلى توعية ما يقارب خمسة آلاف شخص، وتوزيع نحو أربعة آلاف واق ذكري، وستمئة حقنة معقمة، كما قدموا المشورة والفحص الطوعي مجانا وبسرية تامة لما يقارب ستمئة شخص من المصابين بعدوى الإيدز والتهاب الكبد الوبائي.
أما في العالم، فقد بلغ عدد الذين يتعايشون مع المرض، استنادا إلى تقرير مشترك صادر عن الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، ثلاثة وثلاثين مليون مصاب، حتى نهاية عام 2007، بينهم مليون ومئة ألف شخص توفوا بسبب الأمراض الناتجة عن الإصابة بالفيروس. وقد تركزت الإصابات الجديدة بنسبة أربعين في المئة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر وأربعة وعشرين عاماً.
وفي المنطقة العربية، بلغ عدد الذين يتعايشون مع فيروس نقص المناعة خمسمئة وثلاثين ألف مصاب، توفي منهم ثلاثة وثلاثون ألف مصاب. ويتركز انتشار العدوى في كل من مصر وليبيا وجنوب الجزائر ومناطق معينة في المغرب وفي السودان، وهي تحدث عبر العلاقات الجنسية غير المحمية، بالإضافة إلى استخدام المخدرات بواسطة الحقن.

وبحسب التقرير، توجد عوامل مشجعة للسلوكيات الخطرة في المنطقة هي: التشارك في الحقن بين مستخدمي المخدرات في كل من الجزائر ومصر وإيران ولبنان والمغرب وسلطنة عمان، والاستخدام المتدني للواقي الذكري، والتضارب بين المعرفة وبين السلوك، إذ تبين أن خمسة وسبعين في المئة من عاملات الجنس في سوريا، يعرفن بوجود الواقي الذكري، لكن ثلاث عشرة في المئة منهن فقط استخدمنه بطريقة منتظمة. يضاف إلى ذلك الهجرات الداخلية والخارجية، وانتشار اللاجئين بشكل مكثف بسبب الصراعات الداخلية.

وفي هذا الإطار، قدرت الجمعية العالمية للحد من مخاطر المخدرات، وجود ما يقارب مليون شخص يستخدمون الحقن في المنطقة، لذلك اعتبرته المحرك الرئيسي للعدوى بالإيدز، وقررت أن يكون العنوان الرئيسي لإعلان بيروت بشأن نقص المناعة عن طريق المخدرات، موضحة أنه إعلان عالمي من أجل العمل على معالجة المشكلة.
وجاء في الإعلان أن الحكومة اللبنانية سوف تبدأ البرنامج التجريبي الأول لتأمين علاج البوبرينورفين في أربع صيدليات تابعة لمستشفيات حكومية، وهو علاج بديل بالأفيونيات لمستخدمي الهيرويين. لكن لدى سؤال المدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار عن المستشفيات، أوضح أن التجربة سوف تبدأ حاليا في صيدلية مستشفى بيروت الحكومي فقط، على أن تتبعها لاحقا تجارب في مستشفيات أخرى.
وأعرب عمار في المؤتمر الصحافي الذي عقد لمناسبة إطلاق المؤتمر عن أمله بأن تؤدي التجربة إلى إنقاذ عدد كبير من الأشخاص، مشيرا إلى أن دعم الحكومة اللبنانية لبرامج الحد من مخاطر استخدام المخدرات يستند إلى إيمانها بأن دراسات ودلائل الصحة العامة لا يمكن دحضها، وأن تنفيذ برامج من هذا النوع يساعد على تقليص انتشار العدوى بالايدز والتهاب الكبد بين مستخدمي المخدرات بالحقن في كل بلد استعان بذلك.
من جهته، أعلن المدير التنفيذي للجمعية العالمية للحد من مخاطر ريك لاينز أن الاستجابة الدولية لاحتياجات مستخدمي المخدرات، متخلفة كثيرا عن الحاجة لمواجهة الوباء، موضحاً أن إعلان بيروت يشكل دعوة متحدة من المنظمات غير الحكومية من جميع أنحاء العالم تجاه المجتمع الدولي من أجل وضع حد للإهمال الحاصل تجاه مسألة الحد من مخاطر استخدام المخدرات، والوفاء بالالتزامات التي وجهتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006 من أجل الوصول إلى سبل الوقاية وعلاج الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات عن طريق الحقن.

وأكد أن استخدام المخدرات بالحقن يعتبر الوسيلة الرئيسية لنقل فيروس الإيدز في كل من أفغانستان وإيران وباكستان وليبيا، كما يعتبر خطرا في كل من سلطنة عمان والبحرين مع ازدياد واضح في المغرب.
ومع انخفاض الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة في العالم، أوضح لاينز أن سكان منطقتنا يعانون على العكس من ذلك، من الزيادة في الإصابات. وقال إنه سوف تجري جولة تمويل جديدة بقيمة ثمانية ملايين وثلاثمئة ألف دولار، يقدمها الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا في تموز عام 2011، وقد طرحت شبكة «المنارة» المناقصة الناجحة لتنسيق برامج التوعية والوقاية والعلاج في اثنتي عشرة دولة، تمول البرنامج على ثلاث سنوات، وهي كل من إيران وليبيا ولبنان وسوريا والأردن والبحرين والمغرب وأفغانستان وباكستان والضفة الغربية وغزة وسلطنة عمان.

السابق
إيلي ضو يشفى من الهيرويين
التالي
سعيد لـ”السياسة”: الأسد تكلم عن الماضي وليس عن المستقبل