مارك لينش: ما سر الهدوء اللبناني؟

مارك لينش يسأل في "فورين بوليسي" عن سر الهدوء اللبناني:
الثـورة لـن تمـر مـن هنـا.. والقـرار الاتهامـي كأنـه لم يكـن!
هدوء ورضى يسودان الأجواء هنا (في بيروت). فلا الجو المحيط بلبنان في العالم العربي هادئ، ولا ما ينتظر الداخل اللبناني، بعد صدور القرار الاتهامي، يشي بالهدوء.
من هنا، فإن هذه الأجواء "مستغربة" بالنسبة لمدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة "جورج واشنطن" مارك لينش.
لينش يروي في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، مشاهداته من لبنان، حيث التقى سياسيين وأكاديميين ومخططين استراتيجيين وصحافيين وشباباً.
أكثر ما صدم الرجل خلال محادثاته، كان "نوع الهدوء أو حتى الرضى" السائد، حيال "استقرار" المشهد السياسي و"حصانته" النسبية من موجة الاحتجاجات التي تجتاح العالم العربي في مختلف الأوساط السياسية التي زارها، قلة بدوا قلقين من أن لبنان سيختبر أي نوع من الموجات الاحتجاجية، أو أن يؤدي القرار الاتهامي المرتقب إلى أي اضطراب.
ولم يكن سهلاً على لينش أن يقرر ما إذا كان عليه أن يطمئن بأن لبنان مختلف ومحصّن فعلاً، أو أن يقلق من أن هذا الهدوء يعكس "انفصالا" لدى النخبة السياسية التي توشك على أن "تُصدَم على نحو قاسٍ".
ومع ذلك، فهو يرى أن القول بأن لبنان محصّن من تأثيرات الثورة العربية له ما يدعمه. فالنظام الطائفي القائم في لبنان يعني أنه ليس هناك نقطة "توافق" واحدة تثير استياء الجميع. كان بإمكان المصريين جميعاً التوافق أنه على حسني مبارك أن يرحل، وكذلك الأمر بالنسبة للتونسيين ورحيل زين العابدين بن علي. لكن "أسلحة حزب الله ليست نقطة توافق للتعبئة الشعبية ضدها، بخلاف ما يأمل به منظّرو 14 آذار".
وأشار الكاتب في "فورين بوليسي" إلى أن "كل من تكلّمت معهم، تقريباً، وصفوا الدعوة إلى إسقاط النظام الطائفي، التي يرفعها الشباب اللبناني، بأنها غير واقعية، بمعنى أنها هدف جميل على المدى البعيد، ولكن غير عملي اليوم، وربما يكون، بالنسبة لبعض المسيحيين، بمثابة حصان طروادة للشيعة الساعين إلى السلطة".
بالإضافة إلى هيكلية النظام الطائفي، قال الكثيرون للينش إن "طبيعة النظام اللبناني الراهن، الثنائي والمثقل بالاستقطاب السياسي، يشكل عائقاً أمام أي حركة شعبية"، مستبعداً أن تكون مقولة معسكر 14 آذار بأن الثورات العربية هي امتداد لثورة الأرز، صحيحة و"مقنع".
ولعل "الأكثر إثارة للصدمة" له هو "تجاوز" مسألة القرار الاتهامي "في تناقض قوي مع الهستيريا التي سادت لبنان قبل أشهر قليلة، والمخاوف من أن يؤدي القرار إلى حرب أهلية". فقد "سمعتُ من كلا الطرفين بأن الجدل المستمر بشأن هذه الاتهامات قد حيّد القضية"، بمعنى انها "استُهلكت لدرجة أنها لن تحدِث صدمة، ناهيك عن أن أيا من المعسكرَين لا مصلحة لديه لرؤية تصعيد عنيف في الشارع". وشدد على أنه "حتى المتحزبون في 14 آذار يقرّون بأن المحكمة الدولية تعاني من مشكلة في مصداقيتها".
تونس لا تهم اللبنانيين كثيراً، لكن سقوط مبارك وعمر سليمان يعني "استبعاد هذين الرجلين من المشهد اللبناني"، كما شرح لينش. وعلى المنوال ذاته، "سمعتُ عن ليبيا أقل مما سمعتُ عن البحرين، التي يُنظر إليها من منظار مذهبي، ومن الظلال التي تلقيها ثورة هناك على السعودية والأردن".
وتابع الكاتب في "فورين بوليسي" بأن هناك "قلقا ما بشأن ما ستقوم به إسرائيل، ولكن لا تبدو المسألة ملحّة"، كما لم "أسمع كثيراً ما يدعم النظرية القائلة بأن الأحداث الإقليمية تزيد من نفوذ إيران، حتى ممن توقعت أن أسمع منهم هذه النظرية… ولا النظرية القائلة بأن ما يجري جيّد بالنسبة للولايات المتحدة"، التي "ركّز الكثيرون على أنه يتعين عليها أن تدفع، بشدة وبصورة مكثّفة، إسرائيل نحو محادثات سلام أكثر جديةً مع الفلسطينيين، إذا كانت تأمل برؤية قوى معتدلة وموالية لأميركا تنجح في العالم العربي".
ويؤثر لينش أن يوضح أن "كل ذلك لا يعني أن المشهد السياسي هادئ"، فـ"النخب السياسية تذهب وتلقي بكل ثقلها وتكتيكاتها". فقد قرر "معسكر 14 آذار عدم الانضمام إلى حكومة نجيب ميقاتي، والتحول إلى معارضة". ويخططون "لحملة تتمحور حول سلاح "حزب الله".
هذه الحملة بالذات هي ما دعا الكاتب المنتمي إلى "المحافظين الجدد" جون هانا، إدارة باراك أوباما إلى دعمها، وحثّه على "انتهاز فرصة" عودة "ثورة الأرز"، باعتبار أن "القيادة الأميركية هي العصب لإحياء الائتلاف الدولي الذي دعم قوى 14 آذار ومنح ثورة الأرز الدعم الدبلوماسي والمالي والمعنوي الذي ضمن نجاحاتها الأولية"، قبل أن يبدأ "هذا الائتلاف تدهوره في ولاية بوش الثانية، بسبب الإهمال وسوء الإدارة".
ورأى هانا، الذي عمل مستشارا لشؤون الأمن القومي لنائب الرئيس السابق ديك تشيني، في مقال آخر نشرته "فورين بوليسي" أن "الآن هو الوقت لإعادة بناء هذا الائتلاف، وأساساته فرنسا والسعودية ومصر. كما بإمكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يلعب دوراً مهماً، وخاصة أن البنود الأساسية في برنامج قوى 14 آذار، أي نزع سلاح "حزب الله" ومحكمة الحريري، تحظى بتفويض من الأمم المتحدة". وأيا من هذا "لن يحصل ما لم يكن بقيادة البيت الأبيض، وبتدخل رئاسي مستمر".
واعتبر هانا، الذي يعمل باحثاً في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" المقرّب من إسرائيل، أن "إعادة انبثاق حليف لبناني قوي ومصمِّم على هزيمة المحور الذي تقوده إيران، تشكل فرصة مهمة للمصالح الأميركية، يجب عدم تفويتها"، وخاصة أن مثل هذه "الحركة الشعبية تستهدف، طبيعياً، إيران وسوريا وحزب الله، أي محور المقاومة المعادية لأميركا".

السابق
حكاية اكتشاف مغارة النفاخية..
التالي
مستقلون وحزبيون وحّدهم الخوف من “السلاح “