خديجة الرياضي: المغرب نجح في تسويق صورة مغلوطة عنه

هي المرأة الأولى من العالم العربي تحصل على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. خديجة الرياضي تناضل منذ أكثر من ثلاثين سنة في سبيل قضايا حقوقية عدة، أبرزها المساواة بين الجنسين وحرية التعبير والعدالة. لا تنفك تطالب بضمان ممارسة الحرية الجنسية بين رجل وامرأة راشدين بالتراضي بينهما، معتبرةً أن هذا “يدخل في إطار حق تملك الجسد الذي هو شأن فردي”، مما يثير استهجان التيارات الإسلامية المتشددة. إنها منسقة لشبكة تضم 22 منظمة غير حكومية في المغرب، وقد شغلت في السابق منصب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. خديجة الرياضي هي للبعض أيقونة النضال الحقوقي في المغرب، لكنها “النعجة السوداء” بالنسبة للمؤسسة الملكية المغربية!

من يطالع لوائح أقوى النساء العربيات في السنوات الأخيرة يلاحظ أن تمثيل المغرب خجول جداً، إن لم نقل معدوماً. أين هنّ نساء المغرب؟

– لا تستهويني كثيراً المقارنات من هذا النوع، وخصوصاً أنني حقوقية أؤمن بالإنسان أينما كان، والمرأة إنسان لا تهمّني جنسيتها ولا عقيدتها ولا عرقها، وأينما تقدمت وحققت إنجازات، فهذا ربح لكل النساء لا بل للإنسانية عامةً. لكن كي لا يعتبر جوابي هذا تهرباً من السؤال، أؤكد أن في المغرب نساء لهنّ حضور كبير في مجالات متعددة داخل بلدهن وخارجه. وإذا لم يتكلم عنهن الإعلام العربي فالخلل ليس فيهن بل في مكان آخر، ربما في منهجية عمل هذا الإعلام. لا بد من أن أعترف، في المقابل، بأن أوضاع النساء في المغرب لم تسمح بالبروز إلا لنخبة قليلة منهن، تمكنت من الإفلات من مخالب الفقر والتمييز والتهميش والأمية والعنف التي ترزح تحتها أغلب النساء. ربما لهذا ترتفع نسبة المغربيات اللواتي يفرضن وجودهن في أوروبا وأميركا وكندا وغيرها من المجتمعات حيث المساواة في الفرص متوافرة أكثر، حتى أننا نجد من بينهن وزيرات وبرلمانيات وباحثات.
كُتب أنك أول إمرأة عربية تدخل لائحة الأمم المتحدة الذهبية للمدافعين عن حقوق الإنسان، لكنك تصرين على أنك أمازيغية لا عربية. هل يزعجك أن يُنسب هذا الإنجاز إلى العرب؟

– ما يزعجني هو أن يعطى هذا التأويل لتصريح أعرّف فيه فقط بهويتي الأمازيغية! ردّ الفعل هذا ينمّ عن الانزعاج من الأمازيغ حين يتشبثون بهويتهم كأحد مكونات الهوية المغربية المتنوعة. أنا فعلاً مغربية أمازيغية ولست عربية، وتعبيري عن ذلك ليس فيه أي إنتقاص من العرب. كلنا مغاربة أولا، ثم لكلٍّ منا هويته ومن حقه الافتخار بها. ثم إن هويتي الأمازيغية لم تمنعني يوما من أن أعتبر هذه الجائزة تتويجاً لكل المدافعين عن حقوق الإنسان في المغرب نساءً ورجالاً، عرباً وأمازيغ، مسلمين ويهوداً ومسيحيين ولادينيين وغيرهم.

لم تتلقي أي تهنئة من المؤسسة الملكية المغربية جرّاء الوسام الأممي هذا. لمَ هذا الفتور بينكما؟

– الكلام عن “فتور” يعني أنه كان هناك علاقة طيبة ثم فترت، وهذا غير صحيح. لم أنتظر يوما تهنئة من المؤسسة الملكية ولم يشغل هذا الموضوع تفكيري، بل الإعلام هو الذي أثاره. الملكية في المغرب ليست كما هي في الدول الأوروبية. في المغرب الملك هو الرئيس الفعلي للدولة وله سلطات عديدة ومطلقة. تالياً تتحمل المؤسسة الملكية مسؤولية الأوضاع المتدهورة لحقوق الإنسان في البلد، بما فيها التضييق المتواصل على الحركة الحقوقية ونشطائها. سيكون من التناقض إذاً أن تُهنئ السلطة ناشطة حقوقية تم تتويجها بفضل نضالها في إطار لا يكفّ عن انتقاد هذه الأوضاع، وعن مطالبة الدولة بتغيير سياساتها المنتهكة للحقوق والحريات وبإجلاء الحقيقة عن المختطفين وإطلاق المعتقلين السياسيين ووضع حد للاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي، مما يحول دون تمتع المغاربة بالكرامة والحرية والديموقراطية. المطلوب ليس التهنئة بل النظر في مطالب الحركة الحقوقية المغربية والاستجابة لها.
أعربت عن أملك في أن تولي الأمم المتحدة الاهتمام بحقوق الإنسان في المغرب، وقلتِ إن الصورة التي يتم تسويقها عن بلادك في الخارج لا تعكس حقيقته. عن أي صورة تتكلمين وما هي الحقيقة؟

– تعتبر الدولة المغربية من الدول التي نجحت في تسويق صورة مغلوطة عن واقع حقوق الإنسان والديموقراطية فيها، حتى أنها جعلت من هذه المسألة محوراً أساسياً لسياستها الخارجية، مستخدمة كل الوسائل لتحقيق هذا الغرض، منها إطلاق عدد من المبادرات ذات الوقع الإعلامي الكبير لكن التأثير الضئيل. إلا أن الصورة المغلوطة هذه بدأت تنفضح بفضل عدد من المبادرات كتلك التي تُعرَف بتجربة العدالة الانتقالية في المغرب. فقد شُكلت لهذا الهدف “هيئة الإنصاف والمصالحة” سنة 2004، التي انكبّت على ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في عهد الملك السابق. أعلنت الهيئة تقريرها الختامي وتوصياتها في عام 2006، وقد تم الترويج لهذه التوصيات ــ الإيجابية لكن النظرية ــ لدى حكومات الدول الأجنبية. لكن حتى اليوم لم ينفذ إلا جزء قليل منها على رغم إعلان الملك مصادقته عليها. بدأت تنكشف هذه الصورة الخاطئة، ومن بين الأدلة على ذلك قرار منظمة العفو الدولية القاضي بوضع المغرب من ضمن الدول الخمس التي استهدفتها بحملتها العالمية ضد التعذيب، بينما تدّعي الدولة المغربية أن التعذيب غير موجود على أراضيها إلا في حالات قليلة ومعزولة!
لماذا قلتِ إن المغرب يستفيد من الصورة المغلوطة التي يروّجها عن وضع الديموقراطية فيه ليكسب دعم الدول الأوروبية، التي تساهم في ترويج تلك الصورة؟

– عندما أتكلم عن الدول الأوروبية أعني بكلامي الحكام والحكومات، لأن في أوروبا مجتمعاً مدنياً نتشارك معه النضال. أما الحكومات الأوروبية والأميركية وكل اللوبيات التي تستفيد من غياب الديموقراطية في بلداننا، فهي تعرف تماماً أن الصورة التي تعطيها دولنا عن واقع حقوق الإنسان فيها مغلوطة، لكنها تغض النظر بل وتساهم في ترويجها. فالعديد من تلك الدول ملتزمة اتفاقات مشتركة، تقضي باشتراط تعاملها التجاري والاقتصادي مع دول الجنوب بمدى احترام هذه الأخيرة لحقوق الإنسان. ثم إن هناك مصالح تريد النخبة السياسية المحافظة عليها، كإمرار مشاريع ضخمة على حساب المالية العامة لدولنا والحصول على صفقات تجارية والافادة من قرارات سياسية لن تكون مضمونة لو تمتعت شعوبنا بحقها في تقرير مصيرها. هذا بالإضافة إلى استفادة بعض السياسيين من علاقاتهم بحكامنا. هكذا نفهم كيف بادرت وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة إلى اقتراح خدماتها القمعية على الرئيس التونسي المخلوع لمساعدته في مواجهة الانتفاضة الشعبية، كما نفهم مقصد السفير الفرنسي السابق في المغرب حين استدعى عددا من الشباب المتزعمين حركة 20 فبراير، لينبههم إلى “وجود متطرفين في الحركة”.

تناضلين منذ سنوات في سبيل الحرية الجنسية وحرية تملك الجسد، وتطالبين بإلغاء العقاب الذي يفرضه القانون المغربي على إقامة علاقة جنسية بين رجل وإمرأة خارج إطار الزوجية، في حين يطالب آخرون بتفعيل هذا القانون. إلى أين وصلت زوبعة النقاشات؟

– الجمعية التي أنتمي إليها والتي رئستها لمدة ست سنوات، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تعتبر الأكثر حضورا وجرأة في هذا المجال إلى جانب منظمة العفو الدولية فرع المغرب، التي نظمت حملة من أجل حقوق المرأة تحت شعار “جسدي… حقوقي”. هذا يعود لكون هاتين الهيئتين تعتبران أن المرجعية الكونية لحقوق الإنسان هي مرجعيتهما الوحيدة التي تعتمدان عليها في تقييمهما لأوضاع حقوق الإنسان. لذا لا نقبل توظيف الخصوصيات للحد من الحقوق أو تبرير انتهاكها أو تناسي بعضها تفاديا لرد فعل المجتمع، أو لتناقضها مع فهم البعض للدين، أو اتقاءً لتهجم المتطرفين المنتمين إلى تيارات متشددة. لا بد من زوبعة النقاش لفضح الأهداف السياسية التي تختبئ وراء الحملات المعادية لتلك الحريات تحت غطاء ديني، ولمواجهة المغالطات التي تواجه بها مطالبنا والتي تتنكر للواقع الحقيقي المتسم بانتشار العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين في مجتمعنا، والتي لا علاقة لها بالمس بالحياء العام أو نشر الفساد والرذيلة كما يتهمنا منتقدونا. إن قمع الحريات الخاصة وتدخل الدولة في الحياة الحميمة للأفراد، وربط ذلك بالمحافظة على النظام العام، غير مقبول، ومنافٍ لدور الدولة في حماية الحقوق والحريات الذي التزمته أمام المجتمع الدولي.

تشير إحصاءات رسمية نشرت عام 2010 إلى أن نحو ثلثي النساء المغربيات هن ضحايا العنف المنزلي؟ هل هذا الرقم المرتفع مبالغ فيه؟

– العنف في المغرب أصبح مقلقاً للغاية ويعكس خللا حقيقيا في منظومة القيم داخل المجتمع، التي عرفت تردياً واضحاً، مقارنةً بالقيم التي كانت سائدة وسط المغاربة قبل عقدين من الزمن. هذا ناتج من سياسات الدولة في مجال التربية والتعليم والإعلام والتأطير الثقافي والديني، كما يتعلق بجودة التشريع وفاعلية العدالة. لا بد من الإشارة إلى أن المغرب أصدر قانوناً يحمي النساء من العنف في نهاية التسعينات، لكن هذا الالتزام لم يعرف طريقه إلى التنفيذ. فالقضاء يتعامل بتساهل كبير مع جرائم العنف ضد النساء، كما لا تأخذ الأجهزة الأمنية بجدية شكاوى النساء ضد أزواجهن حتى حين يهددون حياتهن. المؤسف أنه بعد تولي الإسلاميين رئاسة الحكومة، تم التراجع عن عدد من البرامج المنجزة أو التي هي في طور الإنجاز من طرف الحكومة السابقة للحد من العنف ضد المرأة، حتى أنه صدرت عن رئيس الحكومة تصريحات مهينة في حق الأنثى، مما يعطي إشارات واضحة عن غياب إرادة سياسية حقيقية للنهوض بوضع المرأة واحترام ما صادق عليه المغرب من إتفاقات دولية في هذا الصدد.

ما هي، في المقابل، أهم الإنجازات التي تحققت في مجال حقوق المرأة المغربية؟

– على رغم الواقع المتردي حققت النساء الكثير من المكاسب، إذ ألغي واجب طاعة الزوجة لزوجها في القانون، وتساوت واجبات الزوج والزوجة العائلية في مدونة الأسرة لسنة 2004، التي نصت أيضاً على أنواع من الطلاق تمكّن المرأة مثل الرجل من طلب الإنفصال أمام المحكمة. كذلك أصبح للمرأة حق تزويج نفسها بينما كان ذلك يستوجب حضور أبيها أو وليّ ذكر ليزوجها. من الإنجازات أيضاً تغيير قانون الجنسية الذي مكّن المرأة المغربية من إعطاء جنسيتها لأبنائها من أب أجنبي، وقد ألغيت مذكرات إدارية كانت تشترط موافقة الزوج لحصول الزوجة على جواز سفر أو مغادرتها الوطن، وحتى لممارستها التجارة أو توقيعها عقد عمل. تغيرت أيضاً أنظمة كانت تمنع على النساء ولوج بعض الوظائف التي كانت حكرا على الرجال.

ماذا عن حرية المعتقد في المغرب؟ هل صحيح أن القيود تنطبق فقط على التبشير المسيحي فيه؟

– ينص الدستور المغربي على أن “الإسلام دين الدولة وأن الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”، لكن في الواقع لا يعترف إلا بديانتين للمغاربة: الإسلام واليهودية. حتى الإسلام لا يعترف إلا بالمذهب السني. يُعتبر المغاربة غير اليهود مسلمين بالوراثة ولا يُعترف لهم بالحق في اعتناق ديانة أخرى، كما لا يُعترف لهم بالحق في التخلي عن الدين الإسلامي حتى ولو لم يعتنقوا ديانة أخرى. هكذا يُحاصَر من يعتنق ديانة أو مذهباً آخر داخل الإسلام كما يُحاصر اللادينيون، وتوظف كل الوسائل التربوية والتعليمية والإعلامية في هذا الإتجاه. يعاقب القانون الجنائي بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات كل من “يستعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو لتحويله إلى ديانة أخرى”. نجد أجانب ومغاربة يُتهمون بهذه الخروق، كمدرّسين يسمحون بنقاشات حول الحرية الدينية. من ضمن الضحايا أيضاً شباب هواة لموسيقى من نوع خاص، تمت ملاحقتهم قضائيا في ملف عُرف بـ”عبدة الشيطان”. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبعض الهيئات الأخرى تحتج على مختلف أشكال انتهاك حرية العقيدة وتطالب الدولة باحترامها.

أخيراً، هل صحيح أنك دخلت في غيبوبة، في شباط 2011، إثر تعرضك للاعتداء من عناصر الشرطة خلال مشاركتك في تظاهرة سلمية في الرباط؟

– فعلاً حدث ذلك بعد انتهائي من تصريح أعطيته لصحافية أجنبية حول ما كان يجري في البلاد. تلقيت بشكل مباغت ضربة قوية على بطني لم يسبق أن تلقيت بشدتها من قبل مما جعلني، بعد ثوانٍ من الصراخ بسبب الألم، أسقط أرضا وأنقل بسيارة الإسعاف إلى المستشفى. في المغرب اليوم ضغط كبير على كل من يحاول أن يفضح حالات المعاملة القاسية للسلطة، حيث يحاكَم المشتكون بتهمة “الوشاية الكاذبة”، وتستغل الدولة في ذلك تبعية القضاء للسطة لإصدار الأحكام التي تريد!

السابق
شوماخر غادر المستشفى
التالي
المدرسة الرسمية: معوقات مالية وإدارية قد تؤخر الانطلاقة