المدرسة الرسمية: معوقات مالية وإدارية قد تؤخر الانطلاقة

تبحث أم خليل عن أسباب منع تسجيل أولادها الأربعة في المدرسة الرسمية، في أروقة وزارة التربية، بعدما كانوا قد بدأوا تعليمهم منذ الصفوف الأولى حتى مرحلة التعليم الثانوي في المدرسة الرسمية. وتسأل كل من تلتقي به عن دوافع رفض تسجيل الأولاد من آب سوري وأم لبنانية، ولم تجد أم خليل الجواب إلا عند مدير التعليم الثانوي محيي الدين كشلي الذي استمع إلى وضع أولادها، بعدما اطلع على كل المستندات الرسمية لجهة الإقامة والإفادات المدرسية التي تثبت عدم انقطاعهم عن المدرسة الرسمية. وطمأن كشلي الوالدة على مصير طلابها، مؤكداً أن وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، أعلن أنه بعد منتصف أيلول، سيتم السماح للتلامذة القدامى بالتسجيل في المدارس الرسمية، ووعدها خيراً فور صدور القرار، فغادرت المرأة مرتاحة، بعدما عانت ما عانته في عدد من المدارس.

وتوضح مصادر تربوية أن لا مشكلة على صعيد قبول الطلاب السوريين النازحين أو المقيمين، وغيرهم من الطلاب غير اللبنانيين، مشيرة إلى أن عدد الطلاب في المرحلة الثانوية أكثر بقليل من سبعين ألفاً موزعين على 260 ثانوية، ومن بين الطلاب نحو ألفي طالب سوري، من ضمنهم نحو أقل من مئة طالب سوري نازح لا تطبق عليهم الشروط المطلوبة لجهة تأمين الأوراق الرسمية والقانونية.
وترى المصادر أنه بعد منتصف الشهر الجاري سيتم قبول الطلاب غير اللبنانيين، وتحديداً الطلاب القدامى، على أن يتم النظر في بقية التلامذة في مرحلة التعليم الأساسية تبعاً لتوافر المقاعد، وقدرة الدولة على تأمين الأموال اللازمة، في فترة قبل الظهر، على أن يصار إلى فتح دوام بعد الظهر، كما جرى العمل به في العام الماضي، شريطة أن تتكفل الجهات المانحة دفع ما يتوجب عليها.
حاجات المدارس
تنفي مصادر تربوية ونقابية قدرة المدارس الرسمية على الانطلاق الكامل من دون تأمين المستلزمات الأساسية، التي تحتاج إليها المدارس في الموعد المحدد في الثاني والعشرين من الجاري.
وتؤكد أن بداية العام الدراسي للعام الحالي يمكن أن تتأخر إذا لم يتم إيجاد الحلول للمعوقات المالية والإدارية المتراكمة، ومنها: دفع ما تبقى من مستحقات صناديق المدارس والبالغة قيمتها 19 في المئة عن العام الدراسي السابق، دفع 50 في المئة من مستحقات صناديق المدارس لهذا العام قياساً بمستحقات العام الماضي، دفع بدلات الأساتذة المتعاقدين عن الفصل الثالث للعام الماضي ووفق القرار الجديد الذي رفع أجر ساعة التعاقد، دفع ثمن الكتب المدرسية لصناديق المدارس عن العام الماضي، والإسراع بإصدار القرار الذي ينظم عملية تسجيل الطلاب السوريين والطلاب الأجانب في المدرسة الرسمية.
وتشدد المصادر على أن تنفيذ هذه المستحقات سيعود بالفائدة على المدرسة الرسمية وعلى انطلاقتها السليمة، بعيدا من المشاكل التي وقعت فيها في العام الماضي، بعدما تم تأمين الكتب وكان العام الدراسي قد بدأ.
وتكشف المصادر أن المشكلة التي تواجهها الثانويات الرسمية تتمثل في تقاعد نحو 230 أستاذاً هذا العام، يضاف إليهم نقص نحو أربعة آلاف ساعة من مجمل ساعات التعليم بفعل التناقص المعمول به (بعد 16 سنة تدريس يخفض النصاب للأستاذ ساعة واحدة). وكذلك الأمر بالنسبة إلى التعليم الأساسي، بحيث يخرج على التقاعد نحو 80 معلماً، ما يعني الحاجة إلى ساعات تعاقد، أو الإسراع في ضخ دم جديد على التعليم الرسمي عبر مجلس الخدمة المدنية.
مساعدات للنازخين
كان موضوع تأمين المساعدات للتلامذة النازحين مدار بحث أمس، بين وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب مع بعثة البنك الدولي ووزارة التنمية البريطانية بحضور ممثلين عن الدول المانحة وممثلي منظمات الأمم المتحدة، في إطار الاجتماعات الدورية للجنة التنفيذية لمشروع (RACE) «إيصال الحق بالتعليم إلى الجميع».
ويؤكد وزير التربية أهمية الالتزام العلني من جانب المجتمع الدولي بالدعم المادي الهادف إلى تأمين حق الأولاد بالوصول إلى التعليم، بعدما تبين أن خطة وزارة التربية لجهة استقبال نحو مئة ألف سوري بعمر التعليم في المدارس الرسمية لا يمكن تحقيقها في غياب هذا الدعم المادي. ويشير بو صعب إلى أنه حتى تاريخه «لم نلمس اكتمال المساعي الهادفة إلى تأمين هذه التغطية المالية»، ويرى «أننا سنواجه مشكلة مع تزايد أعداد النازحين في الفترة المقبلة، خصوصاً أن موازنة وزارة التربية ما زالت تتحمل أعباءها حتى اليوم».
ويجتمع بو صعب ظهر اليوم مع وزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية ديسموند سواين وممثلي الدول المانحة، على أن يعقبه مؤتمر صحافي مشترك للوزيرين للتحدث عن جوهر المباحثات حول التنسيق مع منظمات الأمم المتحدة لتأمين التعليم للجميع.
ويبدي رئيس «رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي» حنا غريب ارتياحه بالنسبة إلى الإقبال على التسجيل في الثانويات الرسمية، متوقعاً أن يرتفع العدد هذا العام، خصوصاً بعد إعطاء وثائق النجاح لأكثر من ستين ألف تلميذ في الشهادة المتوسطة.
ويسجل رئيس «رابطة التعليم الأساسي» محمود أيوب تراخياً من قبل الأهالي في تسجيل أولادهم في المدارس الرسمية، خصوصاً بعد قرار وزير التربية منع تسجيل غير اللبنانيين. وقال: «يبدي اللبناني ارتياحه من أن المقعد الدراسي لأولاده في المدرسة الرسمية مؤمن، ولا أحد يزاحمه عليه، ولعل صدور موقف عن الوزير يسمح لغير اللبنانيين بالتسجيل أن يسرع في عملية تسجيل اللبنانيين لتكون بداية العام الدراسي ميسرة في الثاني والعشرين من الجاري».
ويلفت إلى أن الرابطة كانت تتجه للقاء وزير التربية لوضعه في صورة المدرسة الرسمية وحاجاتها لجهة تأمين الأموال الضرورية لصناديق المدارس وللمتعاقدين، إلا أن الاجتماع تأجل في انتظار خلوة «هيئة التنسيق النقابية» نهاية الأسبوع الجاري واتخاذ موقف موحد.
ويُذكّر مسؤول الدراسات في الرابطة عدنان برجي بأن «الرابطة نبهت في السابق إلى أن قبول التلامذة السوريين في المدرسة الرسمية سيؤدي إلى نفور بعض التلامذة اللبنانيين، وإلى تراجع في المستوى التعليمي، خصوصاً أن النازحين لا يتقنون اللغة الأجنبية، ما يؤثر على زملائهم اللبنانيين، وسبب آخر هو ما حصل في العام الماضي من تعطيل قسري بفعل الإضرابات، وعلى الرغم من تعويض أيام الغياب، إلا أن الصورة الراسخة في ذهن الأهل أن المدرسة الرسمية فيها إضرابات». ويتابع: «هناك أسباب منطقية أن عددا لا بأس به من الأهالي لم يعد من العطلة الصيفية، خصوصا أن العام الدراسي كان يبدأ فعليا في مطلع تشرين الأول، والأهل لم يعتادوا على فكرة بداية الدراسة في 22 أيلول».
وشدد على أن المطلوب من وزير التربية تشجيع الأهل على التسجيل في المدرسة الرسمية، بعد تأمين حاجاتها، والمستلزمات المادية والتربوية للعام الدراسي، وتثبيت المتعاقدين، عبر مجلس الخدمة المدنية، بعدما أصيب هذا الجسم بالكبر، بغية إعادة بناء الثقة بالمدرسة الرسمية. ويوضح برجي أنه ليس بإمكان الرابطة القيام بحملة دعائية، لتشجيع الأهالي للتسجيل في المدرسة الرسمية، كونها رابطة نقابية، «من هنا يتركز العمل على خطة نقابية لإبعاد الإضرابات عن المدرسة الرسمية، والحفاظ على العام الدراسي».
وتدعو المصادر النقابية إلى الانتظار للنصــف الثاني من الشـهر الحالي، للبناء على نسب التســجيل في مرحلة التعليم الأساسي.

السابق
خديجة الرياضي: المغرب نجح في تسويق صورة مغلوطة عنه
التالي
عن العنصرية اللبنانية والفشل السوري