إيران تقول، أميركا تقول، تركيا تقول، ماذا تقول فلسطين؟

غزة

المسائل لا تُختصر بـ”تركيع إسرائيل”، ولا تقديم المساعدة لإعادة إعمار غزة، ولا التباكي على الجرحى من قبل مسؤولين أتراك. كل هذه أمورٌ عابرة، عابرة جداً أمام حكاية ضربت بجذورها التاريخ، وهي تبحث عن “الحقّ”، عن إنهاء الاحتلال وإعادة الاعتبار لإنسانينا جمعاء. هي ليست حكاية مصالح دول. هي حكاية فيها تراث وحضارة وناس ومدن و… هي حكاية وطن.

أكتب كمشاهدة، تشعر معظم الأحيان، أنّها متعدّية على البيت الفلسطيني، لكثرة ما دخل هذا البيت غرباء وتصرّفوا كأنّهم أصحاب الشأن. القضية الفلطسينية قضية عربية، وقضية أمميّة، نعم. هي أكثر من أرضٍ مسلوبة، إنّها انتهاك مستمر ومجزرة حيّة مستمرة وإن توقّف الدمّ أحياناً.

لكن، ماذا نستطيع تجاهها، نحن الّذين لا نعيش تحت وطأة الاحتلال، ولا نحن من بين اللاجئين ولا المهجّرين. نستطيع أن نشعر ونتعاطف، ونصطفّ، ونعترض، من دون أن ننسى أنّنا لسنا نحن أصحتب البيت. لا يستطيع من يريد أن يساند القضية الفلسطينية، إلّا أن يشعر بشيء من الخجل، خجل الضيف وحياءه.

لكن ماذا يحدث إن كان الضيف نافذاً وصاحب قوّة، هل تخوّله قوّته أن يصبح سيّد البيت بمن فيه؟ إيران تقول إن فصائل المقاومة جعلت إسرائيل تركع، وتركيا تندّد بالحرب على غزة، محتفظة بمكتب السفير الاسرائيلي على أرضها، وقطر تعد بإعادة إعمار الدمار، وأميركا تتحدّث عن المفاوضات القادمة. مصر تقول، السعودية تتكلّم من خلال الصمت أو التكليف، دول عربية تندّد، كانت سوريا الأسد أيضاً تقول من قبل، وحزب الله يقول، والكل يقول.

ووسط هذا الضجيج، نقف أمام عتبة هذا البيت، وزحمة الداخلين والخارجين منه، بحثاً عن صوت فلسطيني يروي لنا عن الحرب وعمّا تريد فلسطين، ما يريد أهل البيت. يكاد الصوت يكون خافتاً، حتّى أن ارتداداته مؤسفة.

فلسطين لم تعد فقط فلسطين، صارت الضفة وغزة و…، وحتّى في هذه الحرب، وبعدما انتهت، أنظر كمشاهدة وأرى خطورة الانقسام الفلسطيني وأشعر بالأسى. ردود الفعل على هذه الحرب، بين أبناء الوطن الواحد، خلقت بينهم شعوراً بالنصر، الشريحة الفلسطينية على شريحة أخرى، فمن يتحمّل وزر هذا الأمر؟

 

أخطر ما في الصورة، أنّ شعور الغالب والمغلوب، يتعدّى معادلة الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني، ليصبح شعوراً بين الفلسطينيين أنفسهم والمحاور الإقليمية و”الدول المؤثرة”. أسأل أيضاً كمشاهدة، صديقاً فلسطينياً فيهلّل بالنصر، وأسأل آخر، فيقول أيّ نصر؟

ثم أسأل أحد الّذين عاشوا وطأة الحرب، فيحدثني عن الموت والدمار، والحزن، والخوف، والرعب، وعن الناس الّتي بقيت في منازلها على مدى خمسين يوماً، وعن الخسائر… يحدّثني فأسمع صوتاً فلسطينياً غير متكلّف، تحمّل وطأة المعركة، ولا يختصر المسألة بنصر أو بغير نصر.

لكن كل هذا الكلام لا يفعل شيئاً غير أن يزيدني التباساً. المسائل لا تُختصر بـ”تركيع إسرائيل”، ولا تقديم المساعدة لإعادة إعمار غزة، ولا التباكي على الجرحى من قبل مسؤولين أتراك. كل هذه أمورٌ عابرة، عابرة جداً أمام حكاية ضربت بجذورها التاريخ، وهي تبحث عن “الحقّ”، عن إنهاء الاحتلال وإعادة الاعتبار لإنسانينا جمعاء. هي ليست حكاية مصالح دول. هي حكاية فيها تراث وحضارة وناس ومدن و… هي حكاية وطن.

السابق
ضمانات عدم العودة لعهد المالكي تحكم تأليف حكومة العبادي
التالي
الوطن المصرية: البغدادي يحظر نشر مشاهد قطع الرؤوس!