إلى فرنسوا هولاند سيدي الرئيس: لقد ربحتَ العار

الرئيس الفرنسي

سيدي الرئيس.

لم أتخيّل يوماً أنه يمكنك البقاء، ولو ليوم واحد، في تاريخ الاشتراكية الفرنسية، كنموذج جديد من رئيس الوزراء الفرنسي السابق غي موليه. وقد كنت أعتقد أنكم متنبّهون لخطر إصابة الاشتراكية بالعمى القومي والاصطفاف السياسي الدولي، حيث تدّعي الحضارات، التي تعتقد بتقدّمها، فتستخدم ذلك لتبرير الظلم الذي ترتكبه.
موليه، وغالبية اليسار الداعم له، زعموا أن على الجزائر أن تبقى تابعة لفرنسا بأي ثمن من الأثمان إلى حين توريطها في حرب قذرة لتبرير استخدام العنف، وانتهاك الحريات وكم أفواه المعارضين. وبهذه الذهنية الاستعمارية ذاتها، جرّوا بلادنا إلى مغامرة كارثية في السويس دعماً لإسرائيل في مواجهة السيادة المصرية.
سيدي الرئيس، لقد قلت بيقين: «ما زلنا نملك بعض الأعذار لتقديمها للشعب الجزائري. وعلينا ضمان أن ما حدث لن يتكرّر»، كما كتبت: «لسنا أكيدين أبداً من أننا كنا على حق، واتخذنا الاتجاه أو الوجهة الصحيحة. ولكن علينا في الأوقات المفصلية أن نطرح الأسئلة البسيطة التالية: هل نعمل وفقاً لقيمنا؟ وهل نحن واثقون من عدم تشويه مبادئنا؟ هل نبقى أوفياء لمن نحن؟ علينا أن نطرح دائماً هذه الأسئلة، كي لا نخاطر في نسيان العبر التي تعلّمناها».
وأنا أود أن أطرح عليكم الأسئلة ذاتها، لأنكم، للأسف، في طور نسيان هذه العِبرة، كما أنكم تصابون بالعمى بالنسبة للعالم والآخرين. أسألكم، نظراً للأخطاء الصاعقة، التي راكمتموها في وجه المسلسل العدواني الناتج من التعنّت الإسرائيلي، بعدم الاعتراف بالوجود الفلسطيني. ويمكنني تعداد 7 أخطاء على الأقل أدخلت فرنسا في دوامة حروب المحاور والحضارات والهويات، وهي حرب بطريق مسدودة، وإلا فإن محصّلتها هي حتماً الموت والكراهية والخراب والظلم والوحشية؛ هذا الطريق المظلم الذي سيؤدي إلى دمار الإنسانية.
لقد اقترفتم خطأ سياسياً صادماً، بعدما حدتم عن الموقف التقليدي المتوازن لفرنسا إزاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما جعلتم وطننا ينحاز إلى صفّ المعتدين والرافضين لتنازلات اليمين الإسرائيلي الحاكم بعنصرية ظاهرة من دون أخلاق أو مبادئ إلا مِن وَسْم الفلسطينيين وكُره العرب.
إن موقفكم ، الذي يدين هجمات حركة «حماس»، هدفه تبرير الرد الإسرائيلي غير المناسب، الذي جعل المدنيين، مرة أخرى، يدفعون الثمن في غزة.
إن موقفكم يتجاهل الاستقلالية الديبلوماسية الفرنسية، التي أطلقتها وثبّتتها إدارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، مقابل إصابة أميركا الشمالية بالعمى. وقد حاولتم التخفيف من الانحياز لمصلحة «المحافظين الجدد» عبر الدعوات إلى التهدئة ومطالبة الإسرائيليين بضبط النفس وتخفيف معاناة الفلسطينيين. بذلك، تضيفون النفاق إلى التناقض في سياستكم، لأنها رحمة مزيّفة بين المتحاربين. ففلسطين وإسرائيل غير متساويتين، ليس فقط لناحية التوازن العسكري بل أيضاً لجهة الحقوق الدولية.
وفي انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، حافظت إسرائيل، منذ العام 1967، على حالة الاحتلال والهيمنة والاستعمار للأراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة، كما لم تعترف يوماً بحق فلسطين بدولة كاملة وسيّدة. وهذه الحال من اللاعدالة، هي التي تؤدي إلى الرفض والمقاومة والثورة.
الأعمى هو من ينكر أن هناك مضللين إزاء القضية الفلسطينية في فرنسا، أو معادين للسامية، تماماً كما أن هناك متطرفين داعمين لقضية إسرائيل، يمارسون العنصرية ضد العرب والمسلمين. ولكن اعتبار جميع التظاهرات المتضامنة مع فلسطين معاداة للسامية، هو انصياع للدعاية الإسرائيلية.
فمعاداة الصهيونية تعني رفض الحرب التي لن يكون لها نهاية، أي الاعتراف في الشرق الأوسط بدولة يهودية حصرياً، ليست فقط مغلقة على كل المكوّنات الأخرى بل مبنية على طرد الفلسطينيين من أرضهم.
إن الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، هدفه إنشاء محظور سياسي خدمة للقمع. لذا فاستغلال إبادة اليهود، التي تتحمّل مسؤوليتها أوروبا، يخدم التعصّب ضد الفلسطينيين، ومن هنا نصبح متواطئين مع اليهود. إلا أننا نستطيع أن نكون يهوداً ومعادين للصهيونية في الوقت عينه، من يهود الشتات بدلاً من أن نكون قوميين مصابين بالعمى. فهناك أقلية من المواطنين الإسرائيليين، تعارض الاستعمار وتتضامن مع الفلسطينيين.
إن التظاهر هو ضد الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي، وهو ما يمهّد لجريمة ضد الإنسانية. لذا يجب فرض العدالة لمصلحة الشعب الفلسطيني، حتى يتمكن من الحياة، والسكن، والعمل، والتنقل.. وكي يستطيع العيش بسلام وأمان، وإلا فهناك استعادة للمجزرة هنا أيضاً!
إن «اللامبالاة هي أسوأ موقف»، يقول ستيفان هيسيل في كتاب «إغضبوا!»، مشيراً إلى أن «السخط الأساسي يجب أن يكون من أجل فلسطين وغزة والضفة الغربية».
وبالإضافة إلى إدغار موران، وهو ضحية أخرى لتشهير المنظمات السرية على خلفية انتقاده الحقّ للتعمية الإسرائيلية، يظهر هيسيل كنموذج لليسار الذي يرفض التنازل عن المبادئ والقيم فلا يتردد في التفكير ضد نفسه وعائلته، والأهم من ذلك، فهو يرفض أن يحاصر في فخ الاستدعاء القضائي على خلفية أصل أو انتماء.
سيدي الرئيس، هذا اليسار حرٌّ، وكنتم قد دعوتموه إلى السير إلى جانبكم ودعمكم والحوار معكم بهدف الفوز في الانتخابات الرئاسية في العام 2012. أما الآن، وللأسف، فأنتم تديرون ظهركم لهذا اليسار، وتفرّون من طريق الأمل، التي رسمها هيسيل وموران، وبالتالي فأنتم تخدعون هؤلاء الذين وضعوا فيكم ثقتهم.
لقد ارتبكتم خطأ يمسّ مبدأ الديموقراطية وينتهك جوهر الحرية وهو حظر التظاهر. وها أنتم عبر رئيس حكومتكم، مانويل فالس، قد قرّرتم استهداف الشباب بوضوح في الأحياء الفقيرة، وبرّرتم حظر التظاهرات بتهم التضامن مع فلسطين، باعتبار التضامن معها معاداة للسامية.
وقد قمتم أيضاً بخطأ ضد الجمهورية، عبر إعطاء بعدٍ ديني للنقاش في فرنسا حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
إن الانطلاق من معتقد ديني لدى التعبير عن الاستياء والغضب في التضامن مع العالم العربي، حيث يسيطر الإسلام ثقافةً وإيماناً، مفارقة وتفاهة في فرنسا المتعدّدة الثقافات، حيث تعيش مجموعات مختلفة الانتماءات والموروثات. إذاً، فالتوتر هو مزيج من الخوف والجهل وينطوي على طائفية. بينما المسلمون في فرنسا، يعتبرون السياسة مثلنا أنا وأنت، يفكرون بأنفسهم ويبتكرون من وجودهم في العالم، بكل الظلم الذي فيه والحالات الطارئة، طريقاً إلى المواطنة أو ما يسمّى بالعلمنة.
وبالتالي، سيدي الرئيس، فبدلاً من النقاش، الذي ـ للأسف – أجّج المشاعر لأن اختصار المسلمين في فرنسا وصولاً إلى اختصار الإسلام ونسبه، من المنظور الأمني، إلى الإرهاب والأصولية هو هدية للتطرف الديني. هذه لعبة المرايا، حيث تختصر كراهية الأجانب لتبرر اختصار هويتهم؛ وهذه فرصة للمضللين بكل المقاييس.
ترجمة: كارمن جوخدار

السابق
بري: التمديد للمجلس مرتبط بإقرار ’السلسلة’
التالي
بروباغندا الرعب