هذه خارطة الطريق لمعالجة أزمة النازحين

لا يتردّد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في الإفصاح عن حجم المشكلة الحقيقية التي يواجهها لبنان في أزمة اللاجئين السوريين الذين فاق عددهم «قدرات الدولة» واستنزف مقدراتها بشكل كامل و«لم يعد بالإمكان تحمل هذا العبء بمفردنا»، معتبراً أن هذه الأزمة «أصبحت أزمة عربية وقومية وهي أزمة سياسية أكثر منها إنسانية»، لكنه في الوقت نفسه يكشف لـ «المستقبل» عن خارطة طريق وضعها بغية رفعها إلى رئاسة الحكومة عبر رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، تحمل بين بنودها بارقة أمل في معالجة هذا الأزمة على «المدى الطويل» خصوصاً وأن «التقديرات التي وضعها البنك الدولي عن حاجات لبنان تغطي الوضع حتى نهاية العام 2014 في حين أن المجتمع الدولي يحضّرنا لأزمة ستستمر لسنوات طويلة في سوريا».
وقال درباس إن «قضية النازحين السوريين خرجت عن الإطار الإنساني الذي قام لبنان بواجبه فيه بقدر ما يستطيع وأكثر، لتصبح قضية سياسية عربية وعالمية لن يستطيع لبنان أن يعالجها منفرداً»، مشدّداً على أن «مساعدات المجتمع الدولي تسير بسرعة السلحفاة في حين أن الويلات التي تتسبّب بها هذه الأزمة تسير بسرعة الصاروخ».
وانتقد عدم وجود خطة من قبل الحكومة لتحسين البنى التحتية في مناطق استضافة اللاجئين، مشيراً في الوقت عينه الى انه في بعض القرى والبلدات المضيفة «قدّمت وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مساعدات استفادت منها السلطات المحلية في هذه البلدات لتحسين البنى التحتية فيها وتوفير الإقامة اللائقة للنازحين».
وأكّد أنه «يجب أن تكون لدى لبنان سياسة واضحة بشأن مخاطبة الدول العربية للمساهمة في مختلف الأشكال أكان ذلك عبر الإيواء أو المساعدة في المجتمع اقتصادياً لكي يبقى صامداً»، موضحاً «المجتمع الدولي يريدنا أن نتكيّف مع هذه الأزمة لسنين طويلة فيما دراسة الأثر المعدّة من قبل الدولة والبنك الدولي تلحظ الأضرار والاحتياطات لنهاية العام 2014».
وشدّد على أنه «آن الأوان لكي تكون للبنان سياسة واضحة حيال هذه القضية ويجب أن نتفق الآن على هذه السياسة المتعدّدة الأبعاد. على الدولة أن تحضّ جميع الأفرقاء السياسيين على معالجة هذه القضية والخروج من الموقع الحزبي أو الطائفي أو المذهبي ونكوّن وجهة نظر لبنانية واحدة لأن الخطر الداهم لا يفرّق بين لبناني وآخر وهذا خطر علينا وعلى النازحين معاً».
وعن خارطة الطريق التي يعتزم تقديمها إلى رئاسة الحكومة لعرضها على مجلس الوزراء قال درباس إنه «لا بد من حشد كل الجهود الدولية والوطنية في إطار استراتيجية نشطة ومرنة وقابلة للتكيّف مع المستجدات والاستجابة لها»، مشدّداً في الوقت عينه على انه «منعاً للالتباس حول الجهود الوطنية، فالمقصود هنا هو توحيد موقف الحكومة فعلياً على المبادىئ وعلى الخطة التنفيذية، والتوصل إلى حد أدنى من التوافق الوطني والسياسي والحزبي من كل التيارات السياسية والحزبية والتفافها حول استراتيجة وطنية واحدة في مواجهة هذه الأزمة».

وفي استيضاح حول مسألة المساعدات التي أقرها المجتمع الدولي للبناني أكّد درباس أنه «يجب التفريق بين المساعدات التي تقدّم لإغاثة النازحين، وبين المساعدات المقررة للحكومة اللبنانية. فبعد مؤتمر الدول الصديقة للبنان الذي عقد في باريس والذي تقرّر خلاله إنشاء صندوق لمساعدة لبنان وفقاً لتقرير البنك الدولي الذي قدّر المبالغ الفورية الضرورية للبنان لمساعدته على مواجهة أزمة النازحين والتي قدّرت حتى نهاية العام الحالي بـ 2.8 ملياري دولار، لم يصل منها لغاية اليوم إلا أقل من 50 مليون دولار»، مشيراً إلى أن هذا الوضع يؤكّد «عدم وجود توازن بين المساعدات الضرورية للبنان وبين نسبة تدفّق النازحين إليه، بل يمكن القول إن التوازن معدوم».
وأكّد «من خلال التقرير الذي أعددته يجب أن نعتمد سياسة تنظيم دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان، وتنظيم تواجد هؤلاء داخل لبنان. وهنا يجب عدم النظر إلى هذا الموضوع من الناحية الانسانية بل يجب النظر إليه من كونه حالة سياسية، ولكي أكون أكثر دقّة فهذه حالة قومية».

أضاف «يجب البدء بمعالجة الفعل قبل التوسّع في معالجة الأثر، أي أنه يجب معالجة الأسباب التي أدّت إلى نزوح السوريين إلى الدول المجاورة. ما يجري في سوريا ليس كارثة طبيعية أو زلزالاً أو طوفاناً، بل هناك حرب طاحنة يشيح المجتمع الدولي النظر عنها، ويتركها لمصيرها، وكلما تمادت هذه الحرب، ازداد عدد النازحين إلى لبنان أكثر من الدول الأخرى المجاورة لسوريا لأن حدود هذه الدول مضبوطة. لذلك يجب البدء بتنظيم الحدود اللبنانية – السورية وضبطها، ثم الاتصال بالدول العربية لإبلاغها أنه ما لم يتم وقف المجزرة لن يكون بالإمكان وقف تداعياتها».
وأوضح أن هذا الكلام لقي صدى إيجابياً وقبولاً لدى مشاركته في الأردن في مؤتمر الدول المضيفة للاجئين السوريين الذي جاء بعد تلقيه دعوة من قبل المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريز وبحضور وزراء خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو والعراق هوشيار زيباري ونائب وزير الخارجية المصرية السفير حمد سند لوزا، وشارك في المؤتمر وزراء الخارجية والداخلية والتخطيط.
وأوضح أنه ابلغ هذا الكلام قبل سفره إلى الأردن إلى السفير المصري في لبنان «نظراً لما لمصر من دور كدولة عربية رئيسية وكبيرة»، كاشفاً في هذا الإطار أن رئيس الحكومة تمام سلام سيقوم بجولة عربية لإبلاغ المعنيين فيها بهذه الرسالة، وكل ذلك «يتم بتوجيه من الرئيس ميشال سليمان الذي زوّدني قبيل سفري إلى الأردن بتوجيهات واضحة وهي أن لبنان ينظر إلى قضية اللاجئين السوريين من ناحية حقوق الانسان لكن الانسان اللبناني له أيضاً حقوقه».

وعن المؤتمر قال «قبل انعقاد المؤتمر اجتمعنا إلى رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور ثم انتقلنا بناء على طلب الدولة المضيفة لعقد المؤتمر في مخيم الزعتري الذي أقامته المملكة الأردنية للاجئين السوريين وهم يعتبرونه ثالث أكبر مدينة في الأردن لأنه يتسع لـ 130 ألف لاجئ، وهم أنهوا بناء مخيّم ثان أطلق عليه اسم مخيم الأزرق وهو يتسع أيضاً لعدد مماثل». أضاف «كانت كل دولة تعرض ما لديها خصوصاً وأن الأردن يقول أن عدد اللاجئين السوريين تجاوز المليون و300 ألف لاجئ، في الوقت الذي كان ممثل الأردن ينوّه دائماً بأن لبنان يتحمّل أكثر مما يتحمّله بلده في قضية اللاجئين. أما وزير الخارجية التركية فقد أكّد أن أزمة اللاجئين السوريين هي طويلة ومستدامة علماً أن بلاده تتحمّل جزءاً كبيراً من تكاليف استضافة النازحين السوريين، حيث لا يتلقون إلا النذر القليل من المساعدات، لكن ذلك عائد إلى كون تركيا دولة ذات اقتصاد كبير وقد زعموا أنهم صرفوا لغاية اليوم أكثر من ثلاثة مليارات دولار لإغاثة النازحين من مال الخزينة التركية».
وأبدى درباس إعجابه بالطريقة التي اعتمدها الأردن من حيث وضع تدابير ومعايير لضبط النزوح السوري حيث «يتم أخذ بصمات العين للاجئ السوري حتى لا تتكرر مسألة الخروج والعودة إذ بنظرهم ان النازح السوري فرّ من بلاده لأسباب أمنية لكن إذا تكرّر خروجه من الأردن إلى سوريا والعودة إلى المخيم فهذا يعني أن لا أسباب أمنية تحول دون بقائه في بلاده».
وأوضح أن الأردن يحدّد لمفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة «المطالب التي يحتاج إليها من شق طرقات ومستشفيات أو مستوصفات وما إلى ذلك من أمور، ما يعني أن المساعدات التي تأتي إلى الأردن تستفيد منها البنى التحتية من حيث تطويرها أو صيانتها، وهذا الأمر يتمّ بتوجيه من الحكومة الأردنية وهو ما ليس معمولاً به في لبنان».

وأكّد أن ورقة العمل التي أعدّها تتضمن رؤية حول كيفية ضبط دخول النازحين إلى لبنان استناداً الى وتيرة القتال الدائرة في سوريا. وقال «لا يستطيع لبنان طالما أن حدود سوريا مع الدول الباقية مقفلة ان يتحمّل لوحده نزوح مواطن من قرية أو مدينة تبعد ألف كيلومتر عن لبنان، بينما المسافة اقل من ذلك بعشرات المرات إلى الدول المجاورة الأخرى. إنهم أقرباء وأخوان لكنّ هناك حدّاً فاصلاً بين قدرة البلد على التحمّل وضرورة التصدّي للمشكلة وبين الانزلاق إلى المشاعر أو الكلام العنصري الذي ليس منّا ولا ننتمي إليه . هم أهلنا وأخوتنا ولهم علينا فضل ويجب علينا تقديم المساعدة لهم، لكن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها».
وكشف درباس أن هناك «لجنة وزارية تم تشكيلها برئاسة رئيس الحكومة وفيها جميع الوزراء المعنيين، المال والصحة والداخلية والدفاع والتربية والخارجية والشؤون الاجتماعية وأنا أتولّى مهمة أمانة سر هذه اللجنة وتنسيق العمل بين الوزارات. إن ورقة العمل التي أعددتها تتضمن جميع المسائل المتعلقة بهذه الأزمة وعلى كل وزارة أن تتحمّل الجزء المتعلّق بها ومهمتي التنسيق بينها».
وعن الخطة العملية للبدء بتنفيذ ورقة العمل بعد إقرارها قال درباس «آمل أن تجتمع اللجنة في أسرع وقت ممكن لكي يصار إلى البدء بتوزيع المهام على الوزارات المعنية وخاصة وزارة الداخلية وجهاز الأمن العام التابع لها لضبط الحدود وتسجيل الداخلين إلى لبنان وفقاً لحقيقة أوضاعهم الاجتماعية».
وأوضح أنه ضمّن ورقة العمل في ما يتعلق بوزارة الداخلية، اقتراحاً بضرورة «الحد من النزوح من خلال تفعيل معايير الدخول إلى لبنان بعد الاتفاق النهائي عليها مع الأمن العام، ويجب العمل على توسيعها مثل ربط قبول النزوح بوتيرة المعارك في المناطق المحاذية للبنان، وعدم قبول دخول النازحين القادمين من مناطق قريبة من تركيا مثل اللاذقية وحلب والرقة وأدلب أو الأردن مثل السويداء ودرعا وجنوب ريف دمشق أو العراق مثل الحسكة ودير الزور».
أضاف أن هناك «اقتراحاً بأن يفقد النازح السوري المسجّل لدى الأمم المتحدة والذي يغادر الحدود اللبنانية أكثر من مرة كل شهرين، صفته الرسمية كنازح، مثلما يفعل الأردن في هذه الحالة ألخ … كما يجب أن يترافق تنفيذ هذه المعايير المشدّدة من قبل الأمن العام مع زيادة عدد عناصر الأمن العام العاملين على الحدود، أما في الداخل فيجب أن يتزامن ذلك مع عدّة إجراءات من ضمنها تفعيل دور الخلية الأمنية المعنية بالملف وتشديد آلية تسجيل النازحين من قبل المفوضية العليا وتشديد معايير الاستفادة من المساعدات الانسانية».
وأشار إلى أنه يجب أيضاً «التأكد من صلاحية إقامة النازحين السوريين في لبنان والطلب إليهم تجديد الاقامة في مدة لا تتعدّى الشهرين مع درس إمكانية تخفيض رسوم الاقامة السنوية مؤقتاً المقدّرة بـ 200 دولار أميركي. فعوضاً عن استفادة خرينة الدولة من وجود أكثر من مليون سوري على أراضيها بحوالى 200 مليون دولار كرسوم إقامة، فإن الدولة تخسر اليوم أكثر من نصف هذا المبلغ بسبب عدم إمكانية النازحين تأمين المبالغ المطلوبة».
وفي حين أكّد درباس أنه مع مشروع إقامة مخيّمات للاجئين السوريين في المناطق التي تقع بين الحدود اللبنانية والسورية، شدّد على أن ورقة العمل تتضمن اقتراحاً يقضي «بمنع إقامة المخيمات العشوائية الجديدة من خلال الايعاز إلى البلديات والقوى الأمنية بضرورة إيقاف اي محاولة من هذا القبيل وفي هذه الحال يحق للقوى الأمنية إزالة أي منشآت مخالفة بالقوة وذلك بعد التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية».
وكشف درباس أنه «يوجد في لبنان اليوم حوالي 300 ألف طالب سوري تسجّل منهم 100 ألف في المدارس اللبنانية بينما هناك 200 ألف خارج المدارس !!! ثم هناك أكثر من 1100 مخيّم عشوائي على جميع الأراضي اللبنانية لا يعرف أحد في أي لحظة يمكن أن ينشب في احدها حريق يزيد من المأساة التي يعاني منها النازحون أصلاً».
وختم درباس بالتشديد مجدّداً على الدعوة إلى ضرورة «معالجة أسباب النزوح وليس آثاره، لأنه ما لم تتوقف المجزرة في سوريا لن يتوقف النزوح لا إلى لبنان ولا إلى الدول المجاورة الأخرى».

السابق
تمدد الحدود الإيرانية والقوة الناعمة
التالي
الأخبار: رسائل من السعودية لحزب الله تؤكد أنها لن تقوم بمبادرة بلبنان