ليلى اسكندر تُمزِّق ثوبها مُطالِبةً بحريّة المرأة

سنعتبرُ فيديو كليب أغنية “مقهورين مني” لليلى اسكندر، اخراج ليال راجحة، تجربة جديّةً أولى بعد كليبات عادية تعرض جمال المغنية وانشراح الطبيعة. يطرحُ العمل حرية المرأة ويُبالغ في ربط تحققها بتمادي العنف والدماء، فتبدو الغاية أيضاً هزّ المُشاهد بما يُثير اشمئزازه.

العملُ فكرة، وذلك قد يُنقذه بصرف النظر عن رأي يُطلقه المُتلقي. نُثني على الكليب من خارج فِرق الاستعراض والبطل الوسيم والمنظر الطبيعي المُدهِش، فهي كلّها استسهالٌ لا يُبهر. تُعدِّل راجحة الأسلوب المُفضي الى انتشار موقت، وتسعى الى امتداد، فالصيف والحصان ورمل البحر في “غبي” (أغنية لاسكندر) لم تكن سوى مُحاولات غير مؤثِّرة. تتخذ من “مقهورين مني” قضيةً، فالأغنية التي كتبها السعودي سليمان العلوي ولحّنها، ووزّعها حسام كامل، لا تشي بصرخة امرأة مُنتفِضة، بقدر ما تُرخي انطباعاً فردياً عن اللااكتراث حيال “كلام الناس”. تحويلها موضوعَ “رأي عام” عبر المرور على اشكالية “انتفاضة المرأة في العالم العربي”، يُحسَب على مستوى الفكرة لراجحة، مع ما يحوط التنفيذ من تساؤلات أخلاقية تتعلّق بجدوى “استغلال” الوضعية الدموية العربية وكثير من العنف المُسيطر وربطهما (بالضرورة) بقضية الحرية بُغية الترويج للأغنية (والمُغنية).

الكليب من أجواء القمع والدم والسكّين وكل ما هو قاحل. يضعكَ لوهلةٍ خارج الأغنية، ويبدو مُستمتعاً بالتفوّق عليها. لا يوحي وجهُ اسكندر بالتعب والتحمّل، يغطيه الماكياج اللافت فوق ملامح المُرتاحين، لكنّ شفتيها مُقطّبتان تُتمتمان برغم “الوجع” كلمات الأغنية: “مقهورين مني موت يبغو بس يغيظوني/ يظنو من القهر بموت وانهم طلعو عيوني”. المُراد من القيد العبور الخالص الى الحرية، فتنتزع اسكندر الخيوط المغروزة أي رغبتهم في إسكاتها، في مشهدٍ نفترضُ أنّه أشدّ ألماً. وتنطلق.

ليس مشهد “خياطة الفم” هو البطل، ولا الذروة في قدرة اسكندر/ المرأة على رفضه. سيُعَدّ ذلك دافعاً لشعور المُشاهد بنوعٍ من الغثيان غير المُحبب. نُدرك أنّ زمناً كهذا يُصوِّر سفك الدماء مُمارسةً “طبيعية”، وأنّنا كمشاهدين نعتاد مزجَ الصورة بالأحمر كون الموت يُمسي كثيفاً، وإنما العنفُ لن يكون أبداً جمالاً فنياً. نُحبّذُ الحفر في التراب كرمزية لدفن نظرات المجتمع وأحكامه، وأنْ يكون المكان (عكس الانغلاق) شاهداً على الانطلاق مُجدداً، كذلك المُحاولة والارتطام بعائق، والمُحاولة ثانيةً من دون أن تكون النهاية محسومة دائماً لمصلحة الأمل. تُحسِن راجحة اختيار الصحراء موضِعاً لدفن الموروث حين تُقوَّم المرأة، وتظهر السماء مُتجهّمة إسوة بالأرض القاحلة. نُغنّي لئلا ننسى أنّ نكتب عن أغنية: “أنا إيش ذنبي إذا احترّو/ إذا حكولي إذا مرّو/ أسلّم داري ما يردّون/ وأضحك زود يكرهوني”.

هي أوقاتٌ، نلمحُ الموت مُخيّماً على النفس. لن يكون حمْلُ اسكندر السكّين لتمزيق ثوبها سبباً لنصدّق أنّ القصد لا يرمي أيضاً الى المُضايقة. توهِمُنا بطعن موضعٍ حسّاس من الجسد، وفي الحقيقة ما يتعرّض للتمزيق هو فستانها. إنّه الفستان عينه المُتفِق سواده مع لعنة تحجّر العقل، وطوله مع تفشّي الرجعية (وإن كان المُراد منه أيضاً التباهي بالوشم المُمتد على طول ظهرها). يبقى التعرّي كنايةً مألوفة عن الحقيقة، يسلبه أثر الدماء المُنتشر على جسدها قوّته التعبيرية، فتلاحقُ العين توزّع البُقع لا الانتصار للحرية. لن يروق المُشاهد زجّه بين خيارين: الكليبات المُملة، أم تلك التي تستفزّه بأبشع الطرق: تكريس تآلفه مع الدم.

السابق
«الطريق»: محمد دكروب المثقف الثوري والمبشر الأممي
التالي
أكثر المواد الإباحية للأولاد في هولندا