يتحدثون عن سوريا وعينهم على ايران

كان في كل فصل دراسي ولد كنا نسميه ‘النمّام’ فكانوا اذا أكلوا طعامه وشربوا شرابه ينّم دائما يقول: أيها المعلم، هذا الولد شوش على الدرس؛ وأيها المعلم ذاك غش في الامتحان. ولم نحن نحبه. وهذا الولد الآن هو دولة اسرائيل. فسلوك اسرائيل في مواجهة فظاعات سورية يُصور على أنه ليس أكثر من حملة نميمة. لا يعلم أحد ما الذي تريد ان يحدث في سورية وهل هي مع الاسد أو عليه؟ وهل هي مع المتمردين أو عليهم؟ فالشيء الرئيس هو أنها تنّم وتحث المعلم، أي امريكا، على أن تقصف ولا يهم من تقصف.
اتجهت اسرائيل بعد توقف قصير عن حملة التخويف القومية من المشروع الذري الايراني الى حملة تخويف اخرى من السلاح الكيميائي في سورية. والحديث عن خطر كما هي حال ايران؛ والحديث عن مبالغة كما هي الحال مع ايران. وأصبح تجنيد النفس كما هي الحال مع ايران مطلقا ولا يشمل ساسة وجنرالات فقط بل يشمل الجوقة الاعلامية التي أصبحت تلتزم بحملة التخويف هذه في ابتهاج زائد كعادتها.
لا تحب وسائل الاعلام شيئا أكثر من حملة تخويف اخرى تستحق هذا الاسم. وانظروا فقط كيف استُعرض هنا في شك وبرود تحديث مبادرة السلام العربية أول أمس، قياسا بالاستعراض المجلجل لخطر الطائرة الورقية الايرانية التي تجرأت على ان تطير في سماء البحر المتوسط بمحاذاة حيفا، مُماسّة لسماء دولة ترسل طائراتها كل يوم تقريبا الى سماء جارتها.
جندت الدول المحاذية لسورية نفسها لجهد انساني رائع لاستيعاب مئات آلاف اللاجئين ومنها تركيا التي تواجهها، والاردن المنشق لكثرة المخيمات فيه. لكن لم تفعل اسرائيل ذلك بالطبع. كان يجب أن تكون هضبة الجولان المحتلة من سورية المكان الصحيح لاستيعاب عدد منهم. لكن هذه الامكانية لم تكد تُبحث هنا، فلا يهتمون هنا إلا باليهود. وباسمهم يعرضون على العالم وعلى الولايات المتحدة بخاصة خطة عمل اخرى كما اعتادت دولة اسرائيل العظمى دائما. فها نحن هؤلاء نضع أمامكم الأدلة الاستخبارية ا فهبوا الآن الى العمل والى القصف.
إن السلاح الكيميائي تعرفه اسرائيل جيدا من دار سلاحها الفظيعة جدا، وتعرف أنه سلاح مخيف. لكن حملة التخويف الاسرائيلية به لا تتناول ضحاياه المباشرين، أي السوريين، لأن اسرائيل لا تهتم بهم. فالعرب يقتلون العرب كما تعلمون. وأما صور المصابين الذين يخرج الزبد الابيض من أفواههم فتُنشر لتكون دعاية ودليلا فقط. قُتل عشرات آلاف المواطنين السوريين بسلاح تقليدي ولم تنبس اسرائيل ببنت شفة. ولم يُثرها من مربضها إلا امكانية ان تكون جهة ما استعملت سلاحا كيميائيا.
لنفترض أن أدلة شعبة الاستخبارات العسكرية هي أدلة صحيحة؛ فلماذا تزيد حقيقة أن نظام الاسد استعمله خطر أن يتسرب الى ‘أيدٍ غير مسؤولة’؟ وهل سيحل القصف المشكلة كما تفترض اسرائيل؟ لا يفترض بالطبع ان يتم ذلك على يد اسرائيل بل على يد مقاولتها الثانوية امريكا. فهي تُدعى الى العمل ويتم تحريضها على التدخل من اجل المصلحة الاسرائيلية. وتحاول امريكا الابتعاد عن تدخل قاتل آخر لكن الرب الاسرائيلي يريدها في الداخل. والحقيقة هي أن الحديث عن حملة دعائية فقط. فاسرائيل تحث براك اوباما وتُلزمه كلمته و’خطه الاحمر’ وتتحداه وتُحرشه من اجل التوصل الى الشيء الحقيقي فقط وهو قصف ايران. وتريد اسرائيل الكشف عن عورته في الشأن السوري كي تعرضه عاريا في سوأته في الشأن الايراني. قد لا يقصف سورية كما طلبت، لكن الامر المهم هو ان يقصف ايران. وهذه السياسة التي هي تلاعب برئيس الولايات المتحدة على حساب الدم السوري ربما تنجح نجاحا حسنا في الأمد القصير لكنها قد تجعل اسرائيل أبغض الى واشنطن.
إن ما يحدث على مبعدة نصف ساعة سفر عن كتسرين يجب ان يقلق اسرائيل بالطبع. وهي لا تستطيع ان تفعل الكثير سوى تقديم مساعدة. وقد يكون من الجيد ايضا أنها لا تعرف ما الذي تريد أن يحدث هناك كي لا تتدخل فيما يجري. ويجوز لها ايضا بالطبع ان تدعو العالم الى التدخل لكن من اجل شيء آخر لا من اجل النميمة والاحتيال.

السابق
محامي بليغ في قضية خاسرة
التالي
انذار اوباما للاسد يتبدد