حكومة التبريد.. لا توافق


ليس شرطاً عند حزب الله أن يكون في الحكومة العتيدة، إذا استطاعت هذه الأخيرة، أن تضمن ما يريده الحزب منها في السياسات الاستراتيجية، لا سيّما في مواجهة العدو الإسرائيلي، وما يعني ذلك من متعلقات، تبدأ بالموقف من سلاحه، اي المقاومة، وصولا الى الملفات الإقليمية الحساسة، وفي مقدمتها الأزمة السورية، لما لها من ارتباط وثيق باستراتيجية مقاومة «إسرائيل» ومشاريعها، وما يقف وراءها من مشاريع للسيطرة والهيمنة على المنطقة ومقدراتها.
وفي هذا السياق، فإن الاجتماع الأول الذي جمع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية تمام سلام مع قوى 8 آذار، والذي ضم حزب الله وحركة أمل والمردة والتيار الوطني الحر، لم يُفض الى أية نتائج تُذكر على مستوى عملية التأليف، بل تم تكرار إعلان العناوين العريضة التي تهم تلك القوى من جهة، والاستماع الى رأي الرئيس المكلف حولها ورؤيته لشكل حكومته، الذي يحاول أن يبتعد بها عن العناوين الخلافية، اي السياسية والتسلح، بعنوان وحيد هو الإنتخابات وقانونها، وصولا الى إجرائها من جهة ثانية. لكن الحكومة التي ستتشكل لتنفيذ ذلك لن تتجرّد، ولن تستطيع أن تكون بعيدة عن مواجهة كل تلك العناوين السياسية ولو ليوم واحد.. فكيف يمكن أن تنتظر أو تؤجّل الموقف منها وتحصر اهتمامها بالبحث عن قانون توافقي للانتخابات بين قوى غير متفقة بالحد الأدنى على مفهوم العدو والصديق، وحتى أبسط من ذلك، على الملفات قيد المعالجة في البلد، وكذلك انسحاباً على المواقف من أزمات المنطقة برمتها.
في التحليل «النمطي»، يرى المرء أن ما حصل في لبنان أخيراً هو أن السعودية عادت نتيجة توافق دولي بدأت معالمه تظهر في الأفق، وأن تلك العودة لا يمكن أن تكون خارج سياق ملامح اتفاق سعودي – إيراني حول النقاط الخلافية بين الجانبين، إلا أنه في الحقيقة لا هذا ولا ذاك قد حصل، لأن الدخول الأميركي الذي بدأ عملياً في الأزمة السورية من خلال المشاركة الفعلية في الإدارة والإشراف على العمليات القتالية للمسلحين السوريين بعد تدريبهم في الأردن، لا يؤشر الى حصول هذا النوع من التوافق أو الإتفاق، كما أن الجلوس الإيراني على طاولة التفاوض من جديد حول الملف النووي للبلاد مع السداسية الدولية، وإن رشح أنه كان هادئاً، لا يعني بالضرورة أن الإتفاق قد حصل، وأنه سينسحب على باقي الملفات في المنطقة، لسبب أساسي هو أنه ليس من شأنها، وهو أكبر حجماً من الملف النووي الإيراني الذي يسير بثبات نحو تحقيق أهدافه، من دون الحاجة الإيرانية لتقديم أية تنازلات على أية طاولة للمفاوضات قد تنعقد لبحث ملفات أخرى غير متّصلة.
لم تبتعد الرؤى التحليلية كثيراً عن الإتفاق غير المعلن الذي يجري اعتماده في لبنان، كون الأطراف الخارجية والداخلية تلاقت مصالحها على تجنب الانفجار، الذي كاد أن يبلغ لحظته خلال الفترة الماضية. فالسياسات التي كان يتّبعها رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، كانت قد سرًعت من تفاقم الأوضاع وسط فلتان لم تشهده البلاد من قبل، حتى في أحرج أوقاتها، لاسيما على المستوى الأمني والمذهبي والطائفي، كل ذلك وسط حالة من «الإفتراق» الدولي الذي بلغ ذروته أيضاً حول الأزمة السورية والذي ستكون أولى تداعياته على الساحة اللبنانية، حيث الغلبة في حال الإنفجار هو للقوى المتحالفة مع سورية، وهو الأمر الذي لا تخفيه القوى المناهضة لها لا في الداخل ولا في الخارج.
وما شهده لبنان من انقلابات كان نجمها الساطع النائب وليد جنبلاط، وكان تكراراً لسيناريو «ناجح» نفذه جنبلاط نفسه في السابق، عندما استطاع جرّ الأطراف الى الدوحة بعد أحداث 7 أيار 2008، ما ولد اتفاقاً كان عنوانه الأساسي «التهدئة» والإلتفاف على الإنفجار والسقوط والخسارة المدوية. هذه المرة أعيدت الكُرة الى السعودية حيث أن قطر فشلت في المحافظة على دورها اللبناني، بعد سلسلة المواقف التي اتخذتها حيال الأزمات التي تفجرت في المنطقة والمتصلة بوضعه. أراد جنبلاط أن يفتح الباب لنفسه من جديد على اللاعب العربي الأبرز في لبنان والمنطقة، فسعى الى إعادته عبر تقديم رأس ميقاتي له.. وهو السعودية بامتياز، لاعب هادئ يفهم تمامأ دوره وأدوار الآخرين الى جانبه، ولو أنه يختلف معهم، إلا أنه يتّصف بالاتزان. لا يتوخى جنبلاط في المرحلة الحالية سوى التموضع ولو بأقسى «الشروط» مع الحليف القديم – الجديد أو العكس، منذ اتفاق الطائف، إضافة الى استعادة مشهد لبنان السابق قبل الحرب الأهلية – ونحن نحيّي ذكراها هذه الأيام – والتي كان نجمها والده المرحوم «كمال بيك»، ووالد من رشحه للحكومة الحالية المرحوم «صائب بيك»، لكن الهدف هو الإلتفاف على لحظة الإنفجار التي دنا وقتها مع اقتراب موعد الانتخابات، وشكّل قانونها الستيني صاعق الانفجار.
تلاقي المصالح لم تكن سوى تبريد لحرارة الأجواء درءاً لمخاطر الإنفجار. وفي ذلك مساحة واسعة لإخراج تفاهمات جديدة الى الساحة، تأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة خاصة لجهة الموقف من سورية، إذ لا يمكن فصل البلدين ومصالحهما المشتركة واتفاقاتهما في إطار «الأخوة والتعاون والتنسيق»، والتي يتمسّك بها جزء كبير من اللبنانيين، والتي أيضاُ تُعتبر ركيزة أساسية في مرحلة النزوح التي يرزح تحتها السوريون حالياً.
على ضوء ذلك، يمكن أن يستجيب رئيس الحكومة المكلف لما جرى الحديث عنه من شروط أميركية، بعدم إشراك حزب الله، وربما التيار الوطني الحر في حكومته، على اعتبار أنها حكومة انتخابات، كما يمكن للسعودية ان تبني مونتها على أساس ما خرج به سفيرها عبر شاشة تلفزيون «المنار» التابع لحزب الله الأسبوع الماضي، من كلام لا يمكن وصفه إلا بـ»الرائع» كدليل على نوايا المملكة تجاه هذا البلد. لكن ما زال الوقت مبكراً، حتى على «التفاؤل» من ان الجميع قد تلاقى على تمرير المرحلة خارج الصدام المباشر، من دون إضفاء الأهمية اللازمة على ضرورة وجود حكومة أو حصول الإنتخابات، في حال لم يجترح رئيسها المكلف حلولاً ساحرة لتأليفهأ.

السابق
السؤال.. ما هو شكلها؟
التالي
من يحرّك زلزال الفتنة في عرسال؟