وراء الخط الاحمر

هل كان رئيس الوزراء محقا حين رسم "خطا أحمر" علنيا للبرنامج النووي الايراني؟ ميزة "الخطوط الحمراء" هي في امكانية خلق ردع، يوقف تقدم الخصم نحو هدف خطير بالنسبة لك. نقيصته هي في أنه يفهم منها أنه "مسموح" للخصم أن يتقدم حتى ذاك الخط، وفي يده المبادرة والقرار متى يجتازه. اذا ما اجتازه، فان عليك أن تعمل على وقفه أو تخاطر بتآكل ردعك.
وبالتالي، كي تنجح مثل هذه الخطوة، مطلوب عدة شروط. على الخطوط أن تتعاطى والتحدي الاستراتيجي الحقيقي، على راسم الخطوط ان يكون مصمما على الوقوف عندها حتى بثمن المواجهة العسكرية، وعلى المرسل اليه أن يصدق بانه اذا ما تجاوزها فسيخاطر بمثل هذه المواجهة، التي سيخرج فيها خاسرا. كما أن على اللاعبين ذوي الصلة، وفي موضوعنا الولايات المتحدة والاسرة الدولية، ان يروا الامور هكذا.
فهل هذه هي الحالة التي أمامنا؟ أشك في ذلك. ومع اني شهدت عن كثب كيف يدفع اصحاب القرار الى تضاؤل قيمة "الخطوط الحمراء" وفي لحظة الحقيقة يصابون بعمى الالوان، فان امامنا تهديدا حرجا يبرر وضع خطوط كهذه ولا أستخف بتصميم نتنياهو على احباط هذا التهديد؛ ولكن مشكوك أن تكون قائمة الشروط اللازمة من الايرانيين ومن باقي اللاعبين.
محاولة نتنياهو تبسيط الخط الاحمر من خلال تجسيد تسويقي اساسي، خلق تشويشا في مسألة هل قصد 90 في المائة من الطريق نحو القنبلة، أم كما خيل للكثيرين بالخطأ، تخصيب اليورانيوم الى مستوى 90 في المائة (التخصيب العسكري). ولكن حتى على فرض أن الايرانيين فهمونا، ليس واضحا اذا كان التهديد الاسرائيلي مصداقا ورادعا بما يكفي في نظرهم، ولا سيما في ضوء الفوارق العلنية بين موقفي اسرائيل والولايات المتحدة.
فضلا عن ذلك، فقد أضعفت اسرائيل فرص نجاح الخطوط الحمراء في أنها لوحت بها علنا. فالمطالبة العلنية من اوباما بان يضع خطوطا حمراء بروح موقف اسرائيل اجبرته على أن يرفض علنا وبالتالي أكد الفوارق مع اسرائيل. بينما علانية الانذار لايران لن تشجع بالذات استجابتها، خشية أن تهان امام الملأ.
خط نتنياهو الاحمر يتناول تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 في المائة بالكمية الكافية لقنبلة واحدة على الاقل، او الى مستوى أعلى من 20 في المائة (حين يكون الايرانيون اعلنوا بانهم يتوجهون نحو مستوى 60 في المائة لتحريك السفن والغواصات). المنطق في ذلك هو ان التخصيب الى مستوى 20 في المائة فما فوق هو خطير لانه يسمح باختراق سريع نحو القنبلة، ومع ذلك فانه قابل للمتابعة في المواقع المعروفة.
اذا ما تعاطى الايرانيون بجدية مع هذا الخط، فان من شأنهم أن يشعروا بالحصانة من الهجوم (ظاهرا لن يكون مبرر لتنفيذه) حتى اذا ما واصلوا تطوير قدراتهم في مجالات خطيرة اخرى، بما فيها تخصيب اليورانيوم الى مستوى 3.5 في المائة، تحصين المواقع من الهجوم، استخدام جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي والتقدم في مسار البلوتونيوم (الذي سجل تقدما مقلقا). أوليست اسرائيل هي التي ادعت أمام الولايات المتحدة بانه لا يجب السماح للايرانيين بمواصلة تطوير جملة قدرات حافة اخرى لديهم، تحصينها من الهجوم واختيار الظروف للاختراق نحو السلاح؟
اذا لم يتوقف البرنامج النووي جراء العقوبات، التهديدات العسكرية، الضغوط الاخرى والدبلوماسية – فستعود اسرائيل الى نقطة القرار ابتداء من الربيع القادم مع تعهد علني من نتنياهو. ينبغي الامل بان حتى ذلك الحين ستنجح في أن تبلور تفاهمات هادئة مع الولايات المتحدة على خطوط حمراء متعددة الابعاد وليست علنية، وعلى الاستراتيجية حيال ايران بشكل عام.  

السابق
المنظومة المتغيرة للقوى في الشرق الاوسط
التالي
الغريب: ليكن الإنتماء وطنيا من دون مزايدات ولنحافظ على العروبة