أنان لا يُلام

لا تلوموا كوفي انان على مواقفه الاخيرة، فالعقد التي يواجهها لا يعجز عن حلها مبعوث فحسب، بل الجمعية العمومية ومجلس الامن مجتمعين. هو تطوع لحل مشكلة داخلية بين نظام ومعارضة، فاذا به عندما وطئ الارض السورية وجد نفسه ضائعا في متاهات معمعة اقليمية دولية يعجز السحرة والعرافون عن فك أحاجيها.
ما يحدث في سوريا حرب اقليمية عالمية باردة جديدة بامتياز. سقوط حزب البعث ليس مجرد سقوط لنظام مستبد أذاق شعبه مر العذاب، بل سقوط لمنظومة اقليمية من شأنه ان يغير وجه المنطقة والعالم. وانتصار المعارضة ليس تغييراً في رأس السلطة بل قلب للمعادلات والتوازنات الاستراتيجية التي كانت تحكم الشرق الاوسط.
مجموع العوامل الخارجية التي دخلت على خط الازمة وتناقضاتها يظهر حجم اللعبة الجيوسياسية المرتبطة بسوريا اليوم، وهي لعبة يصعب النظر اليها من منطلق أخلاقي سواء لمن يقف مع الثورة السورية "حباً" بتعميم الديموقراطية ونشرها، أم لتلك القوى التي تقف مع النظام انطلاقا من اعتبارات رفض التدخل الخارجي.
فكرة الحل السياسي على النموذج اليمني أو العراقي ضرب من التمويه السياسي على حقيقة ما يقتضيه الشأن السوري من حساب واضح للمكاسب او الخسائر بين الاطراف الاقليميين او الدوليين الذين باتوا شركاء أو اطرافا في ما يحدث على الارض.
والحديث عن إنهاء العنف هو حديث عن محاولة إنهاء وضع بات لا يقبل سوى الربح أو الخسارة، وتاليا هل التدخل الخارجي على المدى الطويل يزيد العنف أم يهدئه؟ وقف دعم الثوار يعني خسارتهم ورفع الدعم عن النظام يعني ايضا خسارته، مع ما يترتب على كلتا الخسارتين من تداعيات. سوريا أشبه بمن يقف على الأعراف، لا هي دخلت جنة الحل السياسي ولا نار الحرب التي تنتهي بوضوح في حساب المكسب والخسارة. كل ما يقدم لسوريا اليوم ليس سوى إدارة للصراع وليس حلاً له.
لا يمكن اخراج المحاولات السياسية التي تجري في سوريا ومن أجلها من سياقاتها الممتدة، الولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا تفاوض إيران على أرض سورية، وروسيا والصين تفاوضان الولايات المتحدة على أرض سورية. وهكذا دواليك في لعبة جيوسياسية ممتدة أبعد نقطة فيها هي مصلحة سوريا نفسها والشعب السوري. لا موسكو ولا بيجينغ ترفضان التدخل من أجل مصلحة سوريا الذاتية، ولا واشنطن او أنقرة ستتدخلان في سبيل مصلحة سوريا الذاتية، وهذا ما يجعل الأسئلة التي تطرحها سوريا صعبة، والاجوبة عنها أصعب. وهذا ما يجعل أيضا مهمة أنان ضرباً من ضروب المستحيلات. 
 

السابق
كيف بات للسلاح أوجه أخرى ؟
التالي
أكثري منها في المستقبل