المصروف فرحة للصغار وهمٌّ للكبار

أصبح مصروف اليد للابناء من الأشياء الضرورية في حياتنا اليومية.. فطفل اليوم غير طفل الماضي، يحب أن يتصرف بحرية ولا يعتمد على والديه أو الغير في كل صغيرة وكبيرة.. وكما يحب الكبار الفلوس أو النقود ويدركون أهميتها، أصبح طفل اليوم يحبها أيضا ويحب أن يصرفها بنفسه، لذلك غدا لزاما على أهله اعطاؤه مصروفا يوميا أو اسبوعيا.

سلمى المناسترلي
في مرحلة الروضة لا يفضل الكثيرون منح الطفل مصروفا يوميا لأن كل حاجاته ملبّاة سواء في البيت أو في الروضة، بينما يختلف الأمر بمجرد دخول الطفل مرحلة الابتدائي، فيبدأ بالتردد على المقصف مع رفاقه يشترون الكاكاو والحلوى والمعجنات والعصائر وغيرها ويشعرون بسعادة ويتسابقون على الشراء ويرتبطون بهذا التصرف طوال المراحل الدراسية، في المتوسط والثانوية. وتختلف قيمة المصروف من مرحلة إلى أخرى فهي تزيد تدريجيا وصولا الى مرحلة الجامعة لوجود السيارة ومستلزماتها وملابس كثيرة وغيرها. في هذا التحقيق يجيب اباء وامهات عن مصروف الطفل، ومتى يبدأ، وما قيمته في كل مرحلة سنية.

تقول المحامية عصمت الخربوطلي:
– المصروف شيء لا بد منه منذ الصغر، ففيه تعويد للطفل على الاعتماد على النفس، ويعلمه كيف يشعر بقيمة النقود وكيفية صرفها على الوجه الصحيح، وليعرف أن لكل شيء ثمن.
أنا لدي أربعة أبناء بدأت بتعليمهم مفهموم المصروف من الصف الابتدائي، وليس من الروضة كما يفعل البعض، ليشتروا من المدرسة حلوى أو بسكويت أو أشياء بسيطة. بدأت بالربع دينار، ثم زدت المصروف للدينارين والنصف في الأسبوع في المرحلة الابتدائية، أما في المتوسطة فأصبحت أعطي كل ابن 5 دنانير في الاسبوع، وفي الثانوية أصبح المبلغ يراوح بين 10 و 20 دينارا اسبوعيا.
وعن مصروف الجامعة تقول:
– حياة الجامعة مختلفة ومصاريفها أيضا مختلفة، فهناك مصاريف السيارة والبنزين وبعض الحاجات كالملابس والاكسسوارات قد يشتريها الطالب بنفسه، فقد يصل المصروف الى 200 دينار شهريا.
وتطالب الخربوطلي بترشيد الانفاق وتعويد الطفل على قيمة النقود وعدم التبذير والاسراف، وتطالب الأم بالمنح والرقابة والترشيد، فتعطي للابن وتعرف أين يصرف هذه النقود، كي لا يستغلها لضرره أو مع أصدقاء السوء دون أن تدري وكي لا يضيع الأبناء. وتضيف:
– لكوني محامية فقد رأيت على الواقع كيف يضيع الأبناء بسبب البذخ والاسراف واستغلال المصروف والمال في الصرف على المخدرات والمسكرات التي تؤدي في النهاية الى ارتكاب الجرائم، وتؤدي بالابناء الى السجن، لذلك فالبذخ مفسدة وعلى الامهات والاباء الانتباه لذلك.
مفهوم المصروف
نوار محمد العتيبي يبدأ باعطاء ابنائه المصروف منذ سن الخمس سنوات:
– عندما يدخل الابن المدرسة يبدأ المصروف بدينار واحد يوميا ليستطيع شراء ما يكفيه من فطور المقصف، ولا يشعر بأنه أقل من غيره بعدم امتلاكه مالا كافيا لشراء طلباته اليومية من المد=رسة ومن البقالة، فالأطفال يستمتعون كثيرا بفكرة الشراء واعطاء الفلوس للمحاسب.
لكن يختلف الامر كليا في الجامعة، فالحمد لله مبلغ الاعانة الجامعية وقدرها 200 دينار شهريا تكفي ابنتي في كثير من الأحيان، وازيد عليه عند حاجتها. فمصروف الطالب الجامعي يزيد عن أي مرحلة عمرية أخرى لزيادة المتطلبات من سيارة وملابس وفلوس خاصة بالدورات التدريبية والأبحاث المتعلقة بالدراسة.
ويضيف:
– الهدف من اعطاء المصروف هو جعل الابناء يعرفون قيمة المال وكيفية المحافظة عليه منذ صغرهم، لكن في بعض الأحيان تسبب تلك العادة بعض المتاعب للوالدين. فعند وجود أزمة مالية في البيت لا يستوعب الطفل هذا الموقف، فكل ما يهمه مصروفه الذي خطط به قائمة من احلام مشترياته. فاطفال اليوم يتعرضون لمغريات كثيرة من الالعاب وأصناف الحلوى التي لا تحصى، اضافة إلى الشكل الجذاب الذي تعرض به السلعة في وسائل الدعاية والاعلان، ويجعلهم يقبلون على الشراء بشكل كبير، مما يستلزم اعطاءهم مصروفا يكفي احتياجاتهم.
لكن يجب على اولياء الامور ضبط مفهوم المصروف لدى اولادهم، وتعليمهم التفريق بين الاسراف والتقتير، واوصيهم بممارسة الرقابة عليهم لمعرفة أين يذهبون بالمصروف، وفيما يستغلونه.
توجيه وتعريف بالفلوس
تؤيد أصيلة الرفاعي عادة منح الابن والابنة مصروفا من الطفولة، لكنها تفضل أن يبدأ من 10 سنوات أو في الابتدائي، ويبدأ من 1 دينار الى 2 دينار في الاسبوع الواحد، ويزيد عندما ينتقل من مرحلة دراسية الى اخرى، وكما تقول:
– الأهل هنا يوفرون للطفل كل شيء بالمنزل حتى الحلوى والعصائر وغيرها، لكن الطفل يفضل أن يشتري بنفسه سواء كان بصحبة والديه في الجمعية التعاونية أو مع أقرانه من مقصف المدرسة، وهذا الشيء يسعده لكونه ورفاقه يمارسون العادة نفسها سويا.
وتنصح الرفاعي الأمهات بالأخص ألا يسرفن في إعطاء الطفل أو الشاب مبلغا كبيرا، فليس هذا من باب الحنيّة، وتتابع:
– على الأم أن تعرف أين يصرف الابن مصروفه وتوجهه وتعلمه قيمة الفلوس، وأنها لا تأتي بسهولة، ولا بد من أن يصرفها في مسارها الصحيح، فتوجهه لمساعدة المحتاجين من هذا المصروف حتى يعتاد على العطاء ومساعدة المحتاجين ولو بقليل، كي لا يصير أنانيا، وكي يشعر بحاجة الآخرين وبقيمة المال الذي في يده وكيف يحسن التصرف فيه ليغطي جميع احتياجاته.
تقليد للكبار
ولا تجد راوية المسباح سنا معينة للبدء في منح الطفل المصروف الخاص، فكما تقول:
– من أول ما ينطق الولد ويقول فلوس ويسمع الكبار ينطقون هذه الكلمة يطلبها كي يشتري من البقالة أو الجمعية التعاونية مع اخوانه وأهله، فهو يحب أن يرى النقود ويصرفها بنفسه تقليدا للكبار، ولا ينتظر حتى يدخل المدرسة.
ان مصروف الصغير يبدأ من الربع دينار لان أقل من هذا المبلغ لن ييسر الحال، فالأسعار في ازدياد، فمن قبل كانت الـ100 فلس تشتري كاكاو وعصيرا، بينما الآن ليس لها أي قيمة.
ولا بد أن يكون المصروف حسب السن، ففي الابتدائي يختلف كليا عن المتوسط والثانوي وعن الجامعة، فكل مرحلة يختلف فيها المقصف بمعروضاته الكثيرة المغرية ومرتفعة الثمن.
وتحدد المسباح مصروف الابن بدينار يوميا ويوم الخميس 5 دنانير، لانه يذهب في نهاية الأسبوع مع أصدقائه إلى المولات والمطاعم، فيضطر الى الصرف أكثر وهذا يحتاج الى مبلغ أكبر، وتستطرد:
– لكني لا أعطيه أكثر من 5 دنانير، وأحثه على أن يقتصد من الدينار اليومي ليدخر أو يصرفه نهاية الأسبوع. أما في الجامعة، بل قبلها من عمر 18 سنة، يزداد المصروف اجباريا لان هناك سيارة تحتاج إلى مصروف خاص من بنزين وصيانة وغيرهما، كما أنه يبدأ في الاعتماد على نفسه في شراء ملابسه ومستلزماته الشخصية.
اعتماد على النفس
فيما تؤكد عفيفة الشمالي:
– أن المصروف للابناء ضروري، ويجب أن يبدأ الوالدان بمنح الطفل مصروف يد منذ دخوله المرحلة الابتدائية لأنه يحتاج النقود مثل اصدقائه لشراء الحلوى وغيرها من المقصف، ويفضل كغيره أن يشتريها بنفسه لا أن يأخذها معه من المنزل.
وتضيف: المصروف لدي يبدأ في الابتدائي 3 دنانير في الاسبوع، ويزيد الى 5 دنانير في المرحلة المتوسطة اسبوعيا، وفي الثانوية يصبح 10 دنانير في الاسبوع. وأرى ان منح الطفل فلوسا يكون المتصرف الاول في صرفها شيء أساسي وعادة حسنة يتعود من خلالها الاعتماد على نفسه في شراء احتياجاته الصغيرة الان، والكبيرة مستقبلا، كي يتعود على التبضع وشراء مستلزماته من دون الاستعانة بالاهل.

رأي علم الاجتماع
الحداد: طريقة لتعويده على نمط اقتصادي معين

يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور محمد الحداد أن منح الطفل مصروفا يجب أن يكون لأهداف معينة، لأن الطفل في المراحل الأولى من عمره لا يعرف القيمة الحقيقية للنقود، سواء كانت مبالغ قليلة أو كبيرة فقيمتها لا تعني له شيئا، لأنه غير واع لأهميتها، ولا يدري قيمة المبالغ المعطاة له وأنها لتلبية حاجات معينة.
وعن السن المناسبة لمنح الطفل مصروفا يقول الحداد:
– لا يجب أن يعطى الطفل مصروفا في مرحلة الروضة لأنه يكون غير مدرك لقيمة النقود. وتبدأ السن المناسبة لمنح المصروف في المرحلة الإبتدائية، وأن يتبع ذلك نظاما معينا، بمعنى أنه يجب ألا يتغير معدل انفاق الطفل، فيعطى مبلغا محددا يكيف نفسه عليه سواء للشراء أو للتوفير أو للصرف والإنفاق. فلا يصح أن نعطي الطفل مصروفه دينارا مثلا في يوم، وفي يوم آخر نعطيه دينارين أو أكثر، فجب أن تكون قيمة المصروف ثابتة.
وعلى ولي الأمر وهو يمنح المصروف أن يدرك احتياجات الطفل في مرحلة معينة في المجتمع، وأن يعطيه مبلغا مقننا يتناسب مع عمره ومع سعر ما سيشتريه. ومن الضروري تعليم الطفل أرقاما معينة في مراحل معينة فإن أعطيناه مصروفا بقيمة نصف دينار أو دينار، فلا يجب أن يزيد على هذا المبلغ ونستمر على هذا بشكل يومي، لأنه من الأهمية تعويد الطفل على نمط اقتصادي معين وواضح.
شعيرة مهمة
وعن مدى أهمية منح الطفل مصروفا وهل يتأثر سلبا بعدم منحه هذا المصروف يقول الحداد:
– إن هذا الأمر شعيرة من الشعائر لدى الطفل في المدرسة، تتمثل في الفرحة والهرج والمرج والمرح واللعب والانطلاق والذهاب الى المقصف، ما يشعر الطفل بالمتعة. فذهابه إلى المقصف في المدرسة يسعده لأنه يستمتع بعملية الشراء، ليس بهدف الشراء نفسه، بل لانه يشعر أنه ليس أقل من زملائه وليس مختلفا عن الاخرين. وحرمانه من ذلك سيحرمه من ممارسة شعيرة من الشعائر التي يمارسها كغيره من الأطفال، وهو يرغب ألا يختلف عن الآخرين.
وفي الختام يشير الحداد إلى أنه على المدرسة والأسرة تعويد الطفل على المساهمة من مصروفه في عمل الخير والعمل التطوعي ليعتاد على مشاركة المجتمع في احتياجاته.  

السابق
14 آذار تُحضّر لإسقاط الحكومة قبل الانتخابات النيابية!
التالي
زهرمان: تسليم الحكومة نازحين لسورية يجعلها شريكة في الجرائم