ماذا لو انتصر بشّار الأسد؟

منذ بداية الثورة السوريّة، تلاحقت الأسئلة عن احتمال سقوط النظام السوري. معظم السياسيّين والمحلّلين أكّدوا أنّ سقوط الرئيس بشّار الأسد مسألة وقت، وأنّ الحسم متوقّف فقط على القرار الدولي، ومنهم من رأى أنّ قراراً كهذا لن يُتّخذ قبل احتفال الثورة بعامها الأوّل، ولكنّ السؤال الذي لم يخطُر لأحد هو: ماذا لو انتصر بشّار الأسد؟

مرّ الوقت واحتفلت الثورة الشهر الماضي بعامها الأوّل، وعلى رغم ذلك، فإنّ النظام لم يسقط، ويبدو انّه بات نوعاً ما اليوم في منأى عن السقوط، اقلّه في المدى المنظور، خصوصاً في ضوء ما يحكى عن تسويات دولية بدأت تتسرّب الى الاعلام وفق مقولة: "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم". إذ بدا من وجهة نظر الغرب، أنّ هذا النظام هو أفضل من نظام "إخواني" يستمدّ عقيدته من كتاب دينيّ يحرّض على محاربة الدولة اليهودية.

الإشتراكي
خصوم سوريا في لبنان يُجمعون على ان لا نظام قمعيّاً في العالم انتصر على شعبه، ويرون انّ الثورة السورية مستمرّة في الطريق الى الحرّية، وأنّ عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، لكنّ بعضهم يُسقط من حسبانه إمكان سقوط الأسد من عدمه.
وزير الاشغال العامّة والنقل غازي العريضي والقيادي الفاعل في الحزب التقدّمي الإشتراكي يكتفي بالقول لـ"الجمهورية": "لا يوجد شيء اسمه إنتصار على شعب".
لكنّ مفوّض الإعلام في الحزب رامي الريّس يؤكّد "أنّ دروس التاريخ علّمتنا أنّ حركة الشعوب يستحيل ان تعود الى الوراء، وأنّ الشعب السوري قرّر الخروج الى الحرّية، وبات يدرك انّ الاثمان التي يدفعها الآن ستبقى أدنى بكثير من عودته الى مرحلة ما قبل 15 آذار 2011"، أملاً في ان "يصمد الشعب السوري وينتصر في معركته وبعدها يكون لكلّ حادث حديث".
ويعلّق الريس على تخوّف قوى 14 آذار من ردّة فعل حلفاء سوريا اللبنانيّين في حال انتصار الاسد، مؤكّداً "أنّنا لم نخف يوماً من احد، وهناك حلفاء لسوريا في لبنان ينتمون الى قوى سياسية جدّية لها حضورها التمثيلي والسياسي الواسع ولا بدّ من اعادة بناء التفاهم الداخلي معها لحفظ الاستقرار والوحدة الوطنية، وهناك حلفاء يصنّفون في فئة الشبّيحة وقد لفظهم التاريخ، وبالتالي قلّما تستحقّ مواقفهم التعليق او الردّ عليها".

«حزب الله»
بيدَ أنّ لحلفاء النظام السوري نظرة موحّدة حيال الوضع السوريّ، فهم يعتبرون أنّ واشنطن لم تعد تعطي راهناً الاولوية لأحداث سوريا التي تبقى تفصيلاً صغيراً إزاء أولوية الانتخابات الاميركية التي باتت على الابواب، وبالتالي فإنّ الطامح الى الفوز فيها عليه أن لا يُغرق بلاده في وحول "بابا عمرو" أو "حماة" أو "درعا".
وفي هذا السياق تؤكّد مصادر "حزب الله" لـ"الجمهورية": "منذ بداية الاحداث السوريّة طالبنا بعدم المراهنة على سقوط النظام السوريّ، لأنّ أيّ تطوّر هناك، ومهما كانت نتيجته لن يغيّر في موازين القوّة وطبيعتها في لبنان، لأن لا علاقة لهذا الامر بطبيعة التكوين اللبناني". وتأمل هذا المصادر من فريق 14 آذار "ان يعود الى رشده بعيداً من الرهان على بعض الاطراف الخارجية، ولا سيّما منها الولايات المتحدة الاميركية التي اثبتت عدم صدقيتها حياله على مدى سنين، وعليه أن يفكّر بعقلية الساعي الى الاستقرار بعيداً من أيّ رهان خارجي". وتجزم بأنّه "عند إعلان الأسد انتصاره على المؤامرة، وهذا شيء مؤكّد لدينا، فإنّ "حزب الله" لن يتعاطى مع الفريق الآخر من منطلق الأقوى أو المنتصر"، مذكّرة بأنّ الحزب بعد انتهاء حرب تمّوز وانتصاره فيها على إسرائيل لم يخطر له منطق أو تفكير كهذا".

"المستقبل"
على أنّ لتيّار "المستقبل" قراءة تختلف عن "حزب الله"، ويقول النائب أحمد فتفت إنّ "مشروع الاسد قد هُزم، لأنّه كان يقول للصحافة العالمية إنّ شعبه لن يثور كونه يعتبر أنّ مجرّد رفع شعار الممانعة، يكفي لإلغاء الحرّيات والديموقراطية في سوريا". ويضيف: "نحن على اقتناع تامّ بأنّ الاوضاع لن تعود الى الوراء حتى ولو سجّل الاسد انتصاراً. ولكنّني أشكّ في القضاء على المقاومة الشعبية، لأنّه لم يحدث في التاريخ أنّ ديكتاتوراً تمكّن من القضاء على مقاومة شعبه، ولكنّ الدعم الإسرائيلي المتوافر للنظام مضافاً الى الدعم الروسي والصيني والسكوت الاميركي نتيجة الدعم الاسرائيلي، لن يمحو جرأة الشعب السوري الذي غيّر كثيراً في السياسة الحاكمة".
ولا يرى فتفت "أنّ لبنان معنيّ ببقاء الأسد أو رحيله، "فهذا قرار يتّخذه الشعب السوري وحده، وما يهمّنا هو بقاء العلاقات بين البلدين سليمة ومبنية على الاحترام المتبادل، لأنّ هناك خطوات اتّخذت في هذا السياق ولن يتمكّن احد من الرجوع عنها، وإذا عاود الاسد سيطرته على سوريا فإنّ غالبية الشعب اللبناني سترفض العودة الى عهد الوصاية"، ويقول: "أيّاً كان نوع الحكم في سوريا فأنّ العلاقة ستكون سياسية انطلاقاً من إيماننا بمصلحة لبنان أوّلا".
ويعتقد كثيرون أنّه سيكون لانتصار الاسد انعكاسان على لبنان، الاوّل إيجابيّ لمصلحة حلفائه، والثاني سلبيّ لخصومه، وفيما يبدو الحلفاء مرتاحين الى ما يجري حاليّاً من تفاوض دوليّ حول الوضع السوريّ، يشعر الخصوم في المقابل بخطر عليهم. ومن هنا يؤكّد فتفت أنّ "الأعمار بيد الله وليست في يد أيّ ديكتاتور كان، وأعتقد أنّ هذا التهويل هدفه القضاء على الحرّيات وعلى ثقافة الديموقراطية في لبنان، وبالتالي علينا الحذر والاتّعاظ آخذين بالحديث "إعقل وتوكّل"، من دون التواني أبداً عن اتّخاذ الموقف اللازم".
ويكشف فتفت أنّ "النائب نوّاف الموسوي قال ذات يوم في مؤتمر سان كلو للنائب أكرم شهيّب "أنّ حزب الله يعتبر نفسه الناظم الامني البديل عن النظام السوري في لبنان"، وهذا يعني أنّ الحزب يعتبر أنّه لا يحتاج إلى الانقلاب على أبناء وطنه لأنّه يسيطر على الأوضاع بقوّة سلاحه".
وعمّا يحكى عن خوف الرئيس سعد الحريري من العودة الى لبنان حاليّاً خوفاً على حياته، يجزم فتفت بأنّ "الحريري سيعود الى لبنان خلال الأسابيع المقبلة بعد أن يشفى من من إصابته في رجله". ويقول: "سواء سقط الأسد أو لم يسقط، فإنّ الحريري هو زعيم لبنانيّ وزعيم "المستقبل" الذي يمثّل أكبر تجمّع شعبي".
 
"القوات اللبنانية"
وبدورها "القوات اللبنانية" تسأل، حسب أحد نوّابها النائب انطوان زهرا: "هل يخوض الأسد حرباً ضدّ عدوّ لينتصر فيها أو يُهزم؟". ويقول زهرا "إنّ الاسد يواجه شعبه المطالب بالحرّية والديموقراطية، ولا يخوض حربا ضدّ عدوّ، وبالتالي هو، في احسن الحالات، يستطيع المبادرة الى إجراء الإصلاحات المطلوبة في نظامه، وبذلك ينتصر الشعب السوري"، مضيفاً: "أمّا خيار أن ينتصر الأسد على شعبه "كش برّا وبعيد"، فهو غير مطروح على الإطلاق"، معتبراً أنّ الاسد "ينازع شعبه بهدف استعادة شرعية لم يعد ممكناً انتزاعُها".
وعن احتمال بقاء الاسد في الحكم من خلال تسوية ما، يقول زهرا: "ليس في استطاعة أحد إعادة عقارب الساعة الى الوراء، فبعد سقوط آلاف القتلى وخروج مئات الآلاف من رافضي هذا النظام، لا يمكن إيجاد تسوية تعيد الأوضاع الى ما كانت عليه قبل تحرّك الشعب السوري"، مؤكّداً أنّه "عندما كانت سوريا تحكم لبنان مباشرة حسمنا خيارنا في الدفاع عن حرّيتنا وسيادتنا وبناء دولتنا، وفي تلك الأجواء لم نكن نخشاهم، فما الذي يمكن ان نخشاه اليوم؟".

حركة "أمل"
من جهتها، تؤكّد حركة "أمل" بلسان أحد نوّابها علي خريس أنّ "الموضوع لا يُدرج في خانة الانتصار أو عدمه، بل يتعدّاه"، ويؤكّد انّ العمليات العسكرية اصبحت منتهية في الميدان، امّا العامل الامني فيحتاج الى بعض الوقت". ويرى انّ "مواقف الغرب الحادة من النظام ولا سيّما منها الاميركي قد تراجعت بوتيرة مرتفعة جدّاً، وفي حال مرّ هذا "القطوع"، وهذا ما سيحصل، ينعقد حوار جدّي بين السوريّين انفسهم للاتّفاق على الإصلاحات المنويّ إجراؤها". ويشدّد على "أنّنا لا نستقوي على الاطلاق، واختلاف الرأي بيننا كقوى لبنانيّة لا يمنعنا من التحاور لأنّ حكم الفريق الواحد لم يعد له مكان في العالم".
ويجزم خريس بأنّ "التشفّي أمر لا يمكن ان يحصل، خصوصاً من جهتهنا، لأنّنا ننظر الى الفريق الآخر على انّه شريك في الوطن ولا نستطيع العيش إلّا من خلال هذا الخليط القائم في الجسم اللبناني"، متوجّهاً الى الفريق الآخر قائلاً: "نحن وإيّاكم في سفينة واحدة ما يصيبكم يصيبنا".
ويؤكّد أنّ "اللغة المقبلة ستسودها المحبّة والعمل من اجل بناء وطننا فقط، ودعوتنا هي ان تكون لغة التخاطب عقلانية لا متهوّرة ومتدهورة لئلّا ينعكس هذا على الشارع، وندعو للمراهنة على وحدتنا وعدم الاتّكال على بعض الدول أو الانظمة".
ويرفض خريس مقولة "الفريق الآخر" بأنّ إلغاء المادة المتعلقة بحزب البعث من الدستور السوري هو انكسار للاسد، ويرى فيه "انتصاراً للنظام وتطوّراً لأن لا شيء يبقى على حاله، وأيّ نظام في هذا العالم يحتاج الى تطوير وتعديل"، مشيراً إلى أنّ الاسد مقتنع بالاصلاحات التي يجريها".
ويختم: "سوريا ليست كمصر أو تونس أو حتى ليبيا، ولو كانت كذلك لكان الامر انتهى منذ زمن، وهذا النظام باقٍ، بدليل التبدّل في الموقف الدولي وثبات الموقفين الروسي والصيني".

الكتائب
ومن جهته، حزب الكتائب يرى أن "لا أحد يعلم في الغيب إن كان الأسد سينتصر أم لا، مع العلم أنّ تعديل الدستور، خصوصا المادة المتعلقة بحزب البعث منه هو بحدّ ذاته انكسار لنظام الأسد، وعلى السوريّين ان يناضلوا من اجل الدولة التي يريدونها".
ويقول عضو كتلة "الكتائب" النائب سامر سعادة: "إنّ الخطر على حياتنا لم ينتهِ أصلاً، ومن يعمل في الشأن العام ويُرِد وطناً بكلّ معنى الكلمة، لا بدّ ان يتحمّل المخاطر الناجمة عن حبّ الوطن، والسؤال عن أمننا الشخصيّ ليس مطروحاً لأنّنا ومنذ تأسيس الحزب، وضعنا حياتنا فداء لهذا الوطن".
ويلفت سعادة الى أنّ "على الشعب السوري وحده اختيار أيّ نظام يريد، ودورنا اأن ندعم هذا الخيار من دون تدخّل في شؤون الغير، وكحزب لم ندخل في جدليّة أو رهان على بقاء هذا النظام من عدمه، ولا أحد يستطيع التكهّن بما إذا كان الاسد سيسقط أم لا"، مشيراً الى انّ "كلّ ما يهمّنا هو عدم إهراق مزيد من الدماء على ايدي النظام".
أمّا بالنسبة الى حلفاء سوريا في الداخل والخوف من تحرّك ما ضدّ خصومهم، فيؤكّد سعادة أنّ "عمر الخلاف معهم، وتحديداً مع "حزب الله" يعود الى ما قبل الثورة السوريّة، مع إيماننا بأنّ الحزب هو جزء اساسي من الوطن، الامر هذا يتطلب منهم أن يفكّروا ويقرّروا كيف يريدون العيش معنا في البلد، فالكرة في ملعبهم لا في ملعبنا".
وعن مستقبل النظام السوري، يقول سعادة: "نحن منذ بدء الحراك تمهّلنا لمعرفة البديل، ولا يعنينا إن حَكم "الإخوان المسلمون" أو غيرهم، فكلّ ما يهمّنا هو شكل العلاقة التي ستسود بين لبنان وسوريا، لأنّ مشكلتنا مع النظام تكمن في طريقة تعاطيه معنا لا أكثر ولا أقل". 

السابق
يدا خفية ! !
التالي
عودة الروح.. إلى قانون 1960