سورية في طريق الحل الوطني للأزمة

انتقال الحرب على سورية إلى مرحلة التفاوض عبر المبعوث الأممي كوفي انان كرس اعتراف الولايات المتحدة الأميركية ومعها الدول الغربية بالفشل، بعدما شنت هجوما شاملا لتدمير القوة السورية، عبر أدوات التدخل غير المباشر. وقد تحقق ذلك الفشل أمام صمود سورية شعبا ودولة وقيادة، وبات العالم اليوم أمام مرحلة جديدة من الصراع بين سورية وحلفائها من جهة وحلف الحرب والعدوان من جهة أخرى، وهذا الصراع يتصل بمضمون الحل المقترح للأزمة السورية.

أولا: الرؤية التي عرضها الرئيس بشار الأسد والأجوبة التي أبلغتها الدولة السورية إلى كوفي انان تنطوي على خطة وطنية شاملة لإنهاء الأزمة وهي تدخل الدول الغربية وعملاءها في المنطقة في اختبار النوايا بصورة واضحة.

1 – رفضت سورية كل كلام عن وقف للنار يكرّس الاعتراف بسيطرة العصابات المسلحة على جزء من الجغرافيا السورية، ويمهد بالتالي لقيام خطوط تماس هي مقدمة خطة للتقسيم والتصميم السوري على هذا المبدأ لا مجال لكسره أو للنيل منه، فهو ينطلق من مبدأ سيادي حاسم لا تفريط به، والمطلوب من العصابات المسلحة أن تلقي السلاح وان تنكفئ كمقدمة لأي وقف نار جدي ينهي دورة العنف.

2 – من ضمن عملية وقف النار في سورية ترى الدولة السورية أن على الغرب أن يلزم أدواته في المنطقة ويقدم الضمانة بذلك الإلزام لمنع قطر والسعودية وتركيا وليبيا، من مواصلة تهريب السلاح والأموال إلى سورية، وهو إلزام لا بد منه إذا كان المطلوب حل الأزمة ووقف العمليات القتالية الدائرة. لا بل إن من حق سورية طلب التعاون في مكافحة الإرهابيين عبر تقديم المعلومات والوثائق للدولة السورية، بما يخدم تفكيك الشبكات التي أقامها حلف العدوان وعملاؤه.

3 – تتمسك الدولة الوطنية السورية بحقها الكلي المبدئي والعملي في فرض سيطرتها التامة على جميع الأراضي السورية بواسطة مؤسستها العسكرية والأمنية الوطنية.

ثانيا: إن مهمة كوفي أنان لدى الدول الغربية وكل من السعودية وقطر وتركيا و ليبيا، هي طلب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالكف عن تهريب الأسلحة والأموال إلى سورية، وبوقف الحملات التحريضية الفالتة التي يشنها إعلام الدول الثلاث وما تملكه أو تستأجره من الوسائل الإعلامية اللبنانية والعربية والدولية من أجل تصعيد العنف على الأراضي السورية.
بعد التراجع الأميركي عن أوهام نقل حروب التدخل إلى سورية يستمر السعار القطري والسعودي وتواصل حكومة الوهم العثماني الترويج لفكرة المنطقة العازلة، والموقف السوري الوطني واضح جدا وحازم جدا في هذا المجال، فكل حركة عسكرية على خط الحدود الوطنية لسورية، ستعامل كعدوان على السيادة، وبالتالي على الغرب وعملائه أن يتصرفوا إزاء ذلك على قاعدة أن حربا كبرى ستقوم في المنطقة، وأن "إسرائيل" ستكون ضحيتها الأولى، فالجيش السوري والشعب السوري في ذروة التأهب دفاعا عن الوطن، وكل تحرك تركي بالذات سيعامل على أنه رأس جسر للعدوان على سورية.

أنان معني بنقل هذه الرسالة إلى كل من يلزم، وقد سبق أن نقلها الروس إلى الأميركيين والفرنسيين، الذين يرددون في الكواليس أن أي مغامرة أو طيش في التورط بعمل عسكري ضد سورية سينذر بحرب عالمية لا طاقة للغرب على شنها، ناهيك عن حمل تبعاتها.

ثالثا: بات بحكم الواضح أن الضغوط والتهديدات والصراخ السياسي الجارية بشأن الوضع السوري، لها هدف مركزي وهو لي ذراع الدولة السورية، بفرض الحوار مع عصابة الأخوان المسلمين التي أخذت بالنصيحة الأميركية لتلميع صورتها من خلال الوثيقة التي أعلنت قبل أيام قليلة باسم الأخوان، بينما تعتبر الدولة الوطنية السورية أن القوى المعارضة المهيأة للحوار هي القوى الوطنية التي رفضت التدخل الأجنبي ورفضت الاحتكام إلى السلاح، وهذا يشمل جميع قوى المعارضة الوطنية الداخلية وبعض الرموز والمجموعات في الخارج التي باشرت الدولة السورية التواصل معها، ودخلت على خط التفاعل مع قادتها كل من روسيا والصين تمهيدا للحوار. وفي هذا السياق، يأتي طلب مجلس الشعب السوري إرجاء الانتخابات التشريعية، بهدف إفساح المجال أمام القوى التي ستشارك في الحوار، لخوض المنافسة في صناديق الاقتراع. أما "مجلس اسطنبول" المتورط في الإرهاب وفي العمالة للأجنبي فلا مكان له على طاولة الحوار.

رابعا: الهزيمة المدوية التي أصيبت بها العصابات الإرهابية، تولد المزيد من التفاعلات في صفوف "مجلس اسطنبول"، عبر الانشقاقات وعمليات الانسحاب الجماعية المتلاحقة. والحديث التركي عن توحيد المعارضة يقصد به ترميم "مجلس اسطنبول" كواجهة سياسية، فالمعارضة الوطنية أعلنت وبشكل صريح رفضها لتلك الدعوات التي وجهت أخيرا، والتي اعتبرتها هيئة الإنقاذ الوطني بمثابة الصدى لإملاءات خارجية مرفوضة.

تتقدم الدولة الوطنية في عملية تحرير معاقل العصابات، وتنتقل المعركة على الأرض إلى مرحلة جديدة هي تطهير الجيوب، ومن بعدها ستكون الحلقة الأساسية في فرض الأمن والاستقرار من خلال تصفية الفلول والهاربين في جميع المناطق التي حررتها الدولة من الفوضى والإرهاب.

الكثير من المسلحين يبادرون إلى تسليم أنفسهم بعد إلقاء السلاح، والأهالي في محافظات درعا وحمص وإدلب وحماه ودير الزور التي شهدت مجازر وجرائم عصابات التمرد والإرهاب يتعاونون مع الدولة في مطاردة الفلول وتصفية الجيوب الباقية على الأرض، وهذا المسار هو المؤشر العملي لدنو لحظة إعلان انتصار الدولة السورية بلا منازع.

مهمة انان تواجه اختبارها الصعب مع بقايا الأوهام العثمانية والخليجية حول الوضع السوري، والضغوط لن تفلح في معاندة الإرادة الوطنية السورية، بينما طريق الحل السياسي بين الدولة والمعارضة الوطنية بات واضح المعالم: حوار فانتخابات فحكومة شراكة وطنية، ستكون مهمتها مداواة الجراح واحتواء آثار المحنة والنهوض بالقوة السورية في المنطقة وفي العالم، بعدما أثبتت سورية أنها مفتاح جميع المعادلات الإقليمية والدولية، وبعدما أثبت الرئيس بشار الأسد صواب خياراته في التحالفات الدولية والإقليمية التي تبينت فاعليتها في تعزيز حصانة الموقع السوري، ويعبر هذا القائد العربي التحرري بذلك عن خيار المقاومة والاستقلال الذي جدد السوريون انتماءهم إليه وثقتهم بصوابه على امتداد سنة كاملة.

السابق
مع وثيقة الأخوان وضد وثيقة الحزب
التالي
بعد نشوة إسقاط النظام!