سورية.. سقوط المهل

إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن عودة سفيرها لدى دمشق الى مركز عمله في العاصمة السورية، مترافقا مع حديث وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن أن "الإصلاحات في سورية ليست مبرراً كافيا لتغيير النظام"، إنما عبّر عن انعطافة ملحوظة في الموقف الأميركي تجاه الأحداث في سورية، بعدما لمست الإدارة في واشنطن، أن مهمة "إسقاط النظام" باتت صعبة جداً، في ظل ما أبدته الحكومة السورية من تماسك وقدرة، أولاً من خلال أدائها على المستويين السياسي والإصلاحي، وثانياً، لجهة السيطرة على الملف الأمني، من خلال وحدات الجيش العاملة على الأرض، وتحديدا في حمص التي انحصرت فيها الأحداث، من الناحية العملية.

وفي هذا السياق، تشير مصادر مواكبة لسير الأحداث في سورية، الى أن التوتر انحصر في مدينة حمص ومنطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب، وهو الأمر الذي تراقبه الدوائر السياسية والأمنية في بعض العواصم الضالعة في المؤامرة على سورية، لتعرف من خلاله أن قدرة الجماعات المسلحة صارت معدومة لجهة إحداث خرق يعتد به من أجل تحقيق ولو جزء بسيط مما تتوخاه تلك الدول، عدا عن انها لا تستطيع فرض ابسط الشروط. وهو ما ظهر من خلال ما طرحته المبادرة العربية على "حلقات" لا يستشف منها سوى ما شعرت به جماعة الجامعة العربية من إحباط حيال ما اعتبرته عصا غليظة بدأت تضرب بها سورية وحكومتها.

في حين لم تفلح الجامعة في فرض قراراتها على دمشق ولا على أي مستوى من المستويات التي بلغتها وآخرها فرض العقوبات الإقتصادية التي بدأت آثارها تظهر في أكثر من دولة عربية ناهيك عما تواجهه تركيا قبل ولوجها الى سورية، فإن الحائط المسدود قد دفع بالولايات المتحدة الى اعادة النظر في موقفها بعد سقوط المهل العربية، والتي تتزامن مع وضع اللمسات الأخيرة على تنفيذ إنسحاب القوات الأميركية من العراق، إضافة الى فشل فرنسا في تحقيق ما تعهدت به لجهة "تولي" أمر سورية بعد زهوها بانتصارها على معمر القذافي في ليبيا، واقناع الأميركيين بأن باريس قادرة على تسلم الملف والوصول به الى النهايات السعيدة. لكن الحظ لم يحالفها حتى الآن كما أن وزير خارجيتها "غير المخضرم" بحسب ما تصفه دوائر الخارجية الأميركية لم يفلح في لعب دوره، كما في الحرب على ليبيا التي أوحت للحلفاء الأوروبيين بأنهم قادرون على تكرار التجربة في مكان آخر.
 يُذكر في هذا الصدد أن التنسيق الذي تولته العاصمة الفرنسية مع الجامعة العربية أفضى الى دور قطري بمباركة سعودية كانت باريس تأمل منه خيرا. في حين أن التحرك العربي يرفع عبء المتابعة عن الفرنسيين والبريطانيين بعد شعورهما بأن خطوتهما تجاه سورية لن تصل الى غاياتها المنشودة، لا سيما بعد فشل جهود التحشيد الدولي الذي أحبطته كل من روسيا والصين، كما فشلت الجهود بعد ذلك في تجميع المعارضات السورية إن عن طريق الدبلوماسية الأوروبية، أو عبر الجامعة العربية، التي اجتمعت مع 23 فصيلاً سورياً معارضا من دون التوصل الى رؤية مشتركة حول طريقة التعاطي مع الأزمة.

كل عناصر الفشل هذه، دفعت بالولايات المتحدة الى توجيه اللوم الى فرنسا على أدائها عبر العديد من المراسلات، وهو ما حتّم على الإدارة في واشنطن أن تشق طريقاً مختلفة هي تحتاجها بالفعل في الوقت الراهن، انطلاقا من قناعتها بأن استقرار سورية يشكل عامل الإستقرار الأساسي في المنطقة، التي تضم مجموعة من المصالح الحيوية الأميركية، بغضِ النظر عن الإختلافات في التوجه السياسي.

الجري الأميركي "المحموم" باتجاه تحقيق هدف "إسقاط النظام" في سورية، قبل انهاء الإنسحاب من العراق، يبدو أنه غير منطقي، بعد انقضاء أكثر من تسعة أشهر. فما لم يتحقّق طيلة هذه الفترة، لا يمكن أن يتحقق في ما تبقى من وقت حتى نهاية العام، موعد خروج آخر جندي أميركي من العراق، ذلك أن محاولات الولايات المتحدة للمحافظة على وجود للقوات بأي صيغة، لم تتوقف مع العراقيين الذين "التزموا" سياسة النأي ببلدهم عن محور "الفورات" العربية التي لم تتبلور ثوراتها حتى الآن.
سقطت كل المهل التي منحت الى سورية بسبب القصور، من دون نتائج، ما يوجب على المانحين الإتعاظ والحذر من مغبة المتابعة، بعد سلسلة إجرءات "الردع" السورية".. على امتداد المنطقة.  

السابق
الدور التركي…والمتغيرات الإقليمية
التالي
ارتدادات سلبية !؟