الحريري متحرراً يوازن بين الموقف والسلم

بدا رئيس الوزراء السابق سعد الحريري في اطلالته المعارضة مرتاحا بعدما تخلص من أوزار التزام السرية والمسؤولية اللتين حتمتا عليه التصرف في المرحلة السابقة على نحو سجل كثر عليه، وخصوصا من المؤيدين لتياره ولقوى 14 آذار، السكوت عن الكثير مما كان يسرّب وينشر ويلحق به الاذى الشخصي والمعنوي في الوقت الذي كان كل ذلك يتسبب باحباط شديد لهؤلاء المؤيدين.

والكثير من الكلام الذي قاله اخيرا كان يتعين عليه قوله منذ زمن بعيد باعتبار ان هذا التوازن السياسي كان ضروريا حين كان لا يزال في رئاسة الحكومة إذ بدا، ولو على استمرار تمسكه بالمحكمة الخاصة بلبنان، اكثر ضعفا وهو يفاوض على مؤتمر للمصالحة والمسامحة كان سيصب في مصلحة لبنان والفريق الآخر اكثر مما يصب في مصلحته الشخصية ومصلحة فريقه. لكن بعدما رفض الفريق الآخر مسعى المصالحة بات اكثر تحررا وحازما من دون ان يكون عالي النبرة، كما انه تخلص من التوتر الذي احدثه ما حصل من سيناريوات اخرجته من رئاسة الحكومة، فعرف كيف يجد توازنا بين التعبير عن شدة الموقف والابتعاد عن كل أشكال التهديد او التلويح بالعنف، علما انه باعترافه ليس راغبا ولا قادرا على هذا الامر، لكن يبقى مهما دوماً تأكيد ذلك في السياق السياسي في لبنان بالاضافة الى إعلانه التمسك بمصالح لبنان الاقتصادية في الخارج والدفاع عنها وعدم السماح بالمساس بها في حمأة الصراع السياسي. وهو أمر بالغ الاهمية من أجل تأكيد أهمية المعارضة وعدم وصفها بـ"التخريبية " كما ذهب البعض، ولذلك بدا لمراقبين كثر ان الحريري يقف على أرض صلبة اكثر من السابق من خلال تحديد نقاط عدة في الصراع السياسي القائم على خط الحكومة الجديدة والمعارضة :

أولا الموقف من المحكمة الخاصة بلبنان. فما حصل قد حصل ولا مساومة عليها ولا يمكن الامور ان تعود الى الوراء بعد صدور القرار الاتهامي رغم محاولات استمرت اكثر من سنتين لتأجيله، في انتظار تسوية كان يعد لها من اجل ان تستوعب التداعيات المحتملة. واصراره على التمسك بها ثابت وكما يجب ان يكون بالنسبة الى كثر مما يجعل من الصعب على الحكومة او اي كان العودة الى الاستشهاد بجهوده التصالحية السابقة من اجل عدم مواصلة التعاون في موضوع المحكمة على ما كان سرى ابان تأليف الحكومة. فهو أوصد الباب بذلك على التنازلات التي قيل إنه قدمها باعتباره وحده صاحب الحق في ان يقدم ما قدمه وقد سقطت حين أسقط الطرف الآخر التسوية.

ثانيا، الموقف المؤيد للحوار لكن مشروطا باخراج هذا الاخير من الاطار الذي كان يدور فيه على المستوى الثنائي ومن محاولات التوظيف واستغلال التسريب في سياق الاستفادة من حسن النيات او قلة التجربة السياسية التي اخذها عليه خصومه من أجل النيل منه واطاحته من رئاسة الحكومة، مما يعني بالنسبة الى كثر خروج الحريري الى مرحلة اخرى ادرك معالمها من تجربته السياسية القصيرة التي اكتوى بنارها .

ثالثا، الموقف من سوريا والتطورات الدرامية التي تشهدها. وموقعه خارج الحكومة حرره وأتاح له ان يقول ما كان يمتنع عن قوله وهو في المسؤولية. وقد قدم مقاربة مهمة للوضع في سوريا لا يمكن ان يؤخذ عليه فيها اي مأخذ من حيث التعبير عن تعاطفه مع الشعب السوري ومطالبه، من دون ان يظهر او يبدي اي استعداد للتدخل في الشأن السوري. وهو موقف يرى كثر انه بات ملحا وضروريا في ظل موقف غير طبيعي للبنان مما يجري في دولة مجاورة وشقيقة، علما ان النائب وليد جنبلاط قد يكون وحده بين المسؤولين اللبنانيين من عبّر عن موقف متمايز مما يجري في سوريا.

رابعا، الموقف من السلاح وما احدثه من تغيرات سياسية في الداخل بما قد يفتح المجال امام تساؤلات اساسية في المرحلة المقبلة عن طريقة اجراء الانتخابات النيابية بوجود هذا السلاح، باعتبار اي جدوى ستكون لانتخابات يمكن قلب نتائجها به في حال أتت غير مؤاتية لاصحاب السلاح او ربما التلويح به من أجل الحصول على الاكثرية. وهي رسالة وجهها الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الاساس كما الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قبل الافرقاء الآخرين .

إلا ان هذه المواقف على اهميتها للمعارضة في هذا الوقت، ومع انطلاق عمل الحكومة الجديدة، لن تكون كافية كبرنامج عمل لقوى 14 اذار. فهناك الكثير مما ستقدمه الحكومة سيشكل وقودا لمعركة المعارضة، علما ان الحكومة تبدو منشغلة في الوقت نفسه بالاستعداد للتنصل او التخفيف من الاعباء برمي المسؤولية على من سبقها وفق ما استهل وزراء اعمالهم في وزاراتهم. وحتى الآن كان هناك اعلان نيات من الجانبين، لكن المعارضة تحتاج الى اكثر من اعلان نيات واكثر من التمسك بشعارين اساسيين هما المعركة ضد السلاح والثبات على المحكمة الخاصة بلبنان، وخصوصا انه سبق الاعلان عن حكومة ظل ستراقب اداء الحكومة عن كثب بحيث يفترض وضع ذلك موضع التنفيذ سريعا.

السابق
الموسوي: مذكرات التوقيف لن تحرج الحكومة
التالي
أمل تمنع عبدالله في البابلية