اسرائيل تقسم الشعب اليهودي

في حزيران ( يونيو)الماضي أثار بيتر باينرت عاصفة هوجاء عندما نشر مقالة أشارت الى الاغتراب الكبير عن دولة اسرائيل الذي يشعر به الجيل الشاب من يهود الولايات المتحدة. مرت سنة وحان وقت الفحص من جديد، ومن سوء الحظ ان الوضع أصبح اسوأ بكثير.

في رحلاتي الى اوروبا أتحدث كثيرا أمام جمهور يهودي، لكنني أتحدث ايضا أمام غير يهود، يشعرون بعطف عميق على اسرائيل. وهم يعبرون علنا عن ألمهم وضيقهم ويريدون أن يفهموا ما الذي حدث لاسرائيل. انهم يريدون الوقوف الى جانبها بقوة لكن ذلك أخذ يزداد صعوبة.

اسئلتهم سهلة، هم يعلمون أن اسرائيل في أحد الأحياء الأكثر اشكالا في العالم. ليست عندهم أوهام بالنسبة للنظام الايراني أو حزب الله وهم يعرفون ميثاق حماس. لكنهم لا يفهمون كيف يتصل كل هذا بسياسة الاستيطان الاسرائيلية ومصادرة أملاك فلسطينية في القدس والخطاب العنصري ليهود القدس. وهم يشعرون بأنه لم تعد عندهم دعاوى للدفاع عن اسرائيل.

لم تكن في اسرائيل قط حكومة عملت على هذا النحو من الفظاظة مخالفة قيم الديمقراطية الليبرالية الأساسية. ولم تُجز الكنيست قط قوانين عنصرية فظة الى هذه الدرجة كهذه الكنيست الحالية. كان في اسرائيل وزراء خارجية لم يعرفوا اللغة الانكليزية لكن لم يكن فيها قط وزير خارجية هدفه الوحيد أن يرضي ناخبيه اليمينيين بالاستخفاف بالقانون الدولي وبفكرة حقوق الانسان مع الاستمتاع الشديد بذلك. ولم تكن قط كذلك حكومة عمياء الى هذه الدرجة عن علاقتها بيهود العالم. فهذه الحكومة تُجيز قوانين تزيد في قوة القبضة الخانقة للمؤسسة الارثوذكسية على المؤسسات الدينية وعلى الحياة الشخصية، وتتجاهل أن 85 في المئة من يهود العالم ليسوا من الارثوذكس، وتلغي هويتهم اليهودية ومؤسساتهم. ومن نتيجة ذلك أن أكثر اليهود في العالم يشعرون بأن اسرائيل غير مكترثة بقيمهم وهويتهم.
تزعم المؤسسة الارثوذكسية في اسرائيل أن احتكارها للتهويد وقوانين الزواج يمنع الانقسام في الشعب اليهودي.
لكن العكس الكامل هو الصحيح. فهذه عنصرية تزداد في اسرائيل لا توجه على مواطنيها العرب فقط بل على شباب اثيوبيين لا يُقبلون للدراسة في مدارس في بيتح تكفا وفتيات من اليهود الشرقيين لا يُسمح لهن بالدراسة في مدارس حريدية في عمانوئيل.

هذه عنصرية يرفض أكثر اليهود أن يُماهوها. هذا هو الحلف الدنِس بين القومية والارثوذكسية الذي يقسم الشعب اليهودي.
تلتزم الكثرة الغالبة من يهود امريكا واوروبا قيما كونية. وليس هذا الالتزام جنونا عابرا أو محاولة الظهور بمظهر الموضة أو السلامة السياسية.

هذا هو الاستنتاج الأساسي الذي يستنتجه أكثر اليهود من التاريخ اليهودي لانه بعد كل ما حدث لنا لا يجوز لنا نحن اليهود أن نُمكّن من اخلال ما لحقوق الانسان العامة. لهذا كان ليهود الولايات المتحدة جزء مركزي في حركة حقوق المواطن ولهذا لن ينسى يهود اوروبا أبدا أن ليبراليين كونيين وقفوا الى جانب الفريد درايفوس.
لا يفهم أكثر اليهود في العالم ببساطة كيف نستطيع نحن الذين عانينا تمييزا عنصريا ودينيا أن نتحدث بلغة ونؤمن بأفكار كما قال الفائز بجائزة اسرائيل ومؤرخ الفاشية زئيف شترنهل ظهرت في الغرب آخر مرة في اسبانيا فرانكو. يرى أكثر اليهود في العالم انه لا يجوز لليهود المس بالمساواة بين أبناء البشر جميعا أمام القانون وبحقوقهم المقدسة. اذا كان الامر كذلك فكيف يستطيعون تأييد دولة تدفع أجورا لحاخامين يزعمون أن قداسة حياة اليهود تزيد على قداسة حياة الأغيار، وأنه لا يجوز ايجار العرب أملاكا؟.

أحاول أن أتذكر في لحظات اليأس أن انحراف اسرائيل نحو اليمين يبعثه الخوف والبلبلة اللذان يشجعان ساسة يتعلق تمسكهم بالحكم بخوف مواطني اسرائيل. لانه لا يمكن ببساطة أن تتدهور الدولة التي كان يفترض ألا تكون فقط وطن اليهود بل منارة اخلاقية، الى هذه الظلامية.

أحاول ان أتذكر أن هذه الفترات المظلمة لا تُعبر عن النوعية البشرية للأمة كلها. تخلصت دول كاسبانيا والبرتغال واليونان من عصور مظلمة وانضمت الى العالم الحر وما تزال اسرائيل ديمقراطية برغم رياح القومية التي تسوق اسرائيل.
أشعر احيانا مثل أكثر اليهود كما يبدو الذين يلتزمون الليبرالية والقيم الكونية بأنني أعيش في كابوس وأنني عندما استيقظ ستصبح رؤيا هرتسل عن دولة يهودية، تلتزم قيم الليبرالية الجوهرية، واقعا.

السابق
فرنسية تتزوج خطيبها الميت منذ سنتين
التالي
تقي الدين: هناك مؤامرة تحاك ضد سوريا والمقاومة معا من خلال عقوبات اقتصادية سيتم فرضها على لبنان وسوريا