لماذا لن تُصبح سوريا “ليبيا أخرى”؟

إذا سَلكت المواجهة السورية بين نظام الرئيس بشار الأسد ومناهضيه المَنحى نفسه الذي اتّخذه الصراع الليبي ضدّ معمر القذافي، فقد يكون آن الأوان لتصبح منطقة الحظر الجوي المفروضة من الأمم المتحدة مسألة ملحّة، بعدما أعلنت السلطات السورية أن جماعات مسلّحة هاجمت عددا من الدوائر الحكومية في مدينة جسر الشغور، شمالي غرب البلاد، بالمدافع الرشّاشة والقنابل اليدوية، ما أسفرَ عن مصرع 40 عنصرا من قوى الأمن السورية، وما لبث أن ارتفع هذا العدد سريعا ليصل إلى 120 عنصرا، حسب ما أفاد التلفزيون السوري الرسمي.

في الواقع، لا يمكن التأكّد من هذا العدد، في حين استُبعدت وسائل الإعلام الأجنبية كليّا عن الأحداث. ولكن، حتى لو اعتبر ذلك مجرّد افتراء، إلا أنه يبعث بالرسالة القاسية نفسها: أحد الوزراء السوريين حذّر من أن النظام سيردّ "بحزم وقوة" (على هذا الاعتداء)، في حين أن التلفزيون الرسمي مرّر تقريرا يُظهر امرأة تزعم أنها تختبئ في أحد مباني المدينة من مسلحين منتشرين، ناشدوا السلطات إرسال طائرات لقَصف المدينة.

وفي هذا السياق، ذكر أنصار المعارضة أن أحداث يوم الاثنين أعقبت أياما عدة من الاشتباكات في المدينة، في الوقت الذي زعم البعض الآخر أن حجم العنف يدلّ إلى تمرّد بعض قوى النظام في المدينة، وهذه أيضا مَقولة لم يتمّ التحقّق منها.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن تمرّدا مماثلا في العام 1980، وفي المدينة نفسها، قد سَحق عشرات القتلى، في حين أنه في العام 1982، أطلق الرئيس الراحل حافظ الأسد القوة الجوية والمدفعية لسَحق "التمرد الإسلامي" في مدينة حماة المجاورة، ما أدّى إلى تدمير المدينة ومصرع بين 000 10 و000 20 شخص. وبالتالي، عندما تتحدّث السلطات السورية عن عدد القتلى على أيدي تمرّد مسلح، فذلك يبدو كأنه إنذار بتحضير لعملية عسكرية، قد تهدّد حياة الكثير من المدنيين في جسر الشاغور.

علاوة على ذلك، ظهرت مؤشرات متزايدة، خلال الأسابيع الأخيرة، على أن حملة العنف التي مارستها القوى المسلحة لقَمع العصيان المدني، أدّت إلى ردّ عنيف من قبل بعض أنصار المعارضة، تماما كما حصل في ليبيا.

وعلى رغم ما أشارت إليه منظمات حقوق الإنسان بأنها أحصَت ما يزيد عن 1000 قتيل حتى الآن، وعلى رغم التوقع بأن تتحوّل جسر الشاغور إلى حمام دم، إلا أن مجلس الأمن في الأمم المتحدة لم يعقد أي جلسة للبحث في خطوة عسكرية، تهدف إلى ثَني الأسد عن إطلاق العَنان لقواته العسكرية داخل المدن المتمردة. فالقوى الغربية فرضت بعض العقوبات الجديدة، غير أنها امتنعت حتى الى دعوة الأسد للتنَحّي، وحضّته على نشر الديمقراطية في بلاده، أو الابتعاد عن الطريق.

في الحقيقة، إن الأسباب وراء هذا الامتناع – وتردّد جزء أساسي من السكان السوريين في الانضمام إلى التمرّد- لا تكمن في أن نظام الأسد هو، من الناحية الاستراتيجية، "أكبر من أن يفشل"، بقدر ما هو الخوف من عواقب سقوطه. إلا أن هذا الحذر يرتبط أكثر فأكثر، بمدى الوحشية التي ستتّسم بها هذه الحملة.

ومن المؤكّد أن هناك مكاسب استراتيجية على المدى القصير للولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية في رؤية سقوط النظام، العمود الفقري لإيران، التي تقود "محور المُمانعة" في بلاد الشام، من خلال تسليح "حزب الله" في لبنان وتأمين مقرّ لحركة "حماس". ولكن الخوف يبقى في أنه إذا انهار النظام السوري على أثر مواجهة عنيفة، فستخلِفه على الأرجح جماعة "الإخوان المسلمين"، الأمر الذي قد يكبَح تحرّك كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والسعودية. فقد يكون هؤلاء لا يحبّون الأسد، غير أنه، بالنسبة إليهم، نموذج للشيطان الذي أصبحوا يعرفونه، وهو رجل يمكن التنبّؤ بعاداته، وبالتالي، يفترض أن يشكّل حصنا لنوع من الاستقرار.

ولا بد من الإشارة إلى الحسابات الطائفية والسياسية داخل سوريا، التي اصطفّت أقليّاتها العلوية والمسيحية إلى حد كبير خلف نظامها، حتى نخب المدن من الغالبية العربية السنية التي تشكّل الجزء الأكبر من التمرّد المتناقض. وهذا ما سمح، إلى حد كبير، بتحييد المدن الرئيسية، أي دمشق وحلب، عن موجة الانتفاضات. ومن الواضح أن النظام لا يزال يتمتّع بقاعدته الاجتماعية، والانتفاضة لم تستطع أن تضمّ كل الشعب إلى أحضانها.

في الواقع، قد يكون النظام السوري، من خلال إجراءاته، يشجّع بشكل فعّال على المقاومة المسلّحة، حتى أنه قد يكون بصدد تضخيم حجمها، ليقدّم نفسه على أنه ضامن الاستقرار مقابل الفوضى. وتاليا، قد تدفع المواجهة المسلحة بعناصر المعارضة الأكثر تطرفا إلى الظهور، كما أنها سترجّح الكفّة بشكل كبير لصالح المتشدّدين.

وخلافا للقذافي، الذي يكاد يكون منبوذا من كلّ الحكومات الأجنبية، فإن الأسد لا يزال يتمتّع بما يكفي من الدعم الجيوـ سياسي لمنع مجلس الأمن من اتّخاذ أي إجراء ضدّه، حتى ولو كانت القوى الغربية تميل إلى إقالته، (إلا أنها حاليا لم تفعل ذلك). وفي الوقت الذي كانت مصر، جارة المعارضة الليبية، على استعداد لتسهيل حصول هذه الأخيرة على الأسلحة، وفي الوقت الذي كانت قطر على استعداد لشراء أسلحة مضادة للدبابات، والقوات الجوية الأوروبية على استعداد لاستمالة ساحة المعركة لصالح المعارضة، أصبح من غير المرجّح أن تدعم أي دولة تمرّدا عسكريا في سوريا. ومع ذلك، فإن المتمردين في سوريا سيحصلون على الكثير من الدعم والسلاح من المجموعات السنية المسلحة في العراق، ومن حلفائهم في لبنان المجاور.

ومن جهة ثانية، فإن المرارة التي ولّدها عنف النظام نفسه، أغلقت بالفعل الأبواب أمام النظام لتطبيق الإصلاح كطريق لاستعادة الاستقرار، لكنه من المستبعد أن تتمّكن قوى المعارضة من حشد الوسائل العسكرية اللازمة للإطاحة بالأسد. غير أنها تستطيع الحفاظ على التمرّد الذي طال أمده، على أمل أن انهيار الاقتصاد سيدفع في نهاية المطاف بنخب المدن السورية إلى الانقلاب ضد النظام، والمطالبة بالانشقاق داخل صفوف القوى الأمنية. أما الأمر المؤكّد، فهو أن كلّ هذه المؤشرات تنذر بصَيف حار وطويل ورهيب.

السابق
دبلوماسي أميركي لشباب لبنان:التغيير يبدأ منكم
التالي
السفير: فرنجية: ابني طوني مرشح لانتخابات 2013