الطريق طويل الى حرية فلسطينية

  الطموح الى الحرية هو خلاصة وجود شعوب كثيرة. وليس الامر كذلك، مع التعميم، عند الشعوب في منطقتنا (وفيها عناصر من الشعب اليهودي تعمل لالغاء حرية شعبهم السياسية). من المعقول ان نفترض ان المتظاهرين الذين بدأوا الاحتجاج في تونس ومصر طمحوا الى حرية كحرية الغرب؛ لكن القوى الاخرى، والأكثرية ذات القرار، تطمح الى "حرية" تختلف تمام الاختلاف.
إن الفلسطينيين الذين وقعوا أمس على اتفاق مصالحة بينهم لا يطمحون ألبتة الى حرية كصيغة التصريح الذي يُطلب الى براك اوباما أن يصرح به، بحسب مقالة الوف بن "الحرية هي الرسالة" ("هآرتس"، أمس). من اجل منح هذه الحريات الأساسية لا يحتاج الفلسطينيون الى تصريح رئاسي. فلا أحد يعوقهم ولا حتى اسرائيل عن منحهم إياها. إن الفلسطينيين تعوزهم في الحقيقة حرية سياسية تامة، لكن ما الذي يعوق ناس السلطة عن منح الفلسطينيين "حقوق انسان وكرامة وتحررا من الاضطهاد"؟.
يسيطر الفلسطينيون على شؤونهم الداخلية منذ أكثر من 15 سنة. هل عدم وجود تصريح رئاسي امريكي هو الذي منعهم من انشاء جهاز قضاء مستقلا، بلا تحيز بدل ذلك الغارق في الفساد؟ وهل ذلك الامر هو الذي منعهم من انشاء صحافة حرة، وتغليب شفافية الحكم ومنع فساد القريبين من الطبق؟ وهل ذلك هو الذي منعهم من بناء شرطة تحمي السكان وليست قوة فاسدة أساس عملها الحفاظ على نظام الحكم بواسطة التنكيل بالمواطنين؟ أليست هذه الامور من أسس الحرية؟.
أمس نشأ الحلف الجديد بين اولئك الذين يخفون بحلاوة لسان معارضتهم المبدئية لوجود دولة يهودية وبين اولئك، مثل حماس، الذين يكشفون – بواسطة عمليات دامية ايضا – عن خبايا قلوبهم. هذا الحلف يُبعد على عمد الحرية الاخرى، السياسية ايضا، لو أرادوا حرية سياسية لاستطاعوا التوصل اليها قبل سنين. بعد اتفاقات اوسلو مثلا. فقد كانت حكومة اسحق رابين وشمعون بيرس مستعدة لمنحهم هذه الحرية. وكذلك حكومتا اريئيل شارون واهود اولمرت.
إن ياسر عرفات، الذي خشي امكان ان يُدخله توقيعه على اتفاقات اوسلو التاريخ العربي باعتباره من خان مباديء الأمة العربية – وهي الرفض المطلق للاعتراف العربي بحق دولة يهودية في الوجود على ارض اسلامية مقدسة – اختار الغاء هذا الامكان، أي اوسلو بواسطة العمليات التفجيرية. أما محمود عباس الذي خشي أن يخلص براك اوباما من بنيامين نتنياهو دولة فلسطينية تضطر الى الاعتراف باسرائيل، فغاب فجأة عن حلبة المحادثات. كل ذلك مع اشتراطه شرطا (تجميد البناء في المستوطنات)، لم يفترض قبل ذلك في المحادثات مع جميع رؤساء الحكومات في اسرائيل. الآن يقوي عباس نفسه مرة اخرى بالحلف مع حماس.
هذا هو جوهر نماء علاقاته باولئك الذين رموا عشرات من ناسه عن المباني المتعددة الطوابق في غزة. بعد سنة ستُجرى انتخابات في السلطة. من سيتجرأ، بعد الرد الحماسي للشارع الفلسطيني على "شبه الاتفاق" بين اولمرت وعباس، على تجديد المحادثات مع اسرائيل؟ إن حماس التي فازت في انتخابات ديمقراطية من قبل قد تعاود انجازاتها وقد تحكم هذه المرة كما يهوى اسرائيليون يؤيدون المصالحة، في يهودا والسامرة ايضا، أوليست الانتخابات الحرة خلاصة الحرية.
ربما يستطيع اوباما أن يدفع قُدما بدولة فلسطينية، لكنه لا يستطيع ان يضمن ان تسودها حريات انسان. إن اصوات الحزن والرثاء من غزة ومن المسجد الاقصى بعد اغتيال ابن لادن تُبين جيدا أي نوع من الحرية يطمح اليه الفلسطينيون ويقدرون عليه. 

السابق
اوروبا قد تطلب ثمنا باهظا
التالي
الخطبة المفروضة