الخطبة المفروضة

 اذا كانت المصالحة بين فتح وحماس تشبه العرس بين زوجين، فنحن نوجد الان في بداية مرحلة المغازلة. الزوجان لم يلتقيا بعد وهما يركزان حاليا على الثرثرة على الفيس بوك.
هذه المغازلة مصيرية، ولكنها مفروضة ايضا. فالطرفان ليسا معنيين تماما الواحد بصحبة الاخر. الحب لا يملأ قلبيهما. لا توجد كيمياء. لا توجد صعقة، ليس واضحا اذا كان هناك ما يمكن الحديث فيه أو ما يمكن عمله معا. الموضوع هو أن الاباء والامهات يضغطون. إذ ان هذه الخطبة ولدت معاكسة. تحركها مصالح غريبة وجهات خارجية.
مصلحة ابو مازن هي الحاجة لتوحيد الصفوف قبيل ايلول والتخوف من "دخول السرير وحيدا". مصلحة حماس هي التخوف من فقدان السيد السوري وفقدان ذات الصلة. وتوجد مصر، التي تحتاج الى انجاز من هذا النوع، وكانت المحرك الذي حرك الخطوة الحالية. ولهذا فقد صدرت الى العالم هذه المغازلة، والتي من شأنها أن تؤدي الى اللقاء الاول، وبعده ثانٍ، واذا ما سار كل شيء كما ينبغي وتدبرت الامور، فقد يكون في النهاية ايضا عرس أحد ما في اطاره سيتعين عليه أن يحطم الى جانب الكأس، ايديولوجيته أيضا.
هذا أحد الاعراس التي بعد عدة أشهر منه يسأل الزوجان نفسيهما، كل واحد على حده ما الذي مر له في الرأس عندما دخل الى خيمة الزفاف. ونحن لسنا هناك، بعد. فتح وحماس، يحب الواحد الاخر تقريبا مثلما يحب اليمين المتطرف اليسار الهاذي عندنا، سيتعين عليهما أن يشكلا حكومة معا، وان يقررا من سيكون رئيسها، وان يوزعا الاموال والتشريفات، وان يقررا ما العمل بالمسيرة السياسية وبالتنسيق الامني مع اسرائيل، وان يديرا الصندوق، وينتجا برنامجا سياسيا مشتركا واجندة مقبولة، ويبلورا سياسة جديدة في موضوع شليت ويتجاوزا عددا لا حصر له من العوائق والعقبات. الاحتمال في أن يحصل كل هذا ليس واضحا، ومحافل التقدير في اسرائيل تعتقد بانه ليس عاليا. ولا يزال ينبغي الاستعداد لامكانية أن نجد في أيلول أمامنا شريكا موحدا ونضطر الى ان نودع الذريعة الخالدة والتي لا بأس بها لنا في أنه "لا يوجد مع من يمكن التحدث لانهم منقسمون وما العمل بغزة".
مخاطر هذه الخطوة واضحة. خالد مشعل حاول أمس اصلاح الخطأ الغبي على نحو خاص لاسماعيل هنية الذي ندد بتصفية بن لادن ووصفه "بالشهيد". مشعل القى في القاهرة خطابا متصالحا، حديث الاطلاع، تضمن أيضا اقوالا دراماتيكية. على حد قوله، حماس مستعدة لدولة فلسطينية في حدود 67. وحسب اقواله، حماس مستعدة لاعطاء فرصة لمواصلة الحوار مع اسرائيل رغم ان الاتصالات ("التي استمرت عشرين سنة حتى الان") فشلت. أفترض أن هذه الاقوال نزعها من مشعل المصريون بعمل كد، ولا تزال قيلت ويمكنها أن تكون المعول الذي يحفر به الاوروبيون، وربما الامريكيون ايضا الفخ لبيبي. فها هي حماس مستعدة لمفاوضات، حماس تتحدث عن دولة فلسطينية في حدود 67، فما المشكلة؟
إذن ها هي، توجد مشكلة. بدلا من التمرد ومحاولة تفجير كل القصة، كان ينبغي لاسرائيل أن تسير نحو مكان آخر تماما. الفلسطينيون يريدون أن يتحدوا؟ هذا حقهم. ليس لنا نية للتدخل في تركيبة حكومتهم، مثلما لسنا مستعدين لان يتدخلوا في شؤوننا. كل ما ينبغي للحكومة الجديدة أن تفعله هو أن تواصل الخط التقليدي لعهد اوسلو، فتعترف بالاتفاقات وباسرائيل وتتنكر للارهاب. نحن سنتحدث مع كل حكومة كهذه. هكذا كان يمكن أن ننقل عبء البرهان الى الطرف الاخر وان ندع ابو مازن يعرق أمام شركائه الجدد.
وبدلا من ذلك اختارت اسرائيل، كالمعتاد، وقفة الرفض الخالدة لها. دول "الولد الشرير" ففوتت فرصة اخرى لاستغلال الحدث وتحويله الى رافعة في صالحها. 

السابق
الطريق طويل الى حرية فلسطينية
التالي
هل يعمل الفلسطينيون لصالح اسرائيل؟