«النواب التغييريّون» اللبنانيّون والنواب العرب في الكنيست الإسرائيلي

يكاد “النواب التغييريون” في البرلمان اللبناني يصبحون أشبه بالنواب العرب في الكنيست الإسرائيلي.
مالذي بات يدفع إلى هذا التشبيه؟
العنصر الأول هو كون المجموعتين تعملان في وضع ميؤوس من تغييره. صحيح أن نواب الكنيست العرب يملكون هوامش حرية تعبير أوسع بما لا يُقارَن من الهوامش التي يملكها “النواب التغييريّون” اللبنانيّون، غير أن كلا المجموعتين تواجهان حالة مغلقة الآفاق السياسية من حيث القطيعة الموضوعية مع القضية الأساس: تغيير النظام العنصري حيال الفلسطينيين في إسرائيل وتغيير النظام الطائفي حيال الأجيال الشابة في لبنان، لاسيما بعد ثورة 17 تشرين.

اقرأ أيضاً: «نكبة» الإنتخابات الرئاسية ٢٠٢٢

“تنتظر” النوابَ العربَ خارج الكنيست الإسرائيلي هراواتُ الشرطة حين يتجاوز تحركُهم في الشارع الحدود المرسومة. و”تنتظر” النوابَ التغييريين ال 13 وداخل برلمان ساحة النجمة هراواتٌ خفيّةٌ وفعالةٌ تمنعهم من تغيير قواعد اللعبة في المجلس النيابي ولو بالحد الأدنى. قصر المدة التي مضت على وصولهم لعضوية البرلمان لا يحول دون هذا الاستنتاج الذي تشير إليه مظاهر عديدة:
تبدو المعضلة التي تواجه النواب التغييريين أنهم لم ينجحوا حتى الآن في نقل هراوات النظام الطائفي الخفيّة إلى حالة مكشوفة وهذا بحد ذاته كان لو حصل، ولو جزئيا، سيلعب دورا فاضحاً للعلاقات الحقيقية (الميليشياوية) التي تسيطر على البرلمان.
بدأت كذبة كبيرة يلعبها أركان النظام الطائفي بإغراق النواب ال 13 بها وهي تكريس فكرة أن “النائب الصالح” هو النائب المنتِج تشريعيا. هذا صحيح في بلد ديموقراطي فعلي وليس في بلد مُعطّل كلبنان برلمانيّتُهُ زائفة. لذلك أخطر ما في دعوة “النائب الصالح” هو جر “النواب التغييريين” إلى هاوية تطبيعية مع النظام الطائفي المغلق عملياً على أي تغيير تشريعي جدي منها مثلا، مشروع قانون استقلال السلطة القضائية وما يتصل بها.

هذه اللاجدوى التشريعية، وهي لاجدوى مغرية شكلاً، تُنسي النواب ال13 أن مكانهم الفعال بعد وصولهم إلى البرلمان، هو الشارع والشارع أولاً، لأن حيتان النظام وضفادعه البشعة لن تسمح بأي قانون تغييري راديكالي كما ظهر في مشروع “الكابيتول كونترول” الذي تتواصل تحت سقف تعطيله عمليات احتيال ونقل أموال إلى الخارج لم تتوقف في الواقع منذ الانهيار.
الشارع، الشارع، الشارع .
هذا ليس مجرد شعار بل يحتاج إلى استراتيجية كاملة من التحرك تستفيد من الجو البرلماني لصالح تعزيز بل تجديد ديناميات المواجهة الشرعية في مجالات لا تزال ساخنة أو مهيّأة لأن تصبح ساخنة.
نفتقد الصدمة في الحياة السياسية التي يستطيع النواب ال13 إحداثها أو تجديد إحداثها، بل الصدمات. يحاول الحيتان وأزلامهم في المنظومة السياسية اللبنانية إقناعكم بأنكم قوة “تشريعية” فحسب، وهذه خدعة خبيثة وسيئة. “مشرِّعون” لا دور تشريعياً لكم! فلا يضير بكم أنكم “مشرِّعون” لا دور تشريعيا عمليا لكم في نظام مغلق وعلاقات قوة فعلية قامعة.وهذا ما تختبرونه كل يوم وكل جلسة برلمانية وكل نشاط مواكب في هذا الإطار.
استراتيجية التحرك المطلوب هي مزيج طبعاً من النشاط السياسي الشارعي الذي جئتم منه ومن النشاط البرلماني الذي يواكب بدوره بين الصدمة الضرورية والفعالية السياسية.

لا يستطيع مراقب موضوعي أن يخفِّف من صعوبة الجمع بين سياسة الصدمة وسياسة الفعالية في الوضع الذي تواجهونه. لكن لا غنى عن السعي لذلك، مخافة أن يصبح مرور الوقت قاتلاً لكل المشروع الاعتراضي وهذا ما تعيه جيدا قوى المنظومة السياسية وتراهن عليه.
كلا المجموعتين، النواب العرب في الكنيست، و”النواب التغييريّون” في لبنان مُحاصَرة. الأولى بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة والقضية المدنية، قضية الحقوق المدنية للجماعة الفلسطينية داخل إسرائيل. والثانية بقضية الحقوق المدنية للجماعات اللبنانية حين يتحوّل التمييز الطائفي والقانوني والسياسي إلى قضية حقوق مدنية في لبنان حرّكت جوهريا عشرات آلاف النخب الشبابية اللبنانية في 17 تشرين عام 2019.

كيف نتجاهل أن المسار التاريخي للقضية الفلسطينية، على الأقل بنظر قطاعات متزايدة في الرأي العام والنخب السياسية الغربية هو تحولها رغماً عن إسرائيل إلى قضية حقوق مدنية في نظام عنصري. ولا شك أنه كلما تماهت مجموعة النواب العرب في الكنيست مع متطلبات النضال ضد النظام العنصري الإسرائيلي المتعدد المستويات بين المنفى الدياسبوري والضفة والقطاع المحتلَّيْن والداخل الإسرائيلي الفئوي كلما اقتربت من أن تُشكِّل “مرجعية” نمطية لمشروع “النواب التغييريين” في تصدِّيهم، وهذا مجرد تجريد أطمح أن يكون ذا معنى، لتشابك الداخل والخارج، الداخل الداخلي والخارج الخارجي بما يشكّل الجدار الضخم المتعدد الطبقات الذي تصطدم به فكرة التغيير.

مرجعية نمطية سلبية بمعنى انسداد آفاق التجربة المؤسّساتية حين لا يكون الشارع الاعتراضي موجودا في الحياة البرلمانية بطريقة تسمح بتحويل قوة الصدمة إلى أداة خرق هذا الانسداد.
ربما يمكن القول أن “استعادة الشارع” هو عنوان هذه الاستراتيجية النيابية المتوخاة والمطلوب من “النواب التغييريين” وضعها.

السابق
خاص «جنوبية»: تدابير لبنانية لعدم انتقال الكوليرا من سوريا!
التالي
«تسخين متبادل» بين إسرائيل و«حزب الله»..«ضرورات سياسية» لتمرير الإتفاق البحري؟