أوكرانيا والابتزاز الروسي الدائم

بوتين

منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية سنة 2014 وقيام موسكو باحتلال شبه جزيرة القرم والتدخل في الشرق أوكرانيا (إقليم دونباس الانفصالي) وإلى الآن، لم تتخذ موسكو أي خطوة استراتيجية تغير قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنيا بينها وبين الناتو والاتحاد الأوروبي، حيث إن الأطراف كافة شبه ملتزمة بضوابط النزاع، ومن المستبعد أن  تخرج الأمور عن السيطرة بالرغم من عودة الحشود العسكرية الروسية إلى الحدود الأوكرانية، وقرار بعض الدول الغربية تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة متطورة من أهمها مضادات الدروع. فجميع اللاعبين، وفي مقدمتهم واشنطن وموسكو، غير معنيين بنقل الصراع من حدوده التكتيكية إلى التصعيد الاستراتيجي.

بالنسبة لموسكو التي يؤرقها الحيز الأوكراني ويؤثر على مصالح أمنها الوطني، تضطر دائما إلى تذكير الأوروبيين والناتو بخطوطها الحمراء في حال حاولوا ضمها إلى واحد منهما، إذ لا يمكن لها الفصل بين مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية عن البعد العرقي أو الديني أو التاريخي في علاقتها مع أوكرانيا، وهذا ما يوفر للكرملين غطاء نخبويا وشعبيا روسيا في أي خطوة تصعيدية تجاه كييف.

موسكو التي يؤرقها الحيز الأوكراني تضطر دائما إلى تذكير الأوروبيين والناتو بخطوطها الحمراء في حال حاولوا ضمها إلى واحد منهما

وكما إن الإصرار الروسي في التركيز على هذه العلاقة التكوينية بين روسيا وأوكرانيا، كان لها تداعياتها على الرأي العام في أوروبا، الذي لا يرى فرقا بين الروس والأوكران. وهذا التعقيد في الفصل بينهما تستفيد منه دول أساسية في أوروبا بهدف المراوغة وتأجيل ضم أوكرانيا  إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى الناتو.

إقرأ أيضاً: مغتربون يشتكون من تغييب أقضية وقرى جنوبية عن موقع التسجيل الإنتخابي!

لذلك فإن العلاقة الشائكة ما بين أوكرانيا وروسيا من جهة، ومن جهة أخرى ما بين أوكرانيا والغرب، منحت موسكو فرصة دائمة لابتزاز الأوروبيين والناتو عبر كييف. فمنذ قمة الناتو في بوخارست شهر نيسان 2008 وإلى الآن، لم يتخذ الناتو أي إجراءات حقيقية في مسألة ضم أوكرانيا وجورجيا إليه، هذا الجمود أو المراوغة في الموقف الغربي من المسألة الأوكرانية اكتفى ببعض التغييرات النسبية، بالرغم من التحولات السياسية الداخلية في أوكرانيا واتخاذها خطوات الاقتراب أكثر من الغرب، كما أن التحركات العسكرية الروسية منذ أزمة القرم وإلى الآن لم تثر حفيظة الناتو للقيام بخطوات أكثر استراتيجية لحماية اوكرانيا.

عمليا، عززت معضلة أوكرانيا الجيوسياسية شكوك النخب الأوكرانية بأن الدول الغربية الفاعلة لا تريد من بلادهم إلا أن تكون منطقة عازلة بينها وبين روسيا، حيث أن كلفة تحويلها إلى منطقة عازلة أقل بكثير من ضمها على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية. ومن أجل الحفاظ على هذا الستاتيكو، فإن الدول الأوروبية لم تزل متمسكة بالكلام المبهم الذي صدر عن قمة الناتو في بوخارست  2008، والذي اكتفى بالقول قبل 13 سنة بأن جورجيا وأوكرانيا سيصبحان يوما ما أعضوين في الناتو دون تحديد إطار زمني لهذا الانضمام، وهذا ما عاد وصرّح به أمين عام الحلف من أيام في خضم التهديدات الروسية لأوكرانيا.

من هنا تتبع موسكو لعبة الاستفزاز والابتزاز معا، فهي على قناعة أن الدول الغربية لن تخوض مواجهة مباشرة مع روسيا من أجل أوكرنيا قد تؤدي إلى صراع عالمي، وتستغل فصل الشتاء وارتفاع أسعار الغاز من أجل تليين الموقف الألماني والفرنسي، والذي يظهر في كيفية التعاطي الروسي مع رباعية النورماندي، التي حوّلها وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، في تصريحه، الخميس الفائت، إلى أداة ضغط دبلوماسي على كييف، إذ أكد قوله: “لن نشارك في اللقاءات إلا عندما نتبلغ بتنفيذ كييف كل ما تم إدراجه في القرارات السابقة. ويشمل ذلك قبل كل شيء تحديد الوضع الخاص لمنطقة دونباس وتثبيت هذا الوضع في الدستور الأوكراني، الذي يجب إدراج جانب من اللامركزية فيه، حسبما جاء في اتفاقيات مينسك”.

مرسوم بوتين بتقديم الدعم الإنساني لسكان مناطق معينة في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك إستفزاز لكييف

 وقد سبق كلام لافروف موقفا للرئيس الروسي يستكمل الضغط الاستراتيجي على أوكرانيا، إذ وقّع الرئيس بوتين مرسوما يقضي بتقديم الدعم الإنساني لسكان مناطق معينة في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.

مرسوم بوتين يعتبر من جانب كييف خطوة نحو الاعتراف الرسمي باستقلال الإقليم، والذي يُعتبر خطوة روسية استفزازية، مدعومة بانتشار عسكري جديد على الحدود وتحذير من عواقب أي ردة فعل أوكرانية قد تؤدي إلى تدخل روسي مباشر. فالجميع بات مقتنعا بأن الاستفزازات الروسية جاءت نتيجة قناعة موسكو بأنها قادرة على تطويع الأوروبيين وتقويض خياراتهم. 

السابق
مغتربون يشتكون من تغييب أقضية وقرى جنوبية عن موقع التسجيل الإنتخابي!
التالي
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم السبت 20/11/2021