الشرق الأوسط بين قيم أميركا ومصالحها

تخوض إيران معركة بقاء مشروعها الاقليمي في سوريا. فهي تقف ضد ثورة غالبية الشعب السوري التي طالبت بالإصلاح الجدّي، ثم بسقوط النظام، والتي تحوّلت الى العمل المسلح بعد اختيار النظام قمعها عسكرياً. وتقف ضدها في المحافل الدولية والاقليمية. وتقف ضدها باتهامها بالعمالة لاميركا وللصهيونية. وتقف ضدها بتزويد الجيش السوري الاسلحة، وبتقديم خبراتها اليه وربما عناصر. وتقف ضدها بتقديم مساعدات مالية واقتصادية للنظام السوري، وبتشجيع حلفاء لها على ذلك. علماً انها تعاني كثيراً جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها. والأخطر من كل ذلك انها (ايران) وفي معرض منع "عصبية" الاسد من الخروج عليه واستجلاب تأييد له من "عصبيات" مماثلة في المنطقة، راحت تضاعف مخاوف الشيعة العرب من السنة العرب، وخصوصاً بعد "الربيع العربي" المُتهّم بأنه سنّي. طبعاً أثار ذلك الهياج في العراق أولاً حيث الشقاق السني – الشيعي مزمن. ودفع "القاعدة" واصدقاءها فيه، الى التوجه نحو سوريا بغية مساعدة الثورة. كما دفع شيعة العراق الى التعاطف مع نظام الاسد والى مساعدته اقتصادياً ومالياً. وقد يساعدونه عسكرياً إذا احتاج الى ذلك. وطبعاً ايضاً أثار ذلك الهياج السنّي – الشيعي في لبنان. فاللبنانيون عانوا الامرين من سيطرة سوريا الاسد عليهم. ونجحوا بعد اعوام طويلة في اخراجها رسمياً من بلادهم. لكنهم عجزوا عن اخراجها فعلياً لأن حلفاءها اللبنانيين منظمون وأقوياء عسكرياً. وقد زاد ذلك الحقد اللبناني الوطني على الاسد كما التحاقد المذهبي في الداخل. وترجم ذلك نفسه بعد اندلاع الثورة السورية بوقوف السنة في لبنان، الى جانب الثوار وغالبيتهم سنّة، وباصطفاف الشيعة فيه مع نظام الاسد و"عصبيته" المذهبية. وكاد ذلك ان يوسِّع الحرب السورية بجانبها المذهبي الى لبنان.
طبعاً لم تكن ايران وحدها المسؤولة عن هذا الموضوع او الاسد رغم انهما كانا المبادريْن، في رأي اخصامهما، الى توظيف المذهبية كما قضية فلسطين من اجل تثبيت حكميهما، ومن اجل إنجاح مشروعهما بل مشروع ايران في المنطقة. فالدول العربية وخصوصاً الخليجية منها وفي مقدمها العربية السعودية وقطر لم تضع مسافة بينهما وبين الاسلاميين المتشددين السنّة معمَّمين كانوا او غير معمَّمين من ابنائها او من ابناء الدول العربية الاخرى.
ماذا سيحصل في حال استمرت الحرب في سوريا من دون حسم؟
ستتوسع هذه الحرب، يجيب باحث مهم في مركز ابحاث عريق في واشنطن كان موظفاً رسمياً رفيعاً يعرف المنطقة بعربها والعجم، ستتوسع الى العراق ولبنان حتماً وربما الى دول اخرى. وليس ذلك في مصلحة اميركا التي عليها ان تتدخل بتأمين مساعدة عسكرية فاعلة وإن محدودة للثوار السوريين كي يحرزوا تقدماً حاسماً يؤدي الى إقناع الاسد بأن استمراره مستحيل. وليس ضرورياً ان تحصل المساعدة بقرار دولي في حال تعذره.
إلا ان ذلك لا يعني في رأيه ان على بلاده ان "تُطنّش" عن الارتكابات في حق "الأقليات" بعد الانتصار، لأن ذلك قد يحصل وخصوصاً بعدما صار طابع الحرب في سوريا مذهبياً، إذ عليها ان تكون منسجمة مع قِيَمها ومع مصالحها في الوقت نفسه. ومن هذه المصالح وجود ثلثي احتياط النفط في دول مجلس التعاون الخليجي في ايران والعراق حيث الغالبية اسلامياً هي الشيعة، أي ما يعادل نحو 20 في المئة من الاحتياط العالمي للنفط.

السابق
للعودة عن القطيعة
التالي
الكتيبة الإسبانية تستضيف تلامذة مدرسة الأنطونية