هل يصمد وقف النار في سوريا؟

هل يصمد وقف العمليات العسكرية في سوريا وإلى متى، خصوصا في غياب مراقبين يحددون الجهة التي تخرقه ومع بقاء الطرفين المتواجهين في مواقعهما وكل منهما على سلاحه في انتظار تنفيذ قرار خطة المبعوث الخاص كوفي أنان بانسحاب الآليات العسكرية في المدن وبنودها كاملة؟ وهل بات في الإمكان القول إن خطة أنان أخذت تسلك طريق التنفيذ بسهولة وان الحل السياسي للأزمة السورية له حظوظ؟ لكن يبقى السؤال المهم وهو: ماذا لو أن العمليات العسكرية استؤنفت في سوريا وأُعلن فشل تنفيذ خطة أنان، هل يعود البحث في عقوبات جديدة أو في تدخل عسكري خارجي أو في تسليح المعارضة السورية أو في إقامة مناطق عازلة؟

الواقع انه بعد مرور اكثر من سنة، لا النظام السوري استطاع الحسم عسكرياً والقضاء على الثورة القائمة عليه، ولا الثورة استطاعت إسقاط هذا النظام، ولا المجتمع العربي والمجتمع الدولي توصلا الى حل سياسي للأزمة السورية، ولا قرار اللجوء الى الحل العسكري كان متيسراً وذلك مخافة أن تشتعل حرب واسعة في المنطقة يتواجه فيها المحوران الاميركي ومن معه من جهة والمحور الإيراني ومن معه من جهة اخرى، وعلى نتائج هذه المواجهة يتقرر مصير المنطقة ويعرف لون وجهها. فالنظام السوري عندما كان على وفاق مع دول الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، وعلى وفاق ايضا مع الدول العربية المعنية وتحديداً مصر والسعودية، كان العمل جارياً لتغيير سلوك النظام وبخاصة في لبنان، ولم يمر في بال أحد تغييره لأن ذلك صعب وله مضاعفات. واستمرت محاولات تغيير سلوك النظام سنوات ولكن من دون طائل لأن من يربى على شيء يشيب عليه…

وعندما قامت ثورات شعبية في عدد من الدول العربية وأسقطت الأنظمة القائمة فيها، جاء دور النظام في سوريا، لكنه قرر التصدي للثائرين عليه اعتماداً منه على الجيش الذي ظل قوياً على رغم ما واجه من انشقاقات، واعتماداً على دعم ايران وروسيا. فلا الجامعة العربية نجحت في تنفيذ الحلول والمبادرات السياسية التي اقترحتها لأن النظام السوري رفضها وكان له شروطه للقبول بها، ولا الحلول الدولية أمكن تنفيذها لأنها اصطدمت بـ"الفيتو" الروسي والصيني المزدوج. وكانت روسيا تعتقد أن الجيش السوري قادر على الحسم عسكرياً خلال أشهر، وبعد هذا الحسم يدعى المعارضون للجلوس الى طاولة الحوار للبحث في الاصلاحات المطلوبة التي يتم تطبيقها خلال ما تبقى من عهد الرئيس بشار الاسد.
لكن الجيش السوري لم يتوصل الى الحسم عسكرياً على رغم اعطائه مهلة بعد مهلة بحجة البحث في الحلول السياسية، ولا يزال الرئيس الاسد يأمل في التوصل الى هذا الحسم إذا ما فشل الحل السياسي الاخير الذي يعمل عليه انان، وظلت ايران وروسيا تساندان النظام وترفضان تنحي الرئيس الاسد، فيما المعارضون يواجهون الحل العسكري بمحاولة الحصول على مزيد من الاسلحة من مصادر مختلفة، ومن دون إعلان رسمي من جانب اي دولة تقوم بذلك، وعندها تدخل سوريا في حرب أهلية لا أحد يعرف مدتها ونتائجها.

وقد يكون هذا هو الوضع الذي يفرض نفسه اذا فشل الحل السياسي وظل التدخل العسكري الخارجي لاخراج سوريا من هذا الوضع ممنوعاً خوفا من ان يؤدي الى إشعال حرب واسعة في المنطقة، أخطر ما فيها أن تكون حرباً مذهبية بين الشيعة والسنّة.
وهكذا يكون المجتمع العربي والمجتمع الدولي اللذان فشلا في تغيير سلوك النظام في سوريا، قد فشلا في تغيير النظام ايضاً.

لقد بات واضحاً للجميع ان لا شيء يغير هذا النظام إلا اذا غيرت روسيا موقفها واقتنعت بأن الرئيس الاسد لا يمكن ان يستمر في السلطة حتى وإن انتصر عسكرياً على خصومه. لذا ينبغي البحث عن بديل منه بالاتفاق مع الولايات المتحدة الاميركية ودول عربية معنية، وان لا سبيل لإجراء الاصلاحات المطلوبة والدعوة الى انتخابات نيابية حرة ونزيهة إلا بعد تنحي الرئيس الاسد وتشكيل حكومة تشرف على المرحلة الانتقالية. لكن لا شيء يدل حتى الآن على أن روسيا باتت في وارد تغيير موقفها من النظام في سوريا ولا تزال تأمل في أن ينجح الرئيس الاسد إذا ما أعطي مزيداً من الوقت لمواصلة الحسم العسكري إذا لم يصمد وقف اطلاق النار. ذلك ان روسيا تشعر بأنها في موقع قوي كونها تملك مفتاح الحل في سوريا، والولايات المتحدة الاميركية لا تملك هذا المفتاح ما دام موقفها يصطدم بـ"الفيتو"، والحل العسكري غير ممكن لأنه قد يشعل المنطقة، وهذا ما لا تريده في الوقت الحاضر، وليس سوى روسيا من يستطيع تنفيذ حل سياسي في غياب الحل العسكري يبقي الأسد في السلطة الى ان يتم الاتفاق على بديل منه ترتاح إليه.

السابق
النهار: الصفدي يفجّر قنبلة سياسية في وجه ميقاتي قبيل جلسة المناقشة
التالي
جنرال 3 بواحد