رواية المبخوت الفائزة بـ«البوكر» في عيون كتّاب بلاده

خلّف فوز رواية «الطلياني» لشكري المبخوت تفاعلا إيجابيا في الأوساط الثقافية بتونس، رأى فيه الكثيرون انتصارا للرواية التونسية الراهنة والتفاتة مستحقة للكتابة الأدبية في بلاد الياسمين.
يجمع شكري المبخوت (مواليد 1962) بين الكتابة النقدية والعمل الأكاديمي، فهو يشغل منصب رئيس جامعة منوبة، وقد أصدر في بداية مشواره قراءة نقدية في «الأيام» لطه حسين بعنوان «سيرة الغائب، وسيرة الآتي»، وبعدها «جمالية الألفة: النص ومتقبّله في التراث النقدي»، و «الأدب، المدرسة والأيديولوجيا»، ثم «الإسلام وكتابة الحداثة» وأصدر كتبا نقدية أخرى من بينها: «إنشاء النفي» و «الاستدلال البلاغي» و «نظرية الأعمال اللغوية»، أما «الطلياني» فهي روايته الأولى التي حققت المفاجأة هذا العام وهي تظفر بالبوكر من بين روايات أخرى ترشحت للائحة القصيرة: (شوق الدرويش) للسوداني حمور زيادة، و(ممر الصفصاف) للمغربي أحمد المديني، و(طابق 99) للبنانية جنى فواز الحسن، و(حياة معلقة) للفلسطيني عاطف أبو سيف، و(ألماس ونساء) للسورية لينا هويان الحسن.

«السفير» استطلعت آراء نخبة من كتاّب تونس حول قيمة العمل الروائي المتوج بالجائزة، ومدى استحقاقه للبوكر.

 كمال العيادي (روائي وشاعر):
رواية الطلياني مشروع إبداعي بناّء وأصيل وحضاري، كونها تستنطق التاريخ التونسي الحديث، وتحاسبُ جيلا كاملا من اليسار تسبب في خسارات كبرى، وكاد أن يؤدي بتونس إلى الهاوية، وبراثن الإخوان المُتأسلمين، جيل عششت اللامُبالاة في أعماقه وتذرع بأنه مقهور ومحروم ومُهان. فكان البطل وهو عبد الناصر الطلياني المعطوب الروح بسبب تحرّش الشيخ علالة الدرويش به وهو صغير، ولأسباب أخرى غامضة ومتشعبة، أحد الأطر الأكثر جرأة ووضوحاً على متانة البناء الفني وحبكة السرد في الرواية.
فالكاتب ومنذ البداية يواجه ويحاسب ويتقاطع مع جيل غامض وغير مفهوم ومسحوق ويسعى إلى تدمير كلّ شيء، حتى نفسه، مقابل الزجّ بشخوص إيجابية موازية تتقاطع معه، وتسعى إلى تأثيثه من جديد وتحاول فهمه ومواساته وتدبير أسباب لإنعتاقه. والرواية تبدأ برجّة وفضيحة، وتنتهي إلى سؤال، وبين هذا وذاك تداعيات وكشف ومحاولة غوص في أعماق المزاج التونسي المُشوش والمُربك.
وبرغم أنّها روايته البِكر الأولى، إلاّ أنّ شكري المبخوت روائي راءٍ ويشتغل على خرائط وفهم عميق وتمكنّ ودراية، ويحوّل الرؤية إلى رؤيا بأسلوب محكم وسلسٍ. وهو يستحق جائزة البوكر وعن جدارة فعلا.

منصف الوهايبي (شاعر وناقد):
شكري المبخوت ـ وهو صديق وزميل في الجامعة ـ يفد على المشهد الروائي التونسي والعربي، بقوّة في روايته»الطلياني». وقد قرأتها مرّتين: قراءة متعة، وقراءة واجب؛ إذ كنت عضواً منذ شهر في لجنة تحكيم «جائزة الكومار الذهبي» التونسيّة، وهي أكبر جائزة تُسند للرواية في تونس، وأسندنا إليها الجائزة بالإجماع. أمّا البوكر فاعتراف بالأدب التونسي الحديث؛ وهو رافد من روافد الأدب العربي الحديث، مستترٌ يكاد إخواننا المشارقة لا يعنون به (أقول هذا بالرغم من أنّني حظيت هذا العام بجائزتين عربيّتين كبريَيْن: جائزة البابطين وجائزة شاعر عكاظ).
وهذا الأدب التونسي الذي استطاع الشابي أن يبسط ظلّه في الثلاثينيات؛ أخذ اليوم بالظهور والبروز، ولم يعد من الظواهر العارضة التي لا تعمّر. وشكري المبخوت وهو الآن في الخمسين، صورة فذة للجامعي المثقف المبدع. لأقل: هو أمبرتو إيكو تونس، ولأقل أيضاً إنّ الرواية مثل الشعر، يهجران مركزهما الأقدم إلى الأطراف، وهما اليوم مزدهران في بلاد المغرب الكبير. لكن قد يكون قليله أو كثيره أشبه بمتأبّد الغابات تنمو ـ على جمالها الوحشي ـ وتهيج مطلقة مرسلة؛ ولا رادّ لفوضاها ولا كابح لغلوائها. ومع ذلك فإنّ للأدب المغاربي شأنًا، بعد أن صار أكثره في مراكزه الأقدم، متهافتا نكاد لا نظفر فيه إلاّ بعلامة واضحة الدلالة على بدء نضوب قوّته التي عرفها في النصف الثاني من القرن الماضي، وعلى نفاذ حيويّته.

 عبدالدائم السلامي (شاعر وناقد):
لا نملك إلا أن نمتدحَ فوزَ روايةِ «الطلياني» امتداحًا نزعم معه أن مُؤلِّفَها هو الشعبُ التونسيُّ بأسْرِه. ذلك أنه حاضِرٌ فيها بكلّ فئاته الاجتماعية وبجميع إيديولوجياته الفكرية حضورَ المُغامِرِ السرديّ الصانع لمعاني النصِّ والمُتَحرِّرِ من جميع إكراهات «الحياء الروائي»، ذاك الحياء الذي نُلفي له صورةً في تحصُّنِ أغلب نصوصنا الروائية المعاصرة بالاستعارة والكناية سبيلا إلى مهادنته والتهرُّبِ من مواجهته.

وفي خلال حضوره السرديّ، لم يُخفِ شَعْبُ الروايةِ جرأتَه في التكشُّفِ أمام القارئ بكلّ انتصاراته وانكساراته، والاعترافِ له بسوءاته الآدمية دونما وقوع في مَذلّة طلبِ الغفرانِ. وهو ما بدا معه الروائي شكري المبخوت كما لو أنه شعبٌ أبيٌّ يكتب روايتَه الوحيدةَ، رواية مُكتظّة بهواجس الثورةِ ومُنْبِئاتها، يكتبها بلُغةٍ طريّةٍ يكاد يلتحم فيها المبنى بمعناه على حدِّ ما تُحيلُ إليه لفظة الطليانيّ من وسامةٍ وبهاءِ طَلْعةٍ، ويعانقُ فيها الضِدُّ ضديدَه كما هي حالُ علاقة رَجُل الأمْن بغريمه المناضل اليساريّ، وتتصارع فيها مصائر شخصياتِها صراعَ المَحَبّاتِ مرّة وصراعَ المَحْوِ والإفناءِ مراتٍ على غرار قِصَّة العِشق التي جمعت بين عبدالناصر الطلياني وحبيبته زينة.

وليد سليمان (كاتب وناشر):
على إثر فوز رواية «الطلياني» للتونسي شكري المبخوت بجائزة «البوكر» للرواية، يحق لنا أن نتوقف قليلا عند أبعاد هذا الفوز الذي أتى كتتويج لمسيرة هذه الرواية الناجحة التي وصلت إلى طبعتها الثالثة في مدة وجيزة وتحصّلت على ثلاث جوائز مهمة. ولعلّ أول شيء يلفت الانتباه هو تمكن هذا العمل السردي من مصالحة الرواية التونسية مع قارئها، والإيذان بالدخول في حقبة جديدة يمكن المراهنة فيها على الأعـمال الأدبية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين.
وأعتقد أنه يتعين علينا أن نحاول فهم أسرار هذا النجاح الذي فاجأ الجميع وكشف عن وجود قراء شغوفين بالرواية التونسية يجب الاستماع إليهم. لكن الأكيد هو أن المزاج العام لقراء الرواية قد تغيّر وصار من اللازم الاعتناء بالجوانب التسويقية للأعمال الأدبية. فمثلما نجحت رواية «الطلياني» لشكري المبخوت يمكن لروايات أخرى أن تنجح ويصبح هناك قراء أوفياء وحقيقيون يمكن التعويل عليهم. وأعتقد أن نجاح هذه الرواية يدل على النضج الذي بلغته الرواية المغاربية وعلى الإمكانيات الهائلة التي يتمتع بها كتّاب المغرب العربي في فن السرد. لذلك فأنا أقول بثقة إن القادم أفضل على شرط أن نعطي هؤلاء الكتاب الفرصة ونساعدهم على العمل في ظروف مريحة.

(السفير)

السابق
هل يُقرّب الحريري بين موسكو والرياض؟
التالي
سلام ترأس اجتماعاً امنياً في السراي