خطبة اوباما: الحلم وتحطمه

 لم تكن تلك خطبة سيئة. ولم تكن خطبة جيدة. كانت مجرد خطبة، خطبة اخرى في لا شيء. وأكثر من ذلك ان المقام كان مثيرا للكآبة ومحزنا. وليست الكآبة من الخطبة بل من الخطيب. ليس الشيب وحده هو الذي وخط شعره بعد ثلاث سني ولاية معذبة، وقد لوحظ الاحباط وخيبة الأمل ايضا في صوته في كل جملة تقريبا. ان من وقف هذه المرة على المنصة في الجمعية العامة لم يكن هو الذي كان ذات مرة اوباما منذ وقت غير بعيد.
في ظهوره السابق – في القاهرة قبل سنتين، وفي مجلس النواب الامريكي قبل نصف سنة – كان ما يزال له حلم، أما أمس فكان تحطمه وتحطمنا. ان السحر الاسود تلاشى، واختفت الرؤيا كأن لم تكن ولم يبق سوى الواقع القبيح: "لا اختصارات طريق"، هذه هي البشارة وكأنها لم تطل 44 سنة. محزن، محزن وبائس. "يستطيع الاسرائيليون ان يكونوا راضين"، أذاع محللو الحاشية من نيويورك. فلماذا تنقبض قلوبنا وتمتليء بقلق عظيم؟.
ان زعيم القوة العظمى، والمحارب الكبير من اجل حقوق الانسان ومن اجل العدل، والحرية والديمقراطية لجميع البشر، سُمع ورُئي مثل رئيس دولة عادي آخر، يريد الكثير ويقدر على القليل. حصلنا مقابل الأمل على هذر كان حتى رئيس الولايات المتحدة السابق يستطيع جمعه وإلقاءه. يصعب أن نغضب عليه، على هذا الرجل الطيب ذي النوايا الخيِّرة. لكن أصعب من ذلك أن نراه في عجزه، بطلا كُسرت أسنانه وفارقته قوته. فهل يُعينه إلهه هذه المرة؟.
لم تُقطع الخطبة بتصفيق، ولم تقم القاعة على قدميها مع انتهائها ايضا. وفي الحقيقة فان وفدا واحدا فقط ارتاح في خضم عدم الاكتراث العام: اذا كانت الجمعية السابقة قد تناولت القضية الذرية الايرانية فانها قد دُفعت الى الهوامش الآن، فمن ما يزال يهتم بها في الحقيقة. يحق لاحمدي نجاد ان يفرك يديه متلذذا، فعمله قام به آخرون، ونتنياهو، يحظى بدلا منه بكامل الانتباه؛ الوضع محزن جدا وخطر جدا.
دعا اوباما الى تأييد "الربيع العربي"، ويصعب عليه فقط أن يُقصر الشتاء الفلسطيني. فهو عاجز في مواجهة التحالف الفاسد لـ ريك بيري، وافيغدور ليبرمان والـ ايباك. قبل سنة فقط، فوق نفس المنصة، التزم بانشاء دولة فلسطينية في غضون سنة على الأكثر. ومنذ ذلك الحين مُرط ريشه، حتى ان الخطب لم تعد عصماء كما كانت: فقلبه لا يتجرأ على أن يكشف لفمه ما يريد الفم قوله.
الرئيس يشبه روميثيوس، فهو واهن مكبل. وقد كان بطل المأساة اليونانية ايضا مثله، محبا للانسانية حتى انه أعطاها النار. وقد أعطى اوباما اسرائيل كل ما تطلب، لكن الآلهة في اولومب القدس تعاقبه وترسل عليه رعودا وبرقا؛ وهذه هي المأساة الاسرائيلية. ليته بخلاف جميع الاحتمالات، يحظى مع كل ذلك بمدة ولاية ثانية، آنذاك سيتخلص منهم ويحسن إلينا.
وفي خلال ذلك، هنا بعيدا عن هناك، قرب حاجز قلندية، في أول صدام بين متظاهرين وجنود، فقد فتى عينه بسبب اطلاق النار. وهو ايضا ينضم الى جميع الاسرائيليين والفلسطينيين – وهم سلسلة طويلة طويلة – الذين لن يحظوا برؤية الدولة الفلسطينية في ولادتها، أو سيرونها بعين واحدة فقط؛ وهذا محزن جدا، متأخر جدا بالنسبة لكثيرين. 

السابق
لا يوجد ما يبعث على السرور
التالي
الاعتراف بدولة فلسطين خطوة متسرعة وطائشة